تفتح التعديلات الجديدة التي تقودها وزارة الداخلية البريطانية بابًا واسعًا للجدل، بعدما أكدت الحكومة أن الأطفال المولودين في بريطانيا لآباء لاجئين قد يواجهون الترحيل في حال سحب صفة اللجوء من ذويهم، وهي خطة وصفتها الوزيرة
شبانة محمود، بأنها محاولة لـ"استعادة السيطرة" على الحدود.
ويعكس هذا التحول توجهًا أكثر تشددًا في ملف الهجرة، ويثير تساؤلات عن تداعياته القانونية والإنسانية على الأسر المقيمة داخل البلاد، فيما ذكرت مصادر لصحيفة "تايمز" أن الهدف من ترحيل الأطفال، وفق تبريرات حكومية، هو منع ما يسمى بـ"الحوافز غير السليمة" لدى بعض اللاجئين لبدء تأسيس أسر جديدة داخل بريطانيا.
موقف حزم بلا تراجع.. ترهيب وترغيب
وأعلنت وزيرة الداخلية البريطانية شبانة محمود يوم الإثنين مجموعة تعديلات تمنح اللاجئين صفة مؤقتة تُراجع كل ثلاثين شهرًا، وبموجب هذه المقترحات، يفقد اللاجئ حقه في الإقامة فور اعتبار بلده الأصلي "آمنًا" والذي اتضح أن أحدها هو اليمن بحسب تعريف الحكومة، التي قالت إن الإجراءات الجديدة لا تشمل الأطفال الذين حصلوا على الجنسية البريطانية، لكن نظرًا لغياب مبدأ "الجنسية بالولادة" في بريطانيا، فإن أبناء اللاجئين لا يُعتبرون بريطانيين تلقائيًا إلا إذا كان أحد الوالدين بريطانيًّا أو يحمل إقامة مستقرة.
محمود أكدت لزملائها في حزب العمال أن مستقبل الحزب يعتمد على التعامل الحازم مع "الهجرة غير القانونية"، وقالت في مقابلة مع قناة (
LBC) إنها لا تنوي التراجع عن المقترحات، التي تتضمن تقديم حوافز مالية لأسر رُفضت طلباتها للعودة إلى بلدانها، وفي حال رفض المغادرة الطوعية، تقول وزارة الداخلية إنها ستنتقل إلى "تصعيد" الإجراءات وصولًا إلى الترحيل القسري.
انقسامات حول التعديلات
وأثارت السياسات الجديدة انقسامًا داخل حزب العمال، إذ انتقد أكثر من عشرين نائبًا المقترحات علنًا، ووصفت سارة أوين، رئيسة لجنة المرأة والمساواة، هذه السياسات بأنها “مقيتة”، أما اللورد دَبس، وهو نائب عمالي وصل إلى بريطانيا هاربًا من النظام النازي، قال إنه يشعر بـ"خيبة الأمل" من المقترحات، واتهم وزيرة الداخلية بـ"اتخاذ الأطفال سلاحًا" في الجدل بشأن الهجرة، ورغم الانتقادات، زعمت محمود إن جلسات البرلمان أظهرت "دعمًا واسعًا” داخل الكتلة العمالية للإصلاحات، مضيفة: "لن يتفق الجميع دائمًا، لكن دعم الأغلبية يعني أن هذه الخطط ستتحقق".
الوزيرة أعجبتها "التجربة الدنماركية"
لم تأتي خطة ترحيل أطفال اللاجئين من فراغ، ولربما ما يحمله المشروع من قسوة قد يغازل طموحات اليمين المتطرف الذي بات غاضبا من سياسات الحزب الحاكم بسبب تدفق المهاجرين، حيث تواجه حكومة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر "انقلابا داخليا محتملا"، بحسب تقرير لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية بعد أن أظهرت استطلاعات رأي تراجع تأييد حزب العمال إلى أدنى مستوى له منذ 2019، وأصدرت وزيرة الداخلية البريطانية، شبانة محمود، ورقة سياسية من 33 صفحة خاصة بإجراءات الحد من اللجوء ومن بينها وفقا لصحيفة "الغارديان:
1. قد يُجبر الأشخاص الحاصلون على صفة لاجئ على العودة إلى أوطانهم إذا أصبح الوضع آمنًا، حيث أعربت محمود عن دعمها للتدابير التي من شأنها إنهاء الوضع الدائم للاجئين، وبموجب خططها، سيحتاجون إلى إعادة تقديم طلبات البقاء في بريطانيا كل عامين ونصف، ومن المفهوم أنه يمكن إعادة الحاصلين على حق اللجوء إلى بلدانهم الأصلية عندما تُعتبر آمنة - وهى سياسة مستوحاة من نظام الدنمارك المثير للجدل، وقد أشارت بعض الأبحاث إلى أن سياسات الردع لا تؤثر إلا قليلًا على اختيار طالبي اللجوء لوجهتهم، لكن دراسة أجريت عام 2017 أظهرت أن "الترويج السلبى للدولة" فى الدنمارك أثبت فعاليته.
2. سيتعين على الحاصلين على حق اللجوء الانتظار لفترة أطول بكثير ليصبحوا مواطنين بريطانيين، يُمنح اللاجئون الحماية لمدة خمس سنوات، وبعدها يمكنهم التقدم بطلب للحصول على إقامة غير محددة المدة، مما يتيح لهم الحصول على الجنسية البريطانية، ولكن بموجب التغييرات المقترحة، سيتعين على الوافدين غير الشرعيين الانتظار 20 عامًا قبل أن يتمكنوا من التقدم بطلب للحصول على إقامة دائمة - وهو إجراء من المتوقع أن يُطبق فقط على الوافدين الجدد، بموجب هذه التغييرات، سيتم تقليص فترة الحماية الممتدة لخمس سنوات إلى 30 شهرًا، مع إجراء مراجعات دورية لتحديد ما إذا كانت الحماية لا تزال ضرورية، وإلغاء وضع اللاجئ إذا اعتُقد أن البلد آمن.
3. ستعلن حكومة كير ستارمر عن خطط لإصدار تشريع يقيد كيفية تطبيق المحاكم للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR) فيما يتعلق بالحياة الأسرية، وسيتم إعادة تفسير المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التى تضمن الحق في الحياة الأسرية والخاصة، "بما يتوافق مع توقعات الشعب البريطاني"، وتقول الحكومة إنها ستسن تشريعات لتوضيح أن الصلة الأسرية تعنى الأسرة المباشرة، مثل أحد الوالدين أو الطفل.
4. سيتعين على الأوكرانيين المُرحّب بهم فى المملكة المتحدة العودة أيضًا، وعند سؤالها عما إذا كان الأوكرانيون سيتأثرون بالنظام الجديد، قالت وزيرة الداخلية البريطانية أن مواطني البلد الذى مزقته الحرب موجودون بالفعل هنا بموجب "ترتيب مؤقت"، وأشارت إلى أنهم سيواجهون أيضًا ضرورة العودة، وأضافت وزيرة الداخلية أن الأوكرانيين موجودون في المملكة المتحدة بموجب نظام مصمم خصيصًا لهم، وأن "معظمهم" يرغبون فى العودة بمجرد انتهاء الصراع مع روسيا.
5. إلغاء المزايا التلقائية والتحقق من الأشياء الثمينة التي يملكها طالبو اللجوء، وهنا تقول محمود إنها ستعدل القوانين التي تضمن السكن والدعم الماي لطالبي اللجوء الذين قد يواجهون الفقر المدقع، وسيتم إلغاء الواجب القانوني لتقديم دعم طالبي اللجوء، بما في ذلك السكن والإعانات الأسبوعية.
كما أعلنت الحكومة أنها ستسعى إلى إلغاء دعم اللجوء لمن يحق لهم العمل والقادرين على إعالة أنفسهم. ويمكن أيضًا إلغاء الدعم لطالبي اللجوء الذين يخالفون القانون، أو لا يمتثلون لتوجيهات الإبعاد، أو يعملون بشكل غير قانوني، وتؤكد الحكومة أن الأولوية في الحصول على المزايا ستكون لمن يساهمون في الاقتصاد والمجتمعات المحلية. وتضيف أن اللاجئين سيظلون قادرين على الحصول على الأموال العامة، لكنها ستتشاور بشأن التدابير التي قد تعنى ضرورة استيفاء الأشخاص لمتطلبات إضافية للحصول على المزايا والاحتفاظ بها.
6. سيُستخدم الذكاء الاصطناعي لتقييم أعمار الأشخاص الذين يصلون بشكل غير قانوني، حيث تُصرّ الحكومة على أن النظام غير الدقيق يعنى أن من يدّعون أنهم قاصرون أو يُصنّفون خطًا كبالغين يُعرّضون الأطفال للخطر، وأعربت جماعات حقوقية عن مخاوفها من أن هذا النظام قد يُرسّخ التحيز ويُصنّف الأطفال بشكل خاطئ كبالغين ويُعرّضهم للخطر.
7. إطلاق مسارات قانونية جديدة إلى المملكة المتحدة، وتقول شبانة محمود أن الحكومة ستُطلق مسارات آمنة وقانونية جديدة إلى المملكة المتحدة كوسيلة للحد من عدد الرحلات الخطرة على متن قوارب صغيرة عبر القناة الإنجليزية، سيتمكن الناس من كفالة لاجئين أفراد في نموذج مماثل لبرنامج "منازل لأوكرانيا"، الذى استضاف بموجبه البريطانيون أوكرانيين فارين من الحرب، ووفقًا للحكومة، سيتم وضع حد أقصى لهذه المسارات، وهى مصممة لإعطاء المجتمعات المحلية رأيًا أكبر بشأن وجود اللاجئين ودعمًا أفضل لطالبي اللجوء، بما في ذلك المساعدة في تعلم اللغة الإنجليزية بمستوى عالٍ.
8. حظر تأشيرات لثلاث دول أفريقية بسبب "ضعف التعاون" في عمليات الترحيل، وأعلنت وزارة الداخلية البريطانية أن طلبات التأشيرة من أنجولا وناميبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية لن تُمنح إلا إذا زادت حكوماتها تعاونها مع المملكة المتحدة في إجراءات ترحيل مواطنيها، وأضافت في بيان لها، أن حظر التأشيرات سيُفرض "ما لم تقبل هذه الدول عودة مجرميها ومهاجريها غير الشرعيين"، مشيرةً إلى أن التهديد بفرض عقوبات ناجم عن "ضعف التعاون بشكل غير مقبول وعمليات الترحيل المعوقة".
استغلال ملف أطفال اللاجئين
موقع
"
كونفرزيشن"، قال إن ملف أطفال اللاجئين لطالما كان معيارًا أخلاقيًا في نقاشات اللجوء ،بل وحتى أصبح
يستخدم كسلاح، وعلى سبيل المثال، كانت صور جثمان الطفل السوري آلان كردي، خلال ما يُسمى بأزمة اللاجئين عام 2015، حافزًا لموجة غير مسبوقة من التعاطف بين وسائل الإعلام والجمهور والسياسيين، لافتا إلى أنه حتى حزيران/يونيو 2025، بلغ عدد طلبات اللجوء إلى المملكة المتحدة
88,738 طلبًا، تتعلق بـ 111,084 شخصًا، من بين هؤلاء، كان 15,123 طفلًا معالًا (أي الأطفال المدرجون في طلب لجوء أحد الوالدين).
ويدخل أطفال آخرون عبر تأشيرات لمّ شمل الأسرة بعد حصول أحد والديهم على وضع اللاجئ، وفي ظلّ تزايد الاستياء العام من نظام اللجوء، أوقفت الحكومة طلبات لمّ شمل الأسرة الجديدة من اللاجئين، وبموجب الخطط الجديدة ، لن يُسمح للاجئين بالتقدم بطلب لم شمل الأسرة، ما لم يتمكنوا من التحويل إلى تأشيرة عمل أو دراسة.
اختفاء أكثر من 2300 طفل
ليس الترحيل وحده هو ما يؤرق المهاجرين في بريطانيا، فقد كشف تقرير "Until Harm Ends" الصادر عن مؤسستي ECPAT UK وMissing People، اعتماداً على بيانات حصلت عليها
صحيفة الغارديان عبر طلبات حرية المعلومات، عن اختفاء أكثر من 2300 طفل من رعاية السلطات المحلية في المملكة المتحدة خلال العام الماضي، بينهم أطفال تعرّضوا للاتجار وآخرون وصلوا إلى البلاد بمفردهم لطلب اللجوء.
وحسب ما ذكرته صحيفة الغارديان " أظهرت بيانات 135 سلطة محلية تحديد 2,335 طفلاً إما تم الاتجار بهم أو يُشتبه بذلك، اختفى منهم 864 طفلاً (37 بالمئة)، كما أفادت 141 سلطة محلية بأنها كانت ترعى 11,999طفلاً من طالبي اللجوء غير المصحوبين، اختفى منهم 1,501 طفلاً (13 بالمئة)، ويحذّر التقرير من أن هذه الفئات تُعد في "خطر مرتفع جداً" للغياب عن الرعاية، موضحًا أن الأطفال المتاجر بهم قد يكونون بريطانيين أو من خارج البلاد، وغالباً ما يتعرضون لاستغلال جنسي أو إجرامي، بما في ذلك شبكات County Lines.
ورغم أن السلطات المحلية ملزمة قانونياً بحماية هؤلاء الأطفال، يؤكد التقرير عدم توفر بيانات حكومية مركزية بشأنهم، محذراً من أن عدم استقرار الوضع القانوني للهجرة يزيد من احتمالات إعادة الاتجار بهم واستغلالهم من جديد، كما ويدعو التقرير السلطات المحلية والشرطة إلى تحسين إجراءات الحماية، كما يحث وزارة التعليم على ضمان توفير سكن آمن يمنع تعرّض الأطفال للاستغلال مرة أخرى.
وقالت باتريشيا دار، الرئيسة التنفيذية لـ
ECPAT UK، إن التقرير "يكشف حجم الخطر الذي يواجهه الأطفال المتاجر بهم وغير المصحوبين"، مؤكدة أن الأنظمة القائمة “تخذلهم باستمرار”، بينما تسهم بعض السياسات والخطابات السياسية في تفاقم المشكلة، وقالت جين هنتر، رئيسة الأبحاث في
Missing People، إن "كل طفل يستحق الأمان، لكن هؤلاء الأطفال يُتركون بلا حماية كافية".
وفي المقابل، قال متحدث حكومي إن النظام الحالي لرعاية الأطفال "ورث مشاكل عميقة”، مشيراً إلى أن مشروع قانون رعاية الأطفال والمدارس يمثل "أكبر إصلاح منذ جيل"، ويشمل تحسين أماكن الرعاية، وتطوير تبادل المعلومات، وإنشاء فرق حماية متعددة الوكالات، وإلزام الشركاء بدمج المؤسسات التعليمية ضمن ترتيبات حماية الطفل.