تواصل
الصين فرض هيمنتها على قطاع المعادن الأرضية النادرة، التي تعد جوهرية في صناعات استراتيجية عدة مثل الطاقة، والدفاع، والسيارات، ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، ما يضع سلاسل التوريد العالمية أمام مخاطر اضطراب محتمل، بحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية الصادر في أواخر تشرين الأول/أكتوبر.
وتسيطر الصين على نحو 70 بالمئة من التعدين العالمي لهذه المعادن، بينما تنتج حوالي 90 بالمئة من المعادن الأرضية النادرة المعالجة في العالم، ما يمنحها قوة اقتصادية وجيوسياسية كبيرة.
وقد شددت بكين مؤخرا الرقابة على تصدير هذه المعادن، حيث ستحتاج الشركات الأجنبية ابتداء من الأول من ديسمبر/كانون الأول إلى موافقة الحكومة الصينية لتصدير أي منتجات تحتوي على كميات ضئيلة من المعادن الأرضية النادرة، سواء أكانت منشأها الصين أو صنعت باستخدام التكنولوجيا الصينية.
وتأتي هذه الخطوة ردا على إدراج الولايات المتحدة شركات صينية إضافية على قوائم الحظر للحصول على رقائق أشباه الموصلات الأمريكية المتقدمة وتقنيات أخرى. وأثار القرار الصيني مخاوف من نقص الإمدادات، ما قد يؤثر على إنتاج المركبات الكهربائية والمعدات الدفاعية وأنظمة الطاقة المتجددة.
وانتقد الممثل التجاري الأمريكي، جيميسون غرير، الإجراءات الأخيرة لبكين واصفا إياها بأنها "عدوانية للغاية" و"غير متناسبة"، فيما وصفها مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي، ماروس سيفكوفيتش، بأنها "غير مبررة وضارة".
وبدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي محادثات مع الصين لضمان توافر الإمدادات، بينما يدرس
الاتحاد الأوروبي فرض إجراء تجاري جديد يلزم بعض المصدرين الصينيين بتوفير
المعادن النادرة لمخزوناته الاستراتيجية، وفق ما نقلته وكالة بلومبيرغ عن مصادر مطلعة. وتشمل الخيارات الأخرى فرض قيود مستهدفة على تصدير السلع والخدمات التي تعتمد عليها الصين.
أهمية المعادن الأرضية النادرة
تستخدم المعادن الأرضية النادرة في صناعة الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والسيارات الهجينة وتوربينات الرياح والخلايا الشمسية، إضافة إلى تطبيقات حيوية في قطاع الدفاع مثل محركات الطائرات المقاتلة، وأنظمة توجيه الصواريخ، والدفاع الصاروخي، والأقمار الصناعية، وأنظمة الاتصالات.
ورغم انتشارها في قشرة الأرض بكميات كبيرة، فإن تركيزاتها النادرة تجعل استخراجها اقتصاديا صعبا، لكن الصين تحتكر عمليتي المعالجة والتكرير، لا سيما للمعادن الثقيلة، حيث تسيطر على 99 بالمئة من المعالجة بحسب شركة معيار الاستخبارات المعدنية البريطانية.
الصين قوة استراتيجية في اليد
كانت الولايات المتحدة مكتفية ذاتيا من المعادن النادرة في السابق، لكن الصين صعدت لتصبح اللاعب المهيمن على مدى العقدين الماضيين، مستغلة المعادن كورقة ضغط في النزاعات الجيوسياسية، كما حدث مع اليابان والولايات المتحدة خلال أزمة 2019 في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وصف الرئيس الصيني شي جينبينغ المعادن النادرة بأنها "مورد استراتيجي مهم"، فيما تواصل واشنطن جهودها لتقليل الاعتماد على الصين عبر تعزيز الإنتاج المحلي، لكن التحدي الأكبر يكمن في بناء طاقات معالجة وتكرير منافسة، بحسب كارل فريدهوف من مجلس شيكاغو للشؤون العالمية.
تحديات بيئية وتقنية
تسبب التعدين في الصين في أضرار بيئية واجتماعية كبيرة، إذ تحتوي خامات المعادن على عناصر مشعة مثل اليورانيوم والثوريوم، ملوثة الهواء والمياه والتربة. كما أن إنشاء مصانع معالجة خارج الصين يتطلب الالتزام بمعايير بيئية صارمة، ما يزيد التكلفة والصعوبات التشغيلية، بالإضافة إلى استهلاك كبير للطاقة والمياه، ما قد يواجه مقاومة شعبية.
أوصى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي بوضع استراتيجية متكاملة للولايات المتحدة تشمل استخراج المعادن وتكريرها ومعالجتها داخليا، مع توفير طاقة منخفضة التكلفة وبنية تحتية مناسبة وتقنيات معالجة متقدمة وقوى عاملة ماهرة، لضمان فعالية اقتصادية وأمنية.