تتسارع وتيرة التوتر الدبلوماسي بين
الصين واليابان على خلفية تصريحات لرئيسة الوزراء
اليابانية الجديدة ساناي تاكايشي بشأن
تايوان، ما دفع بكين إلى اتخاذ سلسلة إجراءات اقتصادية وثقافية متصاعدة، أبرزها تعليق استيراد المأكولات البحرية من اليابان، ووقف الموافقات على الأفلام اليابانية، إضافة إلى تحذيرات أمنية متبادلة بين البلدين.
وأفادت وسائل إعلام يابانية، بينها شبكة "إن إتش كاي"، الأربعاء، بأن الصين أبلغت طوكيو قرارها تعليق استيراد المأكولات البحرية اليابانية، في خطوة فسرتها بكين بأنها ضرورية لـ"مراقبة المياه المعالجة" التي صرفت من محطة
فوكوشيما النووية.
ويأتي القرار بعد أشهر من استئناف الصين وارداتها البحرية من اليابان في حزيران/يونيو الماضي، عقب حظر فرضته عام 2024 إثر بدء محطة فوكوشيما تصريف المياه المعالجة في 2023.
ورغم تأكيدات شركة "تيبكو" بأن المياه خضعت لمعالجة متكررة لإزالة المواد المشعة باستثناء مادة "تريتيوم" ضمن الحدود الآمنة، وتمسك الوكالة الدولية للطاقة الذرية بسلامة العملية، واصلت بكين انتقاداتها واتهمت طوكيو بـ"معاملة المحيط الهادئ معاملة سيئة".
ولاحقا فرضت روسيا حظرا مشابها على المنتجات البحرية اليابانية.
رد صيني غاضب على تصريحات تاكايشي
يتزامن التصعيد مع توتر حاد أثارته تصريحات لرئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايشي في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، قالت فيها إن طوكيو "قد تتدخل عسكريا" إذا تعرضت تايوان لهجوم صيني.
وأثارت التصريحات غضب بكين التي تعتبر تايوان جزءا من أراضيها، إذ استدعت السفير الياباني، ودعت مواطنيها إلى تجنب السفر إلى اليابان، كما حذرت وزارة الخارجية الصينية من "إجراءات مضادة جادة" إذا لم تتراجع طوكيو عن تصريحات تاكايشي.
وأعلنت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ، الاثنين الماضي، أن رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ لن يلتقي تاكايشي على هامش قمة مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا.
ضربات اقتصادية وثقافية تدريجية
وفي إطار الردود العقابية، نقلت وكالة "بلومبيرغ" عن مصادر مطلعة أن الهيئة الصينية المنظمة للأفلام أوقفت الموافقات على الأعمال السينمائية اليابانية الجديدة، كما جمدت ستة أفلام كانت مبرمجة للعرض.
وتشير البيانات اليابانية إلى أن صادرات المأكولات البحرية إلى الصين بلغت في 2023 نحو 15.6% من إجمالي 390 مليار ين (2.5 مليار دولار)، منخفضة من 22.5% في 2022. وبلغت صادرات اليابان من المنتجات البحرية إلى هونغ كونغ 26.1% وإلى الولايات المتحدة 15.7%.
ورغم رفع بكين الحظر في حزيران/يونيو الماضي، فإن إجمالي وارداتها من الأسماك والقشريات خلال الأشهر التسعة الأولى من العام لم يتجاوز 500 ألف دولار، بحسب بيانات الجمارك الصينية.
طوكيو تحذر رعاياها في الصين
في المقابل، دعت اليابان مواطنيها في الصين إلى توخي الحذر، وتجنب الأماكن المزدحمة، في ظل ما وصفته بـ"تزايد المشاعر المناهضة لليابان" داخل الإعلام الصيني. وقال كبير أمناء مجلس الوزراء مينورو كيهارا إن التحذير يستند إلى "تقييم شامل" للوضع الأمني.
وذكرت السفارة اليابانية في بكين أن على اليابانيين توخي اليقظة، وعدم السفر بمفردهم، والحذر خلال التنقل مع الأطفال.
وزار مسؤول شؤون آسيا وأوقيانوسيا في الخارجية اليابانية ماساكي كاناي الصين لمحاولة خفض التوتر، متوقعا أن يوضح للمسؤولين الصينيين أن تصريحات تاكايشي "لا تعني تغييرا" في موقف اليابان الرسمي الذي يعترف بجمهورية الصين الشعبية حكومة شرعية للصين.
خلاف دبلوماسي يهدد العلاقات الاقتصادية
وتظهر التطورات أن الخلاف الأخير يهدد المكاسب الاقتصادية الأخيرة بين البلدين، رغم لقاء جمع بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيسة الوزراء تاكايشي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، واتفاقهما على تعزيز العلاقات التجارية والسياحية.
غير أن الخطاب القومي المتشدد لدى الطرفين يغذي التوتر، إذ توضع تاكايشي ضمن "اليمين المحافظ المتطرف" داخل اليابان، بينما يقود شي جين بينغ توجها قوميا صارما.
وتشير استطلاعات الرأي في اليابان إلى ارتفاع جديد في التأييد الشعبي لتاكايشي بعد تصريحاتها بشأن تايوان، رغم الانقسام الداخلي حول احتمال تدخل طوكيو عسكريا.
زيارات حساسة وخطط دفاعية
وترى تحليلات في "بلومبيرغ" أن التوتر قد يدفع تاكايشي لإعادة طرح زيارة ضريح ياسوكوني الذي يخلد قتلى الحرب اليابانيين، بمن فيهم مدانون بجرائم حرب، وهو ما أثار أزمات سابقة حين زاره رئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي عام 2013.
أما على المستوى العسكري، فقد ضاعفت الصين إنفاقها الدفاعي منذ 2013، بينما رفعت اليابان ميزانية دفاعها إلى 43 تريليون ين (273 مليار دولار) ضمن خطة ممتدة لخمس سنوات، ما يرفع الإنفاق إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبينما تتصاعد التصريحات والإجراءات الاقتصادية والثقافية المتبادلة، يخشى مراقبون من أن يؤدي هذا التوتر إلى إعادة رسم مسار العلاقات بين البلدين في وقت تشهد فيه المنطقة حساسية جيوسياسية غير مسبوقة، خصوصا في ظل ارتباط الملف التايواني بالممرات البحرية الحيوية والأمن الإقليمي الواسع.