شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن أمس الاثنين يومًا من
الدبلوماسية المكثفة انتهى بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه بدأ الترتيبات
لعقد لقاء مباشر بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير
زيلينسكي، في خطوة قد تمثل اختراقًا نوعيًا في مسار الحرب المشتعلة منذ
فبراير/شباط 2022. غير أن موسكو لم تؤكد رسميًا بعد انعقاد اللقاء، مكتفية
بالإشارة إلى أن بوتين "منفتح على الفكرة" دون التزام محدد.
ضغوط أوروبية وضمانات أمريكية
جاءت هذه التطورات بعد سلسلة اجتماعات جمعت
ترامب بزيلينسكي وقادة أوروبيين من ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، فنلندا،
إلى جانب الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. وركّزت المباحثات على الضمانات الأمنية
المستقبلية لأوكرانيا، حيث شدد زيلينسكي على أن هذه الضمانات ستُـصاغ رسميًا خلال
عشرة أيام، مؤكدًا أن بلاده عرضت صفقة لشراء أسلحة أمريكية بقيمة 90 مليار دولار،
تشمل مقاتلات ومنظومات دفاع جوي.
ترامب من جانبه أعلن أن واشنطن ستشارك في
ضمان أمن أوكرانيا، لكنه شدد على أن العبء الأساسي يجب أن تتحمله الدول الأوروبية
"لأنها خط الدفاع الأول". وأضاف: "سنساعدهم، لكن على أوروبا أن
تتحمل نصيبها الأكبر."
عقدة وقف إطلاق النار
في الوقت الذي أبدى فيه زيلينسكي استعدادًا
للتفاوض مع
روسيا "بأي صيغة" بما في ذلك القضايا الإقليمية، تمسّك ترامب
بموقف مفاجئ رافض لفكرة وقف إطلاق النار قبل التوصل إلى اتفاق نهائي، قائلاً:
"في ستة صراعات أنهيتها هذا العام، لم أبدأ بوقف إطلاق النار". هذا
الموقف أثار حفيظة القادة الأوروبيين، وعلى رأسهم المستشار الألماني فريدريش ميرتس
والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اللذين اعتبرا أن أي مفاوضات جدية لا يمكن أن
تنجح دون هدنة أولية.
بحسب وكالة "تاس" الروسية، أبلغ
بوتين ترامب استعداده من حيث المبدأ لعقد لقاء مباشر مع زيلينسكي، لكن دون أي
التزام واضح بالزمان والمكان. ويعكس هذا الموقف رغبة موسكو في كسب الوقت وتفادي
ضغوط دولية متزايدة، خاصة مع استمرار الهجمات الروسية على المدن الأوكرانية التي
أوقعت عشرات الضحايا المدنيين مطلع الأسبوع الجاري.
ترامب أكد أن بوتين وافق على مبدأ منح
أوكرانيا ضمانات أمنية في إطار أي اتفاق سلام محتمل، وهو ما وصفه بأنه "خطوة
مهمة". وأوضح أن المفاوضات ستشمل أيضًا "مناقشة تبادل أراضٍ وفق خط
التماس الحالي"، وهو طرح يثير حساسية بالغة في كييف. أما زيلينسكي، فقد شدد
على أن أي اتفاق يجب أن يضمن بناء جيش أوكراني قوي مسلح ومجهز لردع روسيا على
المدى الطويل.
أجواء مغايرة داخل البيت الأبيض
على عكس اللقاء السابق الذي جمع ترامب
وزيلينسكي قبل ستة أشهر وشهد توترًا حادًا، اتسم اجتماع الأمس بأجواء أكثر ودية.
إذ شكر زيلينسكي ترامب بحرارة على الدعوة، وتبادل معه المزاح أمام عدسات الصحافة،
بينما التزم نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس الصمت. حتى المواقف الطريفة حضرت،
عندما مازح زيلينسكي أحد الصحفيين المؤيدين لترامب بشأن ملابسه الرسمية.
ورغم المؤشرات الإيجابية، يظل الطريق إلى
اتفاق شامل محفوفًا بالعقبات: غياب التزام رسمي من روسيا بشأن القمة، الخلاف
الأوروبي ـ الأمريكي حول أولوية وقف إطلاق النار، حساسية ملف "تبادل
الأراضي" بالنسبة لأوكرانيا، استمرار القصف الروسي على المدن الأوكرانية مما
يقوّض أجواء الثقة.
مع ذلك، فإن مجرد إعلان ترامب عن ترتيبات
لقاء مباشر بين بوتين وزيلينسكي يمثل أول محاولة جدية منذ اندلاع الحرب لوضع قادة
النزاع على طاولة واحدة، وهو ما يمنح الجهود الدبلوماسية بارقة أمل، وإن كانت
محفوفة بالشكوك والتباينات.
خلفية الحرب الروسية الأوكرانية
اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية في 24
فبراير/شباط 2022 عندما شنّت روسيا غزوًا واسعًا على أوكرانيا بعد شهور من التوتر
والحشود العسكرية على الحدود، في أكبر مواجهة عسكرية يشهدها القارة الأوروبية منذ
الحرب العالمية الثانية.
وتمكنت القوات الروسية في الأسابيع الأولى
من السيطرة على مناطق واسعة في الشرق والجنوب، بينها خيرسون وماريوبول، قبل أن
تنجح كييف بدعم غربي واسع في استعادة مساحات مهمة خلال هجمات مضادة في خاركيف
وخيرسون أواخر 2022.
ومع بداية 2023، تحولت المعارك إلى حرب
استنزاف طويلة تركزت حول باخموت ودونباس، فيما صعّدت موسكو من ضرباتها الجوية على
البنية التحتية الأوكرانية.
وعلى الرغم من العقوبات الغربية الواسعة
والدعم العسكري لأوكرانيا، استمر النزاع بلا أفق سياسي واضح حتى محاولات التهدئة
الأخيرة التي أعلن عنها ترامب، والتي قد تمثل ـ إن كُتب لها النجاح ـ أول اختبار
حقيقي لإمكانية إنهاء الحرب دبلوماسيًا.