مقابلات

خارجية أوكرانيا لـ "عربي21": أوروبا تجهز لنا حزمة دعم كبرى.. والقرار وشيك (فيديو)

مستشار وزير الخارجية الأوكراني أكد أن الدعم الغربي لبلاده سيشهد قفزة نوعية قريبا- عربي21
كشف مستشار وزير الخارجية الأوكراني، السفير يفهين ميكيتينكو، أن "دولا أوروبية كبرى تعمل حاليا على بلّورة حزمة كبرى من الدعم العسكري والسياسي لكييف، وسط تسارع في المشاورات واتجاه نحو اتخاذ قرار وشيك بهذا الشأن"، مشيرا إلى أن "الدعم الغربي سيشهد قفزة نوعية قريبا، رغم تعقيدات الوضع الميداني واستمرار العدوان الروسي".

وفي مقابلة مصوّرة مع "عربي21"، قال ميكيتينكو إن لديهم من الأسلحة ما يكفي لتغطية العمليات العسكرية خلال الشهرين المقبلين، "لكننا نُجرى مباحثات متقدمة مع الدول الأوروبية، وأيضا مع الولايات المتحدة، حول سبل دعمنا على المدى القريب".


وأكد ميكيتينكو أن بلاده تخوض "معركة مصيرية لا تدافع فيها فقط عن حدودها، بل عن أمن أوروبا بأسرها"، مُستنكرا تعليق صادرات الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا، لأن ذلك "يعد خطرا استراتيجيا حقيقيا، بل نعمل على تعويضه من خلال البدائل المتاحة".

وعن تقييمه للأداء العسكري الأوكراني، قال مستشار وزير الخارجية الأوكراني، إن "الحديث عن فشل استراتيجي أوكراني غير دقيق بالمرة"، مؤكدا أن القوات الأوكرانية "صدّت الغزو الشامل في 2022، وحرّرت مناطق واسعة مثل خاركيف وخيرسون"، مضيفا أن "المعركة صعبة ومُعقّدة، لكن خيار الاستسلام غير وارد بالمرة، وهدفنا يظل هو ذاته: تحرير كل الأراضي الأوكرانية".

وتاليا نص المقابلة المصوّرة مع "عربي21":

روسيا أعلنت الانتقال الكامل إلى الخيار العسكري في حربها ضد أوكرانيا.. فهل وصلت الحرب إلى مرحلة اللاعودة؟


لا يا سيدي، لم نصل إلى مرحلة اللاعودة حتى الآن. نعتقد أن إعلان روسيا التخلي الكامل عن أي مسار دبلوماسي يؤكد ما كنّا نحذر منه منذ البداية: أن الكرملين لا يسعى إلى تسوية، بل إلى إخضاع دولة ذات سيادة. ومع ذلك، فإننا لا نؤمن بمفاهيم مثل "اللاعودة" طالما أن هناك رغبة دولية جادة في فرض القانون الدولي ومحاسبة المعتدي. الحرب دخلت مرحلة أكثر دموية، لكنها لم تغلق أبواب الحلول السياسية.

وللأسف، لا أحد يختار جيرانه. لقد كُتب علينا أن نعيش إلى جانب روسيا، وهذه جيرة تعود لقرون طويلة. هناك علاقات عميقة بين العائلات والشعوب، وتاريخ مشترك يمتد لقرون. إذا عدنا إلى التاريخ، نرى أن موسكو لم تكن لتوجد لولا كييف. الدولة السلافية القديمة المعروفة بـ"كييف روس" نشأت في القرن التاسع، وكانت كييف عاصمتها. جميع الأمراء الأوائل جاؤوا من كييف، وكانت هي مركز الحكم.

لكن  موسكو الآن هي العاصمة القوية لروسيا الحديثة.. فهل هذا يعقّد العلاقة؟

بالطبع، موسكو تطورت على مدى قرون، وتحوّلت من قرية صغيرة على نهر إلى مدينة ضخمة مثل نيويورك. لكن الحقيقة تبقى أن كييف سبقت موسكو تاريخيا، وكانت مركزا حضاريا. روسيا لن تذهب إلى القمر، ولا أوكرانيا. نحن مضطرون للعيش جنبا إلى جنب. هذه الحرب لن تستمر إلى الأبد، وسيأتي يوم يعود فيه السلام. لكن ما يحدث الآن هو خسارة فادحة للطرفين، وخسارة للزمن الذي كان يمكن أن يُستثمر في تنمية دولتين مستقلتين.

لكن روسيا اتخذت قرار الحرب بالفعل، فهل ترون أن ما جرى كان مخططا مسبقا؟

بلا شك. روسيا ارتكبت جريمة واضحة عندما شنّت هجوما واسعا على أوكرانيا، حيث دفعت بأكثر من 150 ألف جندي، وعشرات المروحيات، وهاجمتنا من الشمال عبر بيلاروسيا، ومن الشرق. كانت تستعد لهذه الحرب والجريمة  الشنعاء منذ زمن طويل، وبالفعل كان هجوما منظما ومخططا له.

تصفونه بالجريمة الشنعاء.. فهل ترون أن على روسيا دفع ثمن لذلك؟

نعم. تذكّروا كلمات الكاتب الروسي العظيم فيودور دوستويفسكي في روايته "الجريمة والعقاب". لقد قال بوضوح: "مَن يرتكب جريمة يجب أن يُعاقب"، وهذا ينطبق تماما على ما فعلته روسيا. لقد شنّت حربا ظالمة ضدنا، ويجب أن تتحمّل نتائج ما ارتكبته، وعليها أن تدفع ثمنا فادحا جراء جرائمها.

أنا شخصيا لا أنسى تلك الليلة أبدا. في فجر 24 شباط/ فبراير 2022، استيقظت أنا وعائلتي على أصوات انفجارات عنيفة. كانت روسيا تقصف كييف وضواحيها. شعرت حينها أننا نعيش تكرارا لما حدث عام 1941، عندما قصفت طائرات ألمانيا النازية العاصمة الأوكرانية أثناء الحرب العالمية الثانية. لقد كان مشهدا مرعبا لن يمحى من ذاكرتنا إلى الأبد.

بعد أكثر من ثلاث سنوات من الدعم الغربي الهائل، لم تتمكن أوكرانيا من استعادة أراضٍ رئيسية. هل فشلت استراتيجيتكم العسكرية؟

لا، لا يمكن القول بذلك، لأنه يجب أن ننظر إلى الصورة الكاملة. أوكرانيا صدّت الغزو الروسي الكامل عام 2022، واستعادت أجزاء واسعة من أراضيها في خاركيف وخيرسون. صحيح أن الاستراتيجية العسكرية تواجه تحديات ضخمة بفعل التفوق العددي والتسليحي الروسي، لكن الفشل هو في منطق الاستسلام، ونحن لم ولن نختاره. المعركة طويلة ومُعقّدة، ولكن هدفنا واضح: تحرير الأراضي الأوكرانية بالكامل.

ونحن نعتبر أن الحرب لم تبدأ في عام 2022 فقط، بل في عام 2014. بعد ما سُمي حينها بـ"الانقلاب" في أوكرانيا، هرب الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، واندلعت "الثورة البرتقالية" التي كانت انتفاضة ضد الفساد. جاءت وجوه جديدة إلى الحكم، وشهدنا طاقة شعبية هائلة. لكن، للأسف، تعرّضت هذه التغييرات لانقلابات مضادة.

لاحقا، بدأت الهجمات ضدنا من شرق البلاد، من جماعات مدعومة روسيا، لم تكن راضية عن التغيير في كييف. ثم جاءت الخطوة الكبرى: احتلال شبه جزيرة القرم في شباط/ فبراير 2014، دون معركة تُذكر. هذا الحدث نعتبره بداية الحرب الباردة بيننا وبين روسيا. ومنذ ذلك الحين، خضنا جولات طويلة من المحادثات، لكن العدوان استمر، وصولا إلى اندلاع الحرب الشاملة قبل ثلاث سنوات ونصف.

وماذا عن المحافظات الأربع التي أعلنت روسيا ضمها؟

رغم كل ما فعلته روسيا، لم تتمكن حتى اليوم من السيطرة الكاملة على تلك المحافظات الأربع التي أعلنت أنها أصبحت تحت سلطتها. الحرب مستمرة، والمعركة لم تُحسم. نحن نواصل الدفاع بقوة عن أرضنا وسيادتنا، ولن نتراجع مهما حدث ومهما كانت التضحيات.

هل روسيا تخطط للسيطرة على نصف أراضي أوكرانيا بحلول نهاية 2026؟

لا توجد معلومات مؤكدة بهذا الشكل، لكن من الواضح أن موسكو تتحرك ضمن استراتيجية توسعية تستهدف تمزيق وحدة أوكرانيا. التصعيد المستمر في خاركيف ودونيتسك يشير إلى أن هدفها هو احتلال أكبر قدر ممكن من الأراضي، بهدف فرض وقائع جيوسياسية جديدة. نحن نواجه هذا المشروع بكل الوسائل المتاحة بدعم من شركائنا.

وأنا شخصيا أرى أن جميع السيناريوهات واردة، لكن يجب أن نأخذ في الحسبان أن الظروف تتغير باستمرار؛ من سنة إلى أخرى، بل من شهر إلى شهر، وأحيانا من يوم إلى آخر. ما يجري اليوم هو هجوم روسي مستمر، يمكن وصفه بوضوح بأنه "حرب استنزاف" ضد أوكرانيا.

عند النظر إلى الخارطة الجغرافية، نلاحظ تفوقا واضحا لروسيا؛ فهي أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، وتضم نحو 140 مليون نسمة، مقارنة بأوكرانيا التي تقل كثيرا في عدد السكان وفي المساحة.

ورغم أن روسيا تشنّ هذا الهجوم منذ ثلاث سنوات ونصف، فإنها لم تسيطر سوى على نحو 20% من أراضي أوكرانيا. لا أحد يمكنه الجزم بما سيحدث مستقبلا، لأن هناك متغيرات كثيرة يمكن أن تظهر فجأة، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري أو حتى بفعل أحداث طبيعية.

نتذكر جميعا، على سبيل المثال، محاولة الانقلاب التي وقعت داخل روسيا قبل نحو عامين، والتي نفذها بعض الجنرالات، وهذا يبرهن أن مفاجآت كثيرة يمكن أن تحدث وتُغيّر مسار الأحداث كليا.

ما حجم الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها أوكرانيا جراء الحرب مع روسيا؟

بطبيعة الحال، لا توجد دولة تعلن أرقام خسائرها بشكل دقيق خلال الحرب. لكن بحسب الأرقام الرسمية الأوكرانية، فإن روسيا تكبّدت نحو مليون إصابة بين قتيل وجريح خلال نحو ثلاث سنوات ونصف.

ومن المعروف، وفقا لقوانين الحروب، أن الطرف المُدافع يتكبد خسائر أقل بنسبة لا تقل عن 70% مقارنة بالطرف المهاجم، وفي هذه الحرب كانت روسيا في موقع الهجوم. انطلاقا من هذه القاعدة، يمكن تقدير حجم الخسائر العسكرية الأوكرانية، رغم عدم توفر أرقام دقيقة.

لكن ما نؤكده أن هناك خسائر بشرية فادحة في صفوف المدنيين: فقد قُتل نحو 25 ألف مدني أوكراني، بالإضافة إلى مقتل أكثر من 10 آلاف طفل أوكراني.

كما اُضطر أكثر من 6 ملايين مواطن أوكراني – ومعظمهم من النساء والأطفال – إلى مغادرة البلاد، ويعيشون الآن في دول مثل أوروبا وكندا والولايات المتحدة.

والخسائر المادية تُقدّر بمئات المليارات من الدولارات، وشبكة البنية التحتية تضررت بشكل هائل في الجنوب والشرق. ومع ذلك، فإن صمود شعبنا لا يُقاس بالخسائر، بل بالإرادة التي لا تنكسر.

كيف تنظرون لقيام ترامب بتعليق تصدير أسلحة إلى أوكرانيا في حين لا زال يقوم بتصدير أسلحة إلى إسرائيل؟

لا نتدخل في سياسات الحلفاء تجاه دول أخرى، لكننا نأسف كثيرا لأي قرار يضعف القدرة الدفاعية الأوكرانية في مواجهة عدوان سافر. الحرب في أوكرانيا لا تهدد أمننا فقط، بل تهدد استقرار أوروبا والعالم. تعليق المساعدات العسكرية يعزز من طموحات روسيا ويقوض الأمن الجماعي.

وتصدير الأسلحة الأمريكية لإسرائيل أمر طبيعي ومتوقع في ظل العلاقة التاريخية بين البلدين، لذلك لا نرى في ذلك شيئا مفاجئا.

أما فيما يتعلق بتصدير الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا، فالوضع مختلف تماما. خلال فترة سيطرة الحزب الديمقراطي على الحكم في واشنطن، كان هناك دعم مفتوح لأوكرانيا من الإدارة الديمقراطية.

لكن مع تولي الرئيس دونالد ترامب السلطة، بدأنا نلحظ تغيّرات في المواقف؛ إذ تم تعليق بعض واردات الأسلحة لأوكرانيا. ومع ذلك، الصادرات العسكرية لم تتوقف بالكامل، ومن المتوقع أن تستمر حتى نهاية الصيف الجاري.

وبحسب المعلومات المتوفرة لدينا، فإن القرار الأخير الخاص بتعليق صادرات السلاح إلى أوكرانيا جاء من قِبل وزير الدفاع الأمريكي، وليس من الرئيس ترامب شخصيا.

بالتالي، هل هناك فرق شاسع بين الدعم الأمريكي لأوكرانيا والدعم الأمريكي لإسرائيل؟

نعم، هناك فرق شاسع للغاية، وهذا أمر متوقع ومعروف للجميع. العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل علاقات تاريخية واستراتيجية، قائمة على ارتباطات عميقة في مختلف المجالات، لا سيما المجال العسكري.

كما أن للجاليات اليهودية في أمريكا وأوروبا نفوذ كبير ومؤثر في صياغة السياسات، سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وهذا النفوذ ينعكس في شكل الدعم الأمريكي لإسرائيل.

أما أوكرانيا، فرغم الشراكة مع الغرب، فإن علاقاتها مع واشنطن لم تصل بعد إلى نفس العمق أو الامتداد التاريخي الموجود مع إسرائيل.

ولكل حالة خصوصيتها الجيوسياسية، لكن المؤكد أن استمرار الدعم لأوكرانيا لا يجب أن يخضع للمقارنات، بل للمبادئ: الدفاع عن السيادة، ورفض الاحتلال، ومحاسبة المعتدي. علاقتنا مع واشنطن تقوم على هذه المبادئ، ونأمل ألا تكون رهينة للتجاذبات السياسية الداخلية.

هل أوكرانيا تشعر بحالة من حالات الخذلان الأمريكي لها في عهد إدارة ترامب؟

لا نشعر بذلك، ولا نريد استخدام مفردات عاطفية مثل "الخذلان"، لكننا نعبّر بوضوح عن قلقنا إزاء أي تباطؤ أو تغيير في الموقف الأمريكي تجاه دعمنا. أوكرانيا كانت وما زالت تقاتل نيابة عن المبادئ التي قامت عليها المؤسسات الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. دعمنا ليس صدقة، بل استثمار في الأمن العالمي.

نحن نتفهم طبيعة التحولات السياسية داخل الولايات المتحدة، ونعي أن كل إدارة لديها أولوياتها الخاصة.

أوكرانيا لا تبني مواقفها على ردود فعل انفعالية، بل تتعامل مع الوقائع بعقلانية، وتسعى للحفاظ على شراكتها الاستراتيجية مع واشنطن بغض النظر عن هوية الحزب الحاكم.

ما هو أثر تعليق تصدير الأسلحة الأمريكية على العمليات العسكرية الحالية، خصوصا في ظل التصعيد الروسي شمال شرقي البلاد؟

كما ذكرت سابقا، لدينا من الأسلحة ما يكفي لتغطية العمليات العسكرية خلال الشهرين المقبلين. وفي الوقت ذاته، تُجرى مباحثات متقدمة بين أوكرانيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية حول سبل دعمنا على المدى القريب.

الدول الأوروبية – من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا إلى السويد والدنمارك وهولندا وبولندا ورومانيا – تناقش حاليا داخل حلف شمال الأطلسي آليات تقديم دعم مباشر وقوي لأوكرانيا، سواء عبر إرسال أسلحة أوروبية، أو من خلال شراء أنواع محددة من الأسلحة وإيصالها إلينا.

إلى جانب ذلك، يساعدنا الأوروبيون في تطوير قطاع التصنيع العسكري المحلي، الذي كان ركيزة مهمة خلال الحقبة السوفييتية، حيث كانت أوكرانيا تضم أكبر وأهم المصانع المتخصصة في الصناعات الدفاعية والصواريخ الباليستية والفضائية.

لذلك، لا نرى في تعليق صادرات الأسلحة الأمريكية خطرا استراتيجيا حقيقيا، بل نعمل على تعويضه من خلال البدائل المتاحة.

في الواقع، نحن بحاجة إلى تدفق منتظم للمساعدات العسكرية، لا قرارات متأرجحة تزيد من تفاقم وتعقيد الوضع.

ألا ترون أن استمرار استنزاف القوات الأوكرانية، مقابل مكاسب ميدانية محدودة، يهدد بانهيار داخلي تدريجي أكثر من أي تقدم روسي؟

الاستنزاف واقع لا يمكن إنكاره، لكنه لا يعني أن هناك انهيارا. الجيش الأوكراني يواصل المقاومة الباسلة رغم الظروف القاسية. نحن نخوض حربا غير متكافئة، لكننا نحافظ على وحدة الدولة والمؤسسات. التهديد الأكبر ليس الاستنزاف بحد ذاته، بل تخلي الشركاء عنا.

بصراحة، الشعب الأوكراني متمسك بقيم العدالة والحرية والديمقراطية. ونحن نعيش في دولة تُجري استفتاءات واستحقاقات انتخابية بانتظام، ويشارك المواطنون في متابعة ومراقبة العملية السياسية بشكل يومي.

خلال ربع قرن، تداولت أوكرانيا على الحكم خمسة رؤساء، في حين أن روسيا يحكمها الرئيس نفسه منذ أكثر من عقدين خلال فترات مختلفة. هذا وحده يوضح الفارق الجوهري بيننا وبينهم.

نحن ننتظر مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار لبدء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة، وسنحتكم إلى نتائجها وتداعياتها بكل شفافية. ما يجعلنا أقوياء ليس فقط جيشنا، بل أيضا تمسكنا بنظامنا الديمقراطي.

بوتين أبلغ ترامب مؤخرا أنه لن يتراجع عن جميع أهدافه في أوكرانيا.. فهل ستنجح موسكو في تحقيق كل أهدافها داخل أوكرانيا؟

لا. روسيا قد تسيطر على بعض الأراضي، لكنها لن تنتصر. لا يمكن لمشروع توسعي قائم على العنف والدمار أن ينجح في المدى الطويل. المقاومة الشعبية والموقف الدولي سيمنعان موسكو من تحقيق أهدافها النهائية. أوكرانيا لن تختفي ولن تستسلم مهما جرى.

وإجمالا، لا أحد يمكنه أن يجزم بما سيحدث غدا، وأنا شخصيا لا أزعم أنني أمتلك إجابة حاسمة. لكن يجب أن نتذكر أن روسيا نفسها تمر بظروف اقتصادية صعبة.

من الغريب والمثير للسخرية أن دولة كبرى، عضو دائم في مجلس الأمن وتمتلك ترسانة نووية هائلة، تبدأ حربا ضد جارتها. هذا بحد ذاته أمر مذهل.

والاقتصاد الروسي يعاني من تقلبات أسعار النفط والغاز، فضلا عن أثر العقوبات الغربية المستمرة.

وهناك نقطة مهمة للغاية: في أيلول/ سبتمبر 2026، ستُجرى انتخابات برلمانية عامة في روسيا، أي بعد نحو عام. وبما أن حزبا واحدا يهيمن على المشهد السياسي هناك، فإن النقاش داخل النخبة الروسية يدور الآن حول: "ما العمل؟".

هناك مَن يرى أنه ينبغي الإعلان عن الانتهاء من "العملية العسكرية الخاصة" والانتقال إلى مسار السلام، في محاولة لتقديم صورة جديدة للناخبين الروس. لذا، من السابق لأوانه القول إن موسكو ستحقق جميع أهدافها، لأن المعادلة الداخلية والخارجية مُعقّدة للغاية.

الكرملين أعلن مؤخرا أن روسيا لم تعد ترى أي جدوى من المسار الدبلوماسي مع أوكرانيا.. فهل يمكن القول إن مفاوضات إسطنبول فشلت على أرض الواقع؟

أبدا، لا يمكننا اعتبار مفاوضات إسطنبول فاشلة. فبحسب معلوماتنا، جرت خلال الشهرين الأخيرين لقاءات مباشرة بين الوفدين الأوكراني والروسي، وأسفرت عن نتائج ملموسة وذات طابع إنساني مهم، من أبرزها عمليات تبادل أسرى وعودة عدد من الجرحى والمصابين من الجانبين.

صحيح أن روسيا دفعت بمئات الآلاف من المجندين والجنود المتعاقدين إلى الجبهات، مستندة إلى عروض مالية مغرية تُعد كبيرة بمقاييس الداخل الروسي، كما استعانت بآلاف السجناء الذين منحتهم تدريبا عسكريا سريعا قبل زجّهم في القتال، وهو أمر غير مسبوق في العقيدة العسكرية الروسية.

ورغم هذا التفوق العددي الروسي، فإن قواتنا ما تزال متمسكة بمواقعها الدفاعية. لكن لا بد من الاعتراف بأن هذه الحرب تحولت إلى "حرب مسيّرات"، حيث تُطلق مئات الطائرات المسيّرة من روسيا يوميا نحو مدننا، بما في ذلك العاصمة كييف، التي تتعرض لقصف متكرر ليليا تقريبا.

ومع ذلك، تبقى قنوات التواصل قائمة، وبعضها أفضى إلى نتائج ملموسة، ما يؤكد أن العمل الدبلوماسي لم يُغلق تماما.

صحيح أن موسكو لم تُبدِ جدية حقيقية منذ البداية في مسار التفاوض، لكن مفاوضات إسطنبول كانت كاشفة أمام المجتمع الدولي؛ فقد أظهرت مَن يسعى فعليا إلى السلام، ومَن يستخدم لغة الدبلوماسية كغطاء لشنّ الحروب.

ورغم كل ذلك، فإننا نؤمن بأن المسار السياسي سيظل ضروريا في نهاية المطاف، لأن أي صراع لا يمكن أن يُحلّ بالكامل بالوسائل العسكرية فقط.

ما فرص تسوية الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا من خلال المفاوضات والحلول الدبلوماسية؟

فرص التسوية موجودة إذا توافرت الشروط: انسحاب روسي من الأراضي الأوكرانية، وضمانات أمنية دولية ملزمة، ومحاسبة على الجرائم المرتكبة. أي تسوية لا تقوم على هذه المبادئ لن تكون حلا بل استراحة مؤقتة قبل جولة جديدة من العنف.

وأحب أن أستشهد هنا بما قاله وزير خارجية الاتحاد السوفييتي الأسبق، إدوارد شيفردنادزه، وهو أحد مهندسي نهاية الحرب الباردة، وأنا عملت معه خلال فترة الحرب بين العراق وإيران، وأتذكر تماما موقفه بعد اجتياح الكويت من قِبل صدام حسين، حين أعلن أن الكويت أصبحت المحافظة العراقية رقم 16، وهو نفس المنطق الذي استخدمه الرئيس الروسي حين ضم أربع مناطق أوكرانية واعتبرها أراضي روسية.

قال شيفردنادزه مقولة لا تزال راسخة في ذهني حتى اليوم: "سنة من المحادثات أفضل من يوم واحد من الحرب"، وأنا أؤمن بذلك تماما. لا بد من العودة إلى طاولة المفاوضات، ومعالجة نقاط الخلاف، وتعزيز المساحات المشتركة.

عاجلا أم آجلا، ستنتهي هذه الحرب، كما انتهت كل الحروب السابقة. فلكل صراع بداية ونهاية.