أفكَار

الكليات في أطروحة الريسوني.. مسار اجتهادي لتطوير العقلية الفقهية والأصولية

يقدم الريسوني إسهاما اجتهاديا مهما في محاولة الاقتراب من كليات الشريعة واستقرائها وتصنيفها وبيان مراتبها..
حين يذكر الدكتور أحمد الريسوني، تذكر المقاصد، ويذكر معه إسهاماته العلمية المتعلقة بنظرية المقاصد والفكر المقاصدي وقواعده ونظرية التقريب والتغليب وغيرها من الأدبيات التي حفرت عميقا في مجال المقاصد، بقصد إحداث نقلة منهجية وأصولية بعيدة للعقل المسلم في اتجاه تطوير عقليته الفقهية والأصولية والانعطاف لقواعد الفكر المقاصدي بدل الارتهان إلى تراتبية العقل الأصولي التقليدي.

والحقيقة أن كتب الريسوني الأولى حول المقاصد كانت أقرب ما تكون لبناء النظرية أو اكتشافها، وبيان جدوها وأبعادها، ومحاولة استقراء عناصرها ومكوناتها عند الإمام الشاطبي، لتأتي الأدبيات اللاحقة، وتركز على الفكر المقاصدي وقواعده وأساسياته، إذ كان القصد عل ما يبدو لفت الاهتمام بهذا النوع من التفكير المنهجي، ومحاولة إحداث خلخلة لدى العقل المسلم، تروم توجيهه إل حلق حالة مقاصدية عامة، لا تقتصر علت فكر النخبة، وإنما تتحول إلى ثقافة عامة، يتعاطاها حتى من هم دون النخبة.

لدى استقراء مشروعه، يتضح، بأن الدكتور الريسوني لم يتوقف عند سقف تنهيج العقل الإسلامي، وطبعه بالطابع المقاصدي، بل ذهب به الاستقراء حد البحث عن كليات الشريعة وأمهاتها ومحاولة حصرها وضبطها والتأصيل لها وإبراز مكانتها وأهميتها في البناء الإسلامي، فقد كان يطمح إلى جانب تقصيد العقل المسلم، إلى لفت الانتباه إلى أهمية الوعي بكليات الشريعة في تصويب العقل الأصولي والفقهي، وأيضا في تحديد أولوياته الفكرية والدعوية، ولترشيد التدين والسلوم الفردي والجماعي في ضوئها.

يعرف الريسوني الكليات الأساسية، بكونها "المعاني والمبادئ والقواعد العامة المجردة التي تشكل أساسا ومنبعا لما ينبثق عنها وينبى عليها من تشريعات تفصيلية وتكاليف عملية وأمن حكام وضابط تطبيقية"، وهي بذلك تعني عنده" معتقدات وتصورات عقدية، وتعني مبادئ عقلية فطرية وتعني قيما أخلاقية ومقاصد عامة وقواعد تشريعية".
وقد كان الدكتور الريسوني يتطلع من خلال اجتهاده في تخريج وتأصيل هذه الكليات الأساسية إلى ما تطلعت إليه "رسالة التعاليم" للإمام حسن البنا من تشكيل القاعدة الأساسية لوحدة الأمة الفكرية، لكنه تجنب صياغة الشيخ الغزالي حين وصف رسالة البنا بكونها "دستور الوحدة الثقافية للمسلمين"، واختار أن يتحدث بلغة أكثر تنسيبا، فلم يتجاوز تطلعه في هذا الشأن أن تساهم الكليات الأساسية للشريعة، بحسب تخريجه وتأصيله، إلى تقوية الأسس التوحيدية الجامعة للأمة الإسلامية ومذاهبها وتياراتها المختلفة.

في معنى الكليات الأساسية للشريعة

يعرف الريسوني الكليات الأساسية، بكونها "المعاني والمبادئ والقواعد العامة المجردة التي تشكل أساسا ومنبعا لما ينبثق عنها وينبى عليها من تشريعات تفصيلية وتكاليف عملية وأمن حكام وضابط تطبيقية"، وهي بذلك تعني عنده" معتقدات وتصورات عقدية، وتعني مبادئ عقلية فطرية وتعني قيما أخلاقية ومقاصد عامة وقواعد تشريعية".

يتجنب الريسوني منهجية الفقهاء في استقراء جزئيات الأحكام لبناء أو تخريج القواعد العامة والكليات  الجامعة الحاكمة للتشريع، ويلتزم في  مقدماته الأولى التمييز بين التشريع بالمعنى الضيق، أي التشريع الذي يرتبط بالأحكام العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية أو ما تم الاصطلاح عليه في العصر الحديث بالقانون، وبين التشريع بالمعنى العام،  أي التشريع الذي يطال العبادات والمعاملات والآداب، ويطال الفرد والمجتمع، ويطال العام والخاص، ويطال جوانب العقيدة والتزكية والأخلاق والمعاملات والتشريعات التي تخص مجالات الحكم المختلفة، فالتشريع الذي يقصده أحمد الريسوني، والذي منه استقى وخرج كليات الشريعة الأساسية، هو "كل ما له مقتضى عملي في حياة الإنسان، أيا كانت صفة هذا الإنسان، وأيا كان نوع هذا المقتضى ومجاله" ويعلل الريسوني هذا التمييز، ثم اختيار المفهوم الواسع للتشريع بثلاثة اعتبارات:

ـ أولها أن مقاصد الشريعة الإسلامية لا تختص فقط بالأحكام التشريعية، وإنما تسري في كافة المحالات والأبواب التشريعية، بل تشري في كافة فروعه الشريعة وأحكامها وآدابها العامة والخاصة، وتمتد في المجال التعبدي والعقدي.

ـ ثانيها، الوظيفة التعبدية والتربوية للتشريع، فالقصد بالتشريع ليس فقط قانونيا، يضبط معاملات الناس وما لهم من حقوق وواجبات اتجاه بعضهم البعض، بل تمتد وظيفتها لأبعد من ذلك مما له علاقة بالبعد التعبدي والتربوي. فالوظيفة التعبدية والتربوية هي الأصل في التشريع، ثم تأتي بعد ذلك الوظيفة القانونية والاجتماعية والسياسية، فقد اتجه التشريع الأصلي، إلى تربية الناس وتهذيبهم وتأديبهم ومخاطبة الإيمان والوجدان من أجل تحقيق مقصد التزكية، بل إن التشريع وهو في صلب وظيفته القانونية والاجتماعية والسياسية، يبقى منشدا للوظيفة التعبدية والتربوية، تأكيدا لأصليتها وأولويتها.

ـ ثالثها، أن الكثافة القانونية التي أصبحت تعرفها الحياة، لا تعني بالمطلق تأطير القانون لجميع مناحي الحياة، بل القانون، لا يغطي في نظر الريسوني إلا الهامش الضئيل من حياة الإنسان، ولذلك، فالتشريع بالمعنى القانوني، لا يمكن أن يغطي كل أوجه النشاط الإنساني، فهذه المجالات الرحبة هي خاضعة لسلطات أخرى غير سلطة التشريع بالمعنى القانوني الضيق، فهي محكومة  بالدين والثقافة والعرف والعقل والمزاج وغير ذلك،  لكن التشريع بمعناه الشامل، أي التشريع الذي يغطي كل جوانب الحياة يستوعب هذه السلطات كلها، ليس بأحكامه المحددة، ولكن بمقاصده العامة وكلياته الأساسية ومبادئه الجامعة.

في مرجعية الكليات الأساسية للشريعة

لا يتردد الدكتور أحمد الريسوني في جعل مستنده الأول والأصلي في التماس هذه الكليات وتخريجها في القرآن الكريم، ويعلل اختياره بكون القرآن هو عبارة عن "آيات محكمة، ثم فصلت آيات تم إحكامها، ثم وقع تفصيلها، وأن الله تعالى الحكيم الخبير هو الذي اضطلع بمهمة إحكام المحكمات بحكمته وتفصيل المفصلات بخبرته".

فالآيات المحكمات في نظر الدكتور أحمد الريسوني هي أصول العقائد والتشريع والعبادات والآداب والمواعظ، وهي أصول وأمهات لغيرها، مما يندرج فيها أو يتفرع عنها أو يخضع لها من التفصيلات والجزئيات والتطبيقات، ومجمل الدين وشريعته مؤسس على هذه المحكمات والكليات ونابع منها.

يعتبر الريسوني القرآن الكريم مرجعه الأساسي الأول في التماس الكليات، فهو مستودعها ومنجمها، فهي مقدمة في القرآن من حيث الترتيب والاعتبار، وأيضا من حيث التنزيل والتبليغ، بحيث جاءت الآيات المحكمات الكلية سابقة على آيات الأحكام التفصيلية، ويرى الريسوني أن القرآن المكي هو معين الكليات والمبادئ والأحكام العامة، ثمة بدأ يتطرق بالتدريج إلى بعض الأحكام العملية غير المفصلة أواخر المرحلة المكية، وجاء معظم الأحكام التفصيلية التطبيقية في القرآن المدني. ويستند الريسوني للشاطبي في تأصيل تدرج أسلوب القرآن في بسط كلياته ثم جزئياته، فيرى أن آيات القرآن تسلسلت وتدرجت، فتأسست قواعد الشريعة ثم انبنت عليها فروعها، فتم البدء بشهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأن القرآن كلام الله، ثم تقررت بقية الأصول الإيمانية، وفي مقدمتها الإيمان بالبعث والنشور والحساب والجزاء، ثم تتابعت المعتقدات التكميلية لتوسع معرفة الناس بربهم وبالغاية من خلقهم وبالعوالم المحيطة بهم والمغيبة عنهم.

لا يتردد الدكتور أحمد الريسوني في جعل مستنده الأول والأصلي في التماس هذه الكليات وتخريجها في القرآن الكريم، ويعلل اختياره بكون القرآن هو عبارة عن "آيات محكمة، ثم فصلت آيات تم إحكامها، ثم وقع تفصيلها، وأن الله تعالى الحكيم الخبير هو الذي اضطلع بمهمة إحكام المحكمات بحكمته وتفصيل المفصلات بخبرته".
وبجانب ذلك، جاءت الكليات التي تحدد القيم والمثل العليا والغايات والمقاصد العامة للحياة البشرية مع التطرق أيضا إلى أمهات المفاسد وأصول الانحرافات التي تهدد الإنسان من عقدية وفكرية ونفسية وسلوكية، ثم جاءت بعد ذلك بعض الكليات والقواعد التشريعية والتنظيمية للعلاقات البشرية الفردية والعائلية والجماعية، ليأتي بعدها تنزيل هذه التوجيهات والتكاليف العملية بصورة مبدئية تمهيدية أواخر المرحلة المكية، ليتم الانتقال إلى الأحكام التفصيلية والضوابط التفصيلية الغزيرة مع تأكيد بعض الكليات وتكميلها والتذكير بها.

ويرى الريسوني أن هذه الكليات والمحكمات القرآنية قد تكلفت بإرساء الأساس الفلسفي والإطار المرجعي الذي ينبثق منه التشريع الإسلامي، وأن مرحلة التفاصيل والفروع والجزئيات، إنما جاءت بعدما تمت عملية تأصيل الأصول والكليات.

غير أنه يميز بينها، فهي عنده ليست في مرتبة واحدة، لا من حيث كليتها وعمومها، ولا من حيث رتبها وأولويتها، وأن بعضها أولى من بعض، وبعضها أعم وأشمل من بعض، وبعضها قد يكون مندرجا تحت بعض أو متفرعا عنه، وأن الجزئيات نفسها تخضع لهذا النسق من العلاقة والتراتب.

وقد تتبع الريسوني أساليب القرآن في تقرير هذه الكليات، فانتهى إلى أن بعضها جاء على لسان الرسل، أو ضمن صفاتهم ومواقفهم، أو جاء حكاية عما في كتبهم وشرائعهم، وبعضها جاء محكيا عن الرسل والكتب جميعا، وبعضها جاء في صيغ وصفية لأحوال ونماذج من الناس: إما ذكرا لصفاتهم المحمودة قصد الاقتداء والاتباع، أو صفاتهم المذمومة قصد الاجتناب والانتهاء، وبعضها جاء بالصيغ الصريحة للمكر والنهي.

هل هناك كليات مشتركة بين الأديان؟

يسجل الريسوني تراوح الكتب المنزلة السابقة بين الاتحاد والتعدد، وذلك باعتبارات مختلفة، لكن ما دام ما يجمعها هو  مخاطبة الإنسان، فإنه حاول أن يستقرئ مشتركاتها  والكليات الأساسية وأن ما يجعلها مختلفة متعددة هو الجزئيات، فيذكر من هذه الكليات التوحيد والصلاة والزكاة والصوم والزكاة والحج والتقرب إلى الله بصالح الأعمال والصدق والوفاء بالعهد، وأداء وصلة الرحم، وتحريم الكفر، والنهي عن قتل النفس، وتحريم إذاية الخلق، والنهي عن الاعتداء على الحيوان،  والنهي عن اقتحام الدناءات وما يخرم المروءة، وما يندرج في كلية إقامة الدين، وتزكية النفس  وإيثار الآخرة، وقاعدة لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن مصير الإنسان رهين بما كسب، وأن سعيه محسوب له أو عليه، وأنه مجزي بكسبه وعمله، وكلية هداية الخلق ونشر الخير وفعله وتثبيت الإصلاح ومنع الفساد، والأمر بالعبادة وفعل الخير والجهاد والمجاهدة ونفي الحرج عن الأمة ، وحفظ الضروريات الخمس.

في بيان مراتب وأصناف كليات الشريعة

اجتهد الريسوني في تصنيف وبيان كليات القرآن، فقسمها إلى أربعة أصناف هي:

ـ الكليات العقدية: ويقصد بها الأصول الإيمانية والاعتقادية الكبرى التي تمثل الركائز الأولية للدين، وهي الإقرار بالله تبارك وتعالى، وبالنبوات وبالسعادة الأخروية والشقاء الأخروي، والإيمان بالله، وشكره على أنعامه والإيمان بالرسل وما أنزل الله عليهم، وضرورة الاقتداء بهم واتباعهم، والإيمان اليوم الآخر، بما فيه من حساب وثواب وعقاب، وبما يعرف كل واحد مسؤوليته عن كل ما يصدر عنه وأن كل ذلك محسوب له أو عليه وأنه مجزي به الجزاء الأوفى. ويعتبر الريسوني أن الأسس الاعتقادية "تمثل المصدر الأول والنبع الأول لكل تشريع إسلامي، حيث تنبثق الشريعة من العقيدة، كما ينبثق السلوك الشرعي منها ومن مقتضاها مهتديا في سيره بالشريعة وأحكامها

ـ الكليات المقاصدية: وقد استقرا الريسوني من القرآن أربعة كليات مقاصدية هي الابتلاء بالتكليف لتحقيق العمل الصالح والإحسان في التصرف، والتعليم التزكية، وجلب المصالح ودرء المفاسد، إقامة العدل ومجتمع العدل.

ـ الكليات الخلقية: جاءت الأديان لتعزيز الأخلاق وتنميتها وترقيتها ورعايتها وحمايتها مستعملة كافة المداخل والوسائل الإيمانية والتربوية والتشريعية والدنيوية والأخروية وقد لخص الريسوني هذه المقاصد الخلقية في ثنائية التقوى والاستقامة.

ـ الكليات التشريعية: ويقصد الريسوني بها الكليات المتصلة بالتشريع بمعناه التفصيلي (الأحكام التفصيلية) وقد استقرأ ثمانية أسس وكليات تشريعية، الأربعة الأولى صادرة عن الله، والأربعة الأخيرة فهي ذات جهتين: فهي إما بين العباد وربهم، أو بين العباد مع بعضهم، أو بين العباد مع ربهم ومع بعضهم في آن واحد هي:

ـ الأصل الإباحة والتسخير

ـ لا دين إلا ما شرعه الله، ولا تحريم إلا ما حرمه الله

ـ تحليل الطيبات وتحريم الخبائث

ـ التكليف بحسب الوسع والطاقة

ـ الوفاء بالعهود والأمانات

ـ التصرف في الأموال منوط بالحق والنفع

ـ التعاون على البر والتقوى

ـ اعتبار المآل

ما بعد المقاصد والكليات

تبدو هذه القراءة الاستعراضية التفصيلية لأطروحة الريسوني في موضوع كيات الشريعة أقرب ما تكون إلى بيان فلسفة الإسلام في التشريع، وكيف تؤطر القواعد الكبرى مجمل التشريع، وكيف تشكل العقيدة ألأساس المتين الذي عنه تتفرع بقية الكليات الخلقية والتشريعية والمقاصدية، لكنها في الواقع تلفت الانتباه إلى قضية  أصولية ومنهجية عميقة،  إذ تؤسس لفكرة ربط التفاصيل بأصولها، ومحاولة وضع الحكم الشرعي التفصيلي الجزئي في موقعه، فقد اعتاد العقل المسلم أن يضخم من دور الأحكام التكليفية، حتى صار الإسلام كله يعرف بمعرفة الحلال والحرام، فأرد الريسوني أن يحدث نقلة بعيدة للعقل المسلم، وذلك من خلال وضع  الجانب القانوني في الشريعة في حيزه الضيق الذي يشغله، واستقراء الأصول والكليات التي جاء الإسلام ليؤصلها في النفوس والعقول، باعتبارها  قواعد تأسيسية، لا يكون للحكم التفصيلي أي دور أو وظيفة ما لم ينشد إليها وينبثق منها، إذ لا فائدة ابتداء من التزام بالحكم الشرعي العملي بمعزل عن التشبث بأصول العقيدة والإيمان، ولا جدوى من التفكير في ربط الناس بالأحكام، ما لم يتم تربيتهم على التقوى والاستقامة، بل وحتى في المجال التشريعي القانوني الضيق، لا معنى للتفريع الفقهي دون معرفة الأصول المقاصدية والتشريعية العامة التي تبين فلسفة التشريع والحكمة منه، والعقد الذي يربط الأحكام التفصيلية بقواعدها وكلياتها.

جاءت الأديان لتعزيز الأخلاق وتنميتها وترقيتها ورعايتها وحمايتها مستعملة كافة المداخل والوسائل الإيمانية والتربوية والتشريعية والدنيوية والأخروية وقد لخص الريسوني هذه المقاصد الخلقية في ثنائية التقوى والاستقامة.
في المحصلة، يقدم الريسوني إسهاما اجتهاديا مهما في محاولة الاقتراب من كليات الشريعة واستقرائها وتصنيفها وبيان مراتبها،  لكن هذا الجهد  في تقديري يحتاج لعملين  منهجيين متوازيين، الأول وهو  بيان  العلاقة بينه وبين مشروعه الفكري في التقصيد، إذ انصرفت نظرية المقاصد إلى استقراء البنية المقاصدية القائمة على المصالح وعلاقتها بالمفاسد وقواعد الترجيح عند التعارض، بينما انصرف جهد استقراء كليات الشريعة إلى بيان فلسفة التشريع، وكيف يمكن ربط الجزئيات بالكليات، مع الانتباه إلى أولوية الكليات الاعتقادية والخلقية  على ما عداها، ثم أولوية المقاصد التشريعية العامة إلى المقاصد التفصيلية. فمع بعض الوضوح في العلاقة بين هذين الجهدين، لا يزال هناك حاجة لاستئناف النظر في الموضوع، حتى يتبين العلاقة الأصولية والمنهجية بينهما.

وأما العمل الثاني، فهو الذي ينبغي أن يطال استقراء كليات أخرى في الشريعة ربما لم ينتبه إليها الدكتور الريسوني، أو لم يعطها ما تستحق من التركيز والعناية، أو اقتراح تقسيم وتصنيف آخر، أو استحداث مصفوفة مختلفة، تعين الباحثين في المقارنة والتمييز حتى يتحقق قدر من التراكم العلمي في الموضوع.