أصدر الشيخ
حكمت الهجري، الرئيس الروحي للموحدين الدروز في
السويداء، بياناً جديداً استخدم فيه المسمى التوراتي "جبل
باشان" بدلاً من منطقة
جبل العرب في جنوبي سوريا، وسبق أن ظهر اسم "باشان" لأول مرة في كانون الأول/ديسمبر 2024، حين أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي على عمليته العسكرية الواسعة في سوريا تسمية "سهم باشان"، المستوحاة من التوراة.
وعبر صفحة "الرئاسة الروحية للموحدين الدروز"، وجه الهجري بيانه إلى "الأمين العام للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، وجامعة الدول العربية" بالإضافة إلى العديد من المنظمات والهيئات الأممية والدولية، قائلاً: "نتوجه إليكم بهذا النداء الإنساني العاجل، حاملين صوت ومعاناة شعبنا في جبل الباشان بكل ما يحتويه من أطياف، منذ شهور من حصار شامل وقاس يهدد حياة المدنيين".
وأضاف الهجري أن ما وصفه بـ "الجبل المدنيّ المسالم" فُرض عليه "حصار شامل طال الغذاء والدواء والمياه والمحروقات وحرية التنقل، وقد تمر بعض المساعدات الدولية المحدودة التي لا تكفي".
وأضاف أن أهل الجبل يعانون من "كارثة إنسانية" نتيجة انهيار تام في مختلف الخدمات والقطاعات، في مقدمتها "انقطاع الرواتب والمعاشات عن الموظفين والمتعاقدين، وشلل كامل في المؤسسات العامة نتيجة قطع شبكة الإنترنت المركزية عنها ومنع إصدار الوثائق، وعجز الطلاب الجامعيين عن العودة إلى مقاعدهم بسبب التحريض الطائفي والتهديد غير المسبوق والاعتداءات المستمرة عليهم، وحرمان طلاب المدارس من استكمال دراستهم، وانهيار القطاع الصحي بسبب استهداف العديد من الأطباء والممرضين وتدمير المرافق الطبية ما أدى لوفاة عدة مرضى بسبب نقص الأدوية وتدمير البنى التحتية والأجهزة الطبية"، وفق ما ورد في البيان.
منطقة باشان "بيسان"
ومنطقة "باشان" الوارد ذكرها في العهد القديم (التوراة)، تعني باللغة العبرية "أرض مستوية" أو "ممهدة"، ويُقصد بها مملكة من ممالك العموريين في أرض كنعان، وتقع في جنوبي سوريا وشرقي الأردن بين جبلي حرمون وجلعاد، وتشمل حوران والجولان واللجاة، وأُطلق على الجبل الذي يتوسطها مسمى "جبل باشان".
وتروي التوراة أن اليهود توجهوا إلى مملكة باشان أو "بيسان" في شمالي الأردن، وكان يطلق على أهلها اسم "الرفائيين"، واشتهروا بضخامة أجسامهم، ما جعلهم من بين العمالقة أو "العماليق"، وكان اسم ملكهم "عوج" الذي قُتل في "معركة درعا" وسقطت بلاده في يد اليهود.
"سهم باشان"
وأطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي اسم "سهم باشان" على العملية العسكرية التي شنها في سوريا عقب سقوط نظام الأسد، والتي دمر خلالها نحو 80 بالمئة من قدرات الجيش السوري، بما في ذلك الطائرات والمروحيات والدبابات والسفن الحربية، كما سيطر على المنطقة العازلة السورية، التي يبلغ طولها أكثر من 75 كيلومتراً ويتراوح عرضها بين 200 متر في الجنوب و10 كيلومترات في الوسط، في خطوة أدانتها الأمم المتحدة ودول عربية باعتبارها خرقاً لاتفاقية فض الاشتباك الموقعة بين البلدين عام 1974، كما سيطر جيش الاحتلال، خلال العملية، على مواقع استراتيجية في جبل الشيخ.
"انسلاخ عن المحيط العربي"
وقد أثار استخدام هذه التسمية موجة واسعة من التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر كثيرون عن استهجانهم لما اعتبروه انفصالًا عن الهوية المحلية والتاريخ الحديث للمنطقة وإصرارًا على الانسلاخ عن المحيط العربي.
وذهب بعض المعلقين إلى اتهام الهجري بشكل مباشر بالانحياز أو "العمالة" لإسرائيل، مستندين إلى كون الاسم قد اكتسب حضورًا عسكريًّا إسرائيليًّا حديثًا، فيما رأى آخرون أن الخطوة تحمل إيحاءات سياسية غير بريئة، خاصة في ظل التداخل الواضح بين الخطاب التوراتي الإسرائيلي والتطورات الميدانية الأخيرة في الجنوب السوري، وأنها محاولة جديدة لاستمالة حكومة نتنياهو ومساندته في مطالبه الانفصالية.
التدخل الـ"إسرائيلي" بزعم دعم الدروز
وكان التدخل الإسرائيلي في جنوب سوريا أكثر وضوحًا بعد أحداث تموز/يوليو 2025، حين اندلعت اشتباكات بين قوات من العشائر البدوية ومقاتلين دروز، أشعلت شرارتها حادثة سرقة وقعت في 11 تموز/يوليو الماضي 2025 على طريق دمشق-السويداء، فيما دفعت وزارة الدفاع السورية ووزارة الداخلية بقوات للدخول إلى السويداء يوم 13 تموز/يوليو، بغرض بسط سيطرة الدولة وفض النزاع، حيث أسفرت الاشتباكات عن تهجير عشرات الآلاف من السكان المحليين، وحرق نحو 36 قرية، وارتكاب العديد من الانتهاكات بحق المدنيين الدروز والبدو على حد سواء.
وردّت إسرائيل حينها بسلسلة غارات جوية مكثفة استهدفت مواقع عسكرية في أنحاء متفرقة من سوريا، بما في ذلك مبنى وزارة الدفاع في قلب دمشق، وتعهد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو آنذاك بـ"ضمان بقاء منطقة جنوب سوريا خالية من السلاح"، مشيرًا صراحةً إلى التزام إسرائيل بـ"حماية الطائفة الدرزية التي وصفها بأنها إخوة إخواننا".
بيد من مفاتيح الحل؟
وتحاول الحكومة السورية التمسك بمفاتيح حل أزمة السويداء، دون اللجوء إلى صدام جديد مع قوى الأمر الواقع في السويداء، عن طريق تنفيذ ما يمكن تنفيذه من خارطة الحل. من جهته، أطلق محافظ السويداء مصطفى البكور تطمينات تحث سكان تلك القرى على العودة إلى منازلهم، والإعلان عن رصد مبالغ نقدية كتعويضات لأعمال صيانة وترميم منازلهم، لكن دون أن تتمكن المحافظة من تنفيذ أي من هذه الوعود على الأرض في تلك القرى.
ويؤكد البكور أن مخرجات خارطة الطريق يتم تنفيذها، ولكنها تسير ببطء، لافتاً إلى نشر وزارة الداخلية قوات محلية لحماية طريق دمشق - السويداء، وتأمين حركة المواطنين والتجارة، كذلك يستمر تدفق المساعدات الإنسانية والطبية دون انقطاع، ويضيف: "لكن من يعطل تطبيق خارطة الطريق، ويُبطئ من تسريع إنجازها، هي اللجنة غير القانونية (اللجنة القانونية العليا التي شكلها الهجري لإدارة شؤون السويداء) التي تتحكم بالدوائر والبنوك في الداخل بدعم من الفصائل المسلحة الخارجة عن القانون في السويداء".
ومن أبرز محاور خارطة طريق حلّ أزمة السويداء واستقرار الجنوب السوري، هي:
- محاسبة كل من اعتدى على المدنيين وممتلكاتهم بالتنسيق الكامل مع المنظومة الأممية للتحقيق والتقصي.
- ضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والطبية دون انقطاع.
- تعويض المتضررين وترميم القرى والبلدات وتسهيل عودة النازحين.
- إعادة الخدمات الأساسية.
- تهيئة الظروف لعودة الحياة الطبيعية ونشر قوات محلية من وزارة الداخلية لحماية الطرق وتأمين حركة الناس والتجارة.
- العمل على كشف مصير المفقودين، وإعادة المحتجزين والمخطوفين إلى أهاليهم من جميع الأطراف.
- إطلاق مسار للمصالحة الداخلية يشارك فيه أبناء السويداء بجميع مكوناتهم.
الهجري يتراجع عن بيان الترحيب
وفي ظل تعليق الهجري لأي حلول تخصّ ملف السويداء، تستمر معاناة السكان المحليين، وتتصاعد وتيرتها لاسيما في شقّها الخدمي والمعيشي، يقول البكور: "ما تشهده المحافظة من تدهور في الخدمات ليس نتيجة تقصير من الدولة، بل يعود إلى مواقف داخلية اتخذتها بعض الأطراف، وأيضا بسبب غياب قنوات التواصل الرسمية مع الحكومة".
وما زال حكمت الهجري يطالب بكيان درزي "مستقل" عن بلاده، غداة إعلانه تشكيل قوة عسكرية بمحافظة السويداء باسم "الحرس الوطني"، اعتبرها معارضوه من الدروز "نسخة عن الحرس الثوري" الإيراني بحسب تقرير ل
وكالة الأناضول، معبرا بالوقت ذاته عن شكره وامتنانه لنتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ففي الـ15 من تموز/يوليو الماضي، وبعد أن رحبت الرئاسة الروحية الدرزية بدخول القوات الحكومية إلى السويداء، داعية الفصائل المسلحة إلى التعاون معها "وعدم مقاومة دخولها، وتسليم سلاحها لوزارة الداخلية" وفتح حوار مع الحكومة السورية لعلاج تداعيات الأحداث، تراجع الهجري عن الاتفاق قائلا إن المحادثات مع دمشق لم تفض لنتائج رغم قبول التهدئة لحقن الدماء، داعيا إلى التصعيد، وأضاف أن البيان "فُرض علينا من دمشق، وضغط من دول خارجية، لم يسمها، من أجل حقن دماء أبنائنا".
ومع تعويل الهجري على تظاهرات تخرج كل يوم سبت في مدينة السويداء للمطالبة بحق تقرير المصير، رغم تراجع نسبة المشاركة فيها، إلا أنه ما زال يراهن على تعثر المفاوضات بين تل أبيب ودمشق، حيث قالت صحيفة واشنطن تايمز إن المحادثات بين سوريا وإسرائيل والتي شهدت تقدما كبيرا نحو التوصل إلى اتفاق يشار إليه إعلاميا باسم "خارطة طريق السويداء"، انهارت في لحظاتها الأخيرة بسبب مطالبة إسرائيل بفتح "ممر إنساني" إلى السويداء، وهو مطلب قالت الصحيفة إنه يرتبط بمخاوف داخلية تتعلق بالطائفة الدرزية التي يتجاوز عددها 100 ألف شخص داخل دولة الاحتلال، إذ تسعى حكومة نتنياهو لإرضاء هؤلاء من خلال التأكيد على التزامها بحماية الدروز في سوريا، في ظل الصراع الداخلي المستمر هناك.
ولربما تتغير الرؤى في ظل موقف رئيس الهيئة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في دولة الاحتلال الشيخ موفق طريف، حيث أكد خلال مقابلة تلفزيونية عدم دعمه التوجهات التي ينادي بها نظيره في السويداء الشيخ حكمت الهجري، بل قال إنه يرجو أن يأخذ الدروز حقهم في سوريا من خلال الدولة السورية، وهو ما يعكس عدم موافقته على مشروع إعلان ما يسمى بـ"الدولة الدرزية".
ورد طريف على
سؤال عن دعمه دعوات تقرير المصير، فقال: "يحق لكل طائفة أن تكون لها خصوصية
محدّدة، وهناك عدم ثقة مع الدولة السورية، ولكن يجب إرجاع الثقة، يجب إعطاء كل
طائفة حقها الديني والسياسي"، وحينما سألته المذيعة إن كان هذا الحق يتحقق من
خلال الدولة السورية، قال طريف: "هذا ما نرجوه ونتوخاه"، مطالباً
الحكومة السورية "إظهار نوايا حسنة".