نشرت مجلة "
لوبوان" الفرنسية تقريرًا سلطت من خلاله الضوء على مشروع
النفق تحت
البحر الأبيض المتوسط كحلقة وصل بين أفريقيا وأوروبا، مع التركيز على التحديات التقنية والسياسية واللوجستية ودوره في تعزيز البنية التحتية والروابط بين القارتين.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن المشروع الذي يربط أفريقيا بأوروبا عبر مضيق جبل طارق لا يزال قيد الدراسة من طرف مكتب دراسات وشركة ألمانية مختصة، لكنه قد يصبح أحد أهم ابتكارات القرن الحادي والعشرين.
وتضيف المجلة أن عالم البحار الشهير جاك إيف كوستو كان قد استكشف قاع البحر في خمسينيات القرن الماضي لدراسة إمكانية إنشاء نفق مماثل.
وتوصل جاك إيف كوستو الى استنتاج مفاده وجود ممر بحري تحت الماء يربط بين مستغانم في الجزائر وقرطاجنة في أسبانيا، وهي فرضية سبق أن درستها مكاتب الدراسات منذ زمن بعيد. وبعد مرور سبعين عامًا، يبدو أن إمكانية تنفيذ مثل هذا المشروع أصبحت واردة، مع توقع إنجازه بين سنتي 2035 و 2040.
في الوقت الحالي، لا يزال المشروع في طور الدراسات التي خصصت لها الحكومة
المغربية والإسبانية موارد محدودة تقدر بعدة ملايين يورو.
بنية تحتية ضخمة
وذكرت الصحيفة أنه في بلد يشتهر بمشاريعه الضخمة في مجال البنية التحتية، قد يبدو مشروع النفق المغربي الإسباني طموحًا إلى حد بعيد، خاصة في ظل الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها عدة مدن، والتي طالب فيها الشباب بتوفير خدمات عامة لائقة وخلق مواطن عمل.
ومع ذلك، يندرج المشروع في سياق المشاريع الكبرى السابقة في المغرب، مثل ميناء طنجة المتوسط والمنطقة الصناعية المحيطة به، والتي وفرت آلاف الوظائف والسكك الحديدية عالية السرعة والحقول الضخمة للألواح الشمسية، إضافة إلى مشاريع استثمارية بالمليارات في الصحراء الغربية.
ويستعد المغرب لاستضافة كأس الأمم الأفريقية في كانون الأول/ ديسمبر القادم، ويخطط للمشاركة في تنظيم كأس العالم بالتعاون مع أسبانيا والبرتغال بحلول عام 2030، ما يعكس طموحه في وضع نفسه على خريطة المشاريع الكبرى عالمياً.
ومن المقرر إنشاء ستة ملاعب، من بينها أكبر ملعب في العالم، ملعب محمد السادس بسعة 130 ألف متفرج، والذي يأخذ تصميمه شكل خيمة بدوية.
وأثار افتتاح ملعب مولاي رشيد في الرباط في أيلول/ سبتمبر الماضي غضب الشباب واستياء الأجيال الأكبر سنًا. ففي أقل من عامين، تم تحويل ملعب قائم بسعة 67 ألف متفرج إلى ما وصف بـ "جوهرة معمارية" حديثة جدًا، بينما لا يزال مشروع إنشاء مستشفى يضم 48 سريرًا أُقر في 2018 حبرًا على ورق.
مشروع عند تقاطع التكنولوجيا والدبلوماسية
وذكرت المجلة أن النفق تحت البحر الأبيض المتوسط يمثل مشروعًا استثنائيًا يسعى لأن يكون حلقة دائمة تربط بين قارتي أوروبا وأفريقيا، عبر خط سكك حديدية يربط جنوب أوروبا بشمال أفريقيا.
ويواجه المشروع تحديات متعددة، بدءًا من الجوانب التقنية والتكنولوجية لضمان استدامة البنية التحتية وكفاءتها على المدى الطويل، مرورًا بالبُعد الإقليمي، حيث قد تنظر الجزائر بريبة إلى اتصال عدوها التقليدي بدولة عضو في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى التحديات السياسية، إذ يواجه المشروع معارضة من اليمين المتطرف الأوروبي الذي يخشى أن يؤدي إلى تصاعد الهجرة غير الشرعية.
ومع ذلك، تشير التجارب السابقة مثل نفق المانش إلى أن مثل هذه الأنفاق لا تُستغل عادة في الهجرة غير القانونية، وأن المهاجرين الذين يتوجهون إلى إنجلترا يواصلون رحلاتهم بشكل رئيسي عبر الطرق البحرية، ما يقلل من صحة المخاوف الأمنية والسياسية المتعلقة بالنفق.
في حال تحقق مشروع النفق تحت البحر الأبيض المتوسط، فسيكون مرتبطًا بشبكة تكنولوجية متقدمة تحت مياه البحر، حيث تتوفر بالفعل بنية تحتية متنوعة تصل إلى أعماق كبيرة. ففي الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تم غمر الكابل البحري المعروف باسم "ميدوسا"، ليربط مدينة بنزرت شمال تونس بمرسيليا الفرنسية، وذلك بواسطة سفن شركة أورانج المكلفة بالبنية التحتية، والتي وضعت الكابل على أعماق تصل إلى ثلاثة آلاف متر. ويُشكل هذا الكابل جزءًا من شبكة تمتد على ثمانية آلاف كيلومتر في البحر الأبيض المتوسط، موفّرًا خدمة إنترنت فائقة لجميع الدول المطلة على الساحل المتوسطي.
وفي ختام التقرير تقول المجلة إنه بعد أن ربطت هذه الألياف القارات رقميًا، يطرح مشروع النفق نفسه كفرصة لإعادة تأكيد الروابط بين إفريقيا وأوروبا وتعزيز التواصل بين القارتين بشكل ملموس وفعلي.