ملفات وتقارير

بعد عامين من الحرب.. صمود غزة أطاح بأوهام نتنياهو والفلسطينيون باقون

شبكة "إيه بي سي نيوز" الأمريكية أكدت أن تدمير غزة يهدف إلى إفراغ القطاع من سكانه - إعلام فلسطيني
لم يكن مخطط تهجير أهل غزة رد فعل على عملية طوفان الأقصى في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023، كما تحاول أن تصور دولة الاحتلال، التي لطالما روجت خلال العامين المنصرمين بأن هجماتها على القطاع هو دفاع عن النفس، مبررة شنها حرب إبادة رقت لجرائم ضد الإنسانية باعتراف المنظمات الأممية، فسبق وأن فشلت خمس مشاريع تهجير في تاريخ فلسطين، كان آخرها محاولة ترامب إفراغ غزة تحت عنوان الاستثمار وتحويل القطاع إلى وجهة سياحية عالمية باسم "ريفييرا غزة".  

فرصة للتخلص من الفلسطينيين
في أيار/مايو 2025، كشفت صحيفة هآرتس العبرية، اعتراف رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وفي لحظة غضب وانفلات، بأنه يدير حرباً يمكنها أن تتحول إلى فرصة تاريخية للتخلص من عدد هائل من الفلسطينيين.

وقال إن التدمير في غزة لم يأتِ ردّ فعل على عمليات ما سماه بـ"الإرهاب" الفلسطيني، بل هو ضمن مخطط مدروس يهدف إلى تهجير أهل القطاع، وذلك أثناء حديثه إلى مجموعة من ضباط جيش الاحتياط.


جاء ذلك عندما انتقد الضباط سياسة حكومة نتنياهو، وتذمّروا من الحرب التي تهدد حياة المخطوفين، وليس لها هدف استراتيجي، سوى خدمة مصالحه الحزبية والشخصية، حيث ثار نتنياهو أمامهم، وراح يضرب بقبضته على الطاولة، قائلاً: "نحن ندمر غزة عن بكرة أبيها، ويجب ألا يكون لهم مكان سليم يعودون إليه ويعيشون فيه، يجب أن يرحلوا"



تصريحات أقر صحتها، رئيس وزراء دولة الاحتلال الأسبق إيهود باراك، قائلا إن: نتنياهو أبلغ لجنة الشؤون الخارجية إنه يجب هدم المباني في غزة حتى لا يتمكن الفلسطينيون من العودة، وأضاف: "النتيجة الوحيدة ستكون هجرة الغزيين خارج القطاع، لكن ‏التحدي الأكبر هو إيجاد دول توافق على استقبالهم"


"إسرائيل" أصبحت أضحوكة
وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، سبق ودعا لانتهاز فرصة الحرب لتهجير غزة وضمها لدولة الاحتلال، وأكد أنها لربما لن تتكرر، فيما جدد دعوته مؤخرا، داعيا إلى "تعزيز برنامج الهجرة الطوعية للفلسطينيين من قطاع غزة"، واصفاً إسرائيل بأنها "أصبحت أضحوكة الشرق الأوسط".

في تقرير لها، سلطت شبكة "إيه بي سي نيوز" الأمريكية، الضوء على محاولات إسرائيل المتكررة لتهجير الفلسطينيين إلى مصر، من خلال العمل بسياسة تدمير القطاع بشكل كامل وجعله غير صالح للحياة، ما يُجبر السكان للرحيل عنه، لتكشف الممارسات الإسرائيلية الوحشية أن خطتها بشأن قطاع غزة وهدف القضاء على حماس لم تكن كاملة، وأنها تتضمن إفراغ القطاع من سكانه.

تعود دعوات تهجير الفلسطينيين من غزة إلى حقبة ما بعد "نكسة حزيران" عام 1967 عندما خططت الحكومات المتعاقبة في تل أبيب لتنفيذ مشروع التهجير لسكان القطاع، رغم أن حكومة نتنياهو لم تخف حرجا هدفها الحقيقي من وراء تكثيف العمليات العسكرية خاصة في شمال القطاع، لإخلائه ووضع حجر الأساس فيه لبناء المشروع الاستيطاني.

تشابه مخططات التهجير
تحقيق لصحيفة "هآرتس" العبرية، كشف النقاب عن التشابه بين مخططات الماضي والحاضر بشأن تهجير الفلسطينيين، والذي استعرض جوهر ومضمون بروتوكولات الحكومات الإسرائيلية المحفوظة في أرشيف دولة الاحتلال، والتي ناقشت بعد حرب الأيام الستة العديد من الخطط لتنفيذ التهجير والترانسفير، للغزيين.

وخلال الحرب الإسرائيلية على غزة، لم تقتصر الدعوات المتكررة لتشجيع تهجير الفلسطينيين على وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بل صدرت عن وزراء في حزب الليكود وزعيمه نتنياهو الذي بدا متحمسا ومنفتحا لمخطط التهجير، حيث صرح باجتماع لحزبه في كانون الأول/ديسمبر 2023، أنه يسعى لـ"تحقيق الهجرة الطوعية لسكان غزة لدول أخرى".




ورغم تجريم الأمم المتحدة دعوات التهجير والتي وصفتها بأنها محاولات للتطهير العراقي، فأن سموتريتش أعلن صراحة بأن إسرائيل لديها فرصه كبيره للتنسيق مع حكومة ترامب باتجاه تشجيع تهجير الفلسطينيين من غزة، حتى وأن كلف الأمر قرابة 5 مليارات دولار.


في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، اجتمع رؤساء الوزراء والوزراء وقادة الحكومات، مرارا وتكرارا لمناقشة "مشكلة ملحة"، وهم السكان الفلسطينيون في غزة، وتكشف بروتوكولات المداولات أن أفكارهم لا تختلف كثيرا عن أفكار اليمين المتطرف اليوم.

ضم غزة بصمت
في 25 حزيران/يونيو 1967، قال وزير الدفاع موشيه ديان "إذا تمكنا من إجلاء 300 ألف لاجئ من قطاع غزة إلى أماكن أخرى، فيمكننا ضم غزة بدون مشكلة"، وفي كلماته، ذكر فكرة قبلتها الحكومة في ذلك الوقت، ولكن لم يتم تنفيذها بالكامل في النهاية، وهي ضم قطاع غزة إلى إسرائيل، وإفراغه من الفلسطينيين ثم توطينه باليهود.

بدوره، قال رئيس الوزراء في حينه، ليفي أشكول: "أقترح صيغة خطة لضم غزة، نحن مستعدون أن نقتل من أجل الأرض، إننا نشعر بالمرارة في القلب عندما نتذكر وجود 400 ألف عربي في قطاع غزة".

واحتشد وزراؤه للمناقشة وللمساعدة وقدموا الحلول، حيث تساءل وزير الداخلية حاييم موشيه شابيرا "إذا كان من الممكن نقل 200 ألف من الفلسطينيين في غزة إلى العريش أو توطين جزء منهم في الضفة الغربية، فيما اقترح وزير الدفاع يوسف سابير قائلا: "يجب علينا أخذهم من أعناقهم وطردهم بعيدا خارج القطاع".

واستؤنفت المناقشات بشأن "خطة توطين الفلسطينيين" طوال الأعوام 1967 وصولا إلى عام 2005، وكانت الفكرة خلق حالة من "الهجرة الصامتة"، بطريقة لا يُنظر إلى إسرائيل على أنها متورطة فيها، وفي النهاية، لم يغادر غزة الكثيرون، وظل معظم السكان الفلسطينيين في القطاع، وبعد مرور ما يقارب من 20 عاما على خطة "فك الارتباط" التي نفذها رئيس الوزراء في حينه أرئيل شارون، عاد الوزراء الشعبويون من معسكر بن غفير وسموتريتش للدعوة بتهجير الفلسطينيين من غزة، قائلين: " لقد فعلنا ذلك في الماضي ويجب أن نستمر به في المستقبل".


الفلسطينيون لن يذهبوا إلى أي مكان آخر
اليوم ومع مرور عامين على حرب الإبادة التي تسببت باستشهاد أكثر 67 ألف فلسطيني، وجرح نحو 170 ألفا آخرين معظمهم أطفال ونساء، فضلا عن تدمير 90 بالمئة من البنية التحتية لغزة، وخضوع 80 بالمئة من مساحة القطاع للاجتياح والتهجير، بعد أن ألقت إسرائيل أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات على غزة منذ اندلاع الحرب، فقد "انتهى زمن المعجزات بالنسبة لليمين الإسرائيلي، الفلسطينيون لن يذهبوا إلى أي مكان آخر"، هكذا عنون موقع 972 العبري الناطق بالإنجليزية، تحليلا له أكد فيه أنه رغم إشكالية خطة ترامب المكونة من عشرين نقطة لإنهاء الحرب في غزة لأسباب عديدة، إلا أنها تُنذر بنهاية أوهام حكومة نتنياهو بطرد الفلسطينيين.


واعتبر الموقع، أن الخطة كشفت، رغم ما تحمله من تناقضات وغموض، عن تغير جذري في موازين القوى، وعن نهاية مرحلة سياسية طويلة تبناها اليمين الإسرائيلي، كانت ترى في الحرب فرصة تاريخية لطرد سكان غزة، سواء بالتهجير القسري أو الطوعي، بل وربما القضاء على القضية الفلسطينية برمتها.

وذكر التحليل، أن الحكومة الإسرائيلية كانت ترى في الحرب فرصة لطرد سكان غزة، إلا أن الخطة الأمريكية الجديدة أغلقت الباب نهائيا أمام هذا التوجه، إذ إن أحد بنودها ينص صراحة على أنه "لن يجبر أحد على مغادرة غزة، ومن يغادر يمكنه العودة بحرية"، مما يعد تراجعا جذريا عن مخططات التطهير العرقي التي سعت إليها حكومة نتنياهو.

وحسب الموقع العبري، فأن مشروع التهجير القسري فشل، كما فشل مشروع السيطرة الكاملة على غزة والضفة، حتى أن مؤيدي نتنياهو في اليمين بدؤوا يشعرون أن هذه المرحلة وصلت إلى طريق مسدود، وخلص التحليل إلى أن إسرائيل وخصوصا اليمين المتطرف، يعيشون لحظة تحول يرون فيها مشروعهم القائم على الطرد والقمع والتوسع، ينهار أمام المتغيرات الدولية والرفض الإقليمي، وصمود الفلسطينيين، والضغط الشعبي حول العالم.