في ظل التصعيد الأخير بين
باكستان وأفغانستان، تصاعدت المخاوف الإقليمية والدولية حول مستقبل العلاقات بين الجارتين، خصوصاً بعد تجدد الاشتباكات على الحدود والمواجهات المسلحة التي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من كلا الطرفين.
في هذا الحوار الخاص، يستعرض الكاتب والمحلل السياسي الباكستاني إبراهيم حمدان٬ في حواره مع موقع "عربي21"جذور الصراع، وأسباب فشل الهدنة الأخيرة، وتأثير العوامل الإقليمية والدولية، بما في ذلك العلاقات بين
طالبان والهند، وكذلك الدور المحتمل للوسطاء مثل قطر والسعودية في تهدئة الأزمة.
ويقدم حمدان تحليلا شاملا للوضع الحالي وتوقعاته لمستقبل العلاقات بين باكستان وأفغانستان.
عربي21: بداية، لماذا فشلت الهدنة التي أعلنت لمدة 48 ساعة بين باكستان وأفغانستان؟
في الواقع، باكستان كانت تتوقع أن يلتزم الجانب الأفغاني بالهدنة، لكن هناك دائما احتمال لخرق الاتفاق، وهو ما أكده رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، الذي أعلن أن الهدنة لن تشمل أي إطلاق نار أو اشتباكات من جانب باكستان، وفي المقابل يجب على الحكومة الأفغانية والمسلحين الأفغان الالتزام بها.
وأضاف شريف أن الكرة الآن في ملعب الحكومة الأفغانية، وأي اختراق للهدنة سيقابله رد باكستاني قوي، أقوى مما شهدناه سابقا، وهو ما يعني أن باكستان لن تسكت على أي انتهاك للهدنة.
عربي21: كيف تشرح جذور المشاكل التاريخية بين كابول وإسلام أباد؟
الصراع بين باكستان وأفغانستان قديم ومعقد، وخاصة فيما يتعلق بالعناصر المسلحة مثل حركة طالبان الباكستانية وحركة طالبان الأفغانية. كلا الحركتين ينظر إليهما باعتبارهما خارجين عن القانون من قبل الحكومتين الأمريكية والباكستانية، ويشكلان تهديداً لأمن البلدين من خلال تنفيذ عمليات تخريبية تشمل انفجارات وعمليات انتحارية، سواء على الحدود أو داخل المدن في كلا البلدين.
هذا الصراع أدى إلى تبادل الاتهامات بين الحكومتين، ففي حال وقوع عمليات تخريبية من الجانب الأفغاني داخل باكستان، تستدعي الحكومة الباكستانية السفير الأفغاني لشجب هذه الأعمال، والعكس صحيح. في الأشهر الأخيرة، تفاقمت هذه التوترات بشكل ملحوظ، خاصة بعد أن بدأت باكستان ترى وجود عناصر مسلحة تقوم بعمليات تخريبية داخل أراضيها سواء على الحدود أو في الداخل.
عربي21: ما الذي أدى إلى تجدد الاشتباكات ووجود خسائر كبيرة في الأرواح؟
بسبب هذه العمليات التخريبية، سقط عدد كبير من قوات باكستان المسلحة، وفقاً للإعلام الأفغاني، كما سقط أيضا قتلى من الجانب الأفغاني. في الوقت نفسه، تدخلت وساطات من عدة دول مثل المملكة العربية السعودية وقطر لضمان وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، خصوصاً بعد أن تأثرت حركة التجارة بين البلدين بسبب إغلاق باكستان للحدود التجارية، ما أثر على تدفق الشاحنات والبضائع.
كما تجدر الإشارة إلى أزمة اللاجئين الأفغان، حيث يظل مئات اللاجئين عالقين على الحدود، بعد أن طلبت باكستان من بعضهم مغادرة البلاد، خاصة بعد تشكيل الحكومة الأفغانية الجديدة بقيادة حركة طالبان، والتي قامت بالعفو العام عن مواطنيها الذين كانوا مع الحكومة السابقة، بينما أجبرت الحكومة الباكستانية بعضهم على مغادرة البلاد حتى لو كانوا يمتلكون أملاكاً أو أعمالاً.
عربي21: هل كانت هذه المغادرة محددة بوقت معين؟
نعم، كانت هناك فترات محددة لمغادرة مجموعات معينة، من ضمنها التجار وأصحاب الأعمال، وفق خطة وضعتها الحكومة الباكستانية لضبط الوضع. هذا يعني أن الإجراءات شملت مختلف الفئات التي تعيش في باكستان منذ سنوات طويلة.
عربي21: لماذا لم تظهر هذه المشاكل أثناء وجود الحكومات الأفغانية السابقة قبل سيطرة طالبان؟
أحد الأسباب الرئيسية هو أن العمالة الأفغانية تحتكر بعض الأعمال والتجارة، خاصة في المناطق البشتونية، بينما تتخرج أعداد كبيرة من الشباب الباكستانيين يبحثون عن فرص عمل ولا يجدون. والحكومة الباكستانية ترى أن كثرة العمالة الأفغانية تخلق اختلالاً في فرص العمل للاقتصاد المحلي، وهذا ما أدى لتفاقم الأزمة مع تغيير السلطة في كابل وعودة طالبان إلى الحكم.
عربي21: البعض يشير إلى أن العلاقات الخارجية لحركة طالبان، خاصة مع الهند، ساهمت في تأجيج الأزمة؟
هذا صحيح فقبل أيام، قام مسؤول أفغاني من حكومة طالبان بزيارة الهند، وهي الأولى من نوعها منذ تشكيل الحكومة الجديدة. خلال الزيارة، تم تأكيد إعادة فتح السفارة الأفغانية في الهند وتعزيز العلاقات الثنائية في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية. هذا الأمر زاد من مخاوف باكستان من أن تتحول طالبان إلى "بوابة خلفية" للهند، ما قد يؤثر على الأمن الاستراتيجي الباكستاني.
عربي21: هل لعبت المشاكل الحدودية بين البلدين دوراً في هذه الأزمة؟
نعم، الحدود التاريخية بين باكستان وأفغانستان لم تكن محددة بشكل دقيق منذ الاحتلال البريطاني لجنوب آسيا. باكستان في السنوات الأخيرة قامت ببناء جدار على الحدود لمنع الاختراقات سواء من المسلحين أو الأنشطة غير القانونية مثل تهريب المخدرات والتجارة غير المشروعة. هذا الجدار صمم لمنع أي عمليات تهريب أو تسلل عبر الحدود، ما يعكس أهمية ضبط الوضع الحدودي في الوقت الحالي.
عربي21: ما الذي أدى إلى وصول الأمور إلى قصف كابل من قبل باكستان؟
مع الأسف، سقوط عدد كبير من القوات الباكستانية في الاشتباكات الأخيرة دفع باكستان للرد بقصف العاصمة كابل باستخدام الصواريخ والأسلحة الثقيلة، وهو ما اعترضت عليه حكومة طالبان، التي ردت بدورها على هذا الهجوم. هذا يعكس حجم الأزمة الحالية، التي وصلت إلى مستوى خطير من التصعيد العسكري.
عربي21: كيف ترى مستقبل الصراع بين البلدين؟ وهل يمكن للوسطاء أن يحققوا حلا؟
في الوقت الحالي، اتفق الطرفان على بدء محادثات برعاية قطرية في العاصمة الدوحة. الهدف من هذه المحادثات هو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، والالتزام بالمدة المتفق عليها للهدنة البالغة 48 ساعة، مع إمكانية تمديدها حسب التفاهمات المستقبلية بين الطرفين. من المهم أن يحافظ كلا الجانبين على الهدنة وعدم خرقها لضمان عدم تفاقم الأزمة.