جددت جماعة
الإخوان المسلمين في
مصر، في الذكرى الثانية عشرة للانقلاب العسكري الموافق الثالث من تموز/ يوليو 2013، تأكيدها على التمسك بخيار التغيير السلمي الشامل في مصر، واعتبرت أن ما تمر به البلاد منذ ذلك التاريخ يثبت أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وصلت إلى "طريق مسدود" لا يمكن الخروج منه إلا بإرادة وطنية جامعة.
وقال القائم بأعمال المرشد العام للجماعة، صلاح عبد الحق، في بيان أصدره بهذه المناسبة، إن السنوات الماضية شهدت "تراكماً للمظالم والانتهاكات"، طالت قطاعات واسعة من المصريين، بمن فيهم عشرات الآلاف من الشهداء والمعتقلين والمطاردين والمختفين قسرياً، فضلاً عن أزمة اقتصادية متفاقمة تركت البلاد "رهينة للديون الخارجية"، على حد وصفه.
وأوضح عبد الحق أن ما تعيشه مصر اليوم لم يعد يقبل التسويف أو الإنكار، وأن الحاجة إلى التغيير باتت ضرورة وطنية عاجلة، "تغيير سلمي وشامل ينقل البلاد من القمع والاستبداد إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية"، مؤكداً أن النظام القائم "لم يظهر الحزم إلا في وجه شعبه"، بينما تقف مؤسسات الدولة عاجزة عن معالجة الأزمات، أو "مستهترة بمستقبل البلاد".
وحدة وطنية تتجاوز الحسابات الضيقة
وحذر بيان الجماعة من الوقوع مجدداً في فخ الانقسام، مشدداً على أن ذكرى الانقلاب ينبغي ألا تكون مناسبة لتأجيج الخصومات السياسية، بل فرصة لاستعادة الوعي المشترك بأن "نجاة مصر ومستقبلها لن يتحقق إلا بتحالف وطني واسع لا يُقصي أحداً"، وأن الرهان على إقصاء أي طرف هو رهان "قصير النظر"، أثبتت التجربة فشله على مدى السنوات الماضية.
وأكد عبد الحق أن تكلفة الانقلاب لم تطل جماعة الإخوان فحسب، بل شملت "الحكومة الشرعية ومعارضيها، والأحزاب السياسية، والحركات الشبابية، وقوى ثورة كانون الثاني/ يناير، وحتى من تورطوا في دعم 30 تموز/ يونيو"، مشيراً إلى أن الكلفة الأكبر هي ما تدفعه مصر على صعيد أمنها القومي، واقتصادها، ومكانتها الإقليمية والدولية.
وشدد البيان على أن المطلوب اليوم ليس "بيانات اعتذار أو اعتراف"، وإنما "عمل وطني فوري مشترك لتصحيح المسار"، داعياً إلى التبرؤ من كل رهان على سياسات أو سلطات أو خيارات أوصلت البلاد إلى هذا الانسداد التاريخي.
التغيير السلمي هو البوصلة
وأكدت الجماعة أن خيارها الاستراتيجي سيظل هو "التغيير السلمي الآمن والمسؤول"، الذي يحفظ على الدولة مؤسساتها، وعلى المجتمع نسيجه، وعلى الوطن وحدته، مشيرة إلى أن مؤسسات الدولة هي "منجز وطني راكمته الأجيال ولا يجوز التفريط فيه".
وأوضحت أن هذا التغيير لا يستهدف التفكيك بل التأسيس، ولا يسعى للفوضى بل لترسيخ الاستقرار القائم على العدل، مؤكدة أن بوصلتها "واضحة لا يشوبها ارتباك أو غضب"، وأن يدها ستظل ممدودة لكل المخلصين من أبناء الوطن، دون استثناء، ممن يؤمنون بإمكانية إنقاذ مصر عبر عمل وطني جامع.
سبعة محددات لرؤية التغيير الوطني
وحددت الجماعة معالم رؤيتها للتغيير في سبعة محاور رئيسية، رأت أنها تمثل الأسس اللازمة لبناء مستقبل ديمقراطي مستقر:
- ترسيخ قيم العدل والحرية والعدالة الاجتماعية، وضمان المساواة في الحقوق والفرص لكافة المواطنين دون تمييز أو إقصاء.
- حماية الاستقلال الوطني عبر توطيد النسيج المجتمعي، وتأسيس نظام سياسي ذي شرعية شعبية حقيقية، وتعزيز القدرات الدفاعية والأمن الغذائي والمائي، بما يحقق توازناً في التحالفات الدولية على قاعدة التكافؤ والتكامل.
- إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام، من خلال توجيه الموارد لتطوير قطاعات الصحة والتعليم، وتحسين أوضاع الريف والمناطق المهمشة.
- تحفيز الاقتصاد الوطني عبر إزالة القيود عن القطاع الخاص، وتشجيع المشروعات الصغيرة، والاستثمار في الصناعات التكنولوجية والبنية التحتية المتقدمة.
- دعم الاستقلال المؤسسي الكامل لمنظمات المجتمع المدني، بما يشمل النقابات المهنية، والاتحادات الطلابية، والمؤسسات التطوعية، كجزء من الحراك المجتمعي السلمي.
- رفع القيود الأمنية عن الأحزاب والنشاط السياسي، بما يفتح المجال أمام المشاركة السياسية الفاعلة لكافة القوى.
- تعزيز حرية الإعلام والتعبير، وتمكين المواطنين من التعبير السلمي عن آرائهم عبر الصحافة وشبكات التواصل الاجتماعي دون خوف أو ملاحقة.
الشعب هو الثابت الوحيد
وختم عبد الحق بيانه بالتأكيد على أن مصر، رغم القبضة الأمنية، ستظل قادرة على إعادة تنظيم صفوفها، وأن المجتمع المصري "بما له من تنوع وحيوية" سينهض مجدداً لاستعادة حقه في تقرير مصيره وبناء مستقبله.
واعتبر أن القبضة الأمنية – مهما بلغت قوتها – لا يمكن أن تقف أمام "إرادة شعب يريد الحرية والكرامة"، وأن الزمن، في نهاية المطاف، ينحاز دوماً للشعوب، "فهي الحقيقة الواحدة التي لا تتغير".
تُطل الذكرى الثانية عشرة لبيان "الانقلاب العسكري" الذي أطاح بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، الراحل محمد مرسي، في ظل تساؤلات ملحة حول مصير البنود التي جاءت ضمن "خريطة الطريق" التي أعلنها عبد الفتاح
السيسي، وزير الدفاع آنذاك ورئيس النظام الحالي للبلاد، خلال ظهوره في الثالث من تموز/ يوليو 2013.
في ذلك اليوم، وقف السيسي محاطاً بـ14 شخصية تمثل أطيافاً سياسية ودينية وعسكرية، ليُلقي بياناً رسم ملامح المرحلة المقبلة بعد عزل مرسي، متضمناً سلسلة من التعهدات تحت عنوان "خريطة المستقبل".
وقد تضمّن البيان بنوداً عدة وعدت بانتخابات حرة ودستور توافقي ومصالحة وطنية، إلى جانب لغة خطابية حاولت، بحسب مراقبين، مخاطبة وجدان الشارع المصري واستثمار آماله في التغيير، بعد أشهر من التوتر والانقسام السياسي الحاد.
وبعد مرور أكثر من عقد على ذلك البيان، تُطرح أسئلة حول مدى الالتزام ببنوده، وما تم تنفيذه فعلياً، وما تم تجاهله أو تحويره، خصوصاً في ظل استمرار الممارسات القمعية وتراجع الحريات، وتعثر العملية الديمقراطية التي كانت من أبرز الوعود المعلنة حينها.