تواجه الحظر الذي سيعرض على البرلمان البريطاني هذا الأسبوع مما يجعل الانتماء إليها "جريمة جنائية" في خطوة أثارت جدلا سياسيا وقانونيا واسعا.
شبكة احتجاج مؤيدة للفلسطينيين تستخدم تكتيكات العمل المباشر لإغلاق وتعطيل تجارة الأسلحة متعددة الجنسيات، وتستهدف مصانع الأسلحة الإسرائيلية المتواجدة في المملكة المتحدة والتي تزود جيش
الاحتلال الإسرائيلي بالأسلحة، وبشكل مباشر شركة "إلبيت سيستمز" الإسرائيلية لصناعة الأسلحة.
تعمل على وقف تعاملات
بريطانيا مع الاحتلال، وتعارض تجارة الأسلحة الداعمة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وتسعى إلى وقفها، وتدعو لوقف نظام الفصل العنصري والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
تأسست حركة "العمل من أجل فلسطين" أو "فلسطين أكشن" أو "بالستاين أكشن" وبالإنجليزية Palestine Action في عام 2020 عندما اقتحم ناشطون مقر شركة "إلبيت سيستمز" في لندن وقاموا برش الطلاء على الجزء الداخلي منه، وهي أكبر شركة أسلحة إسرائيلية مملوكة للقطاع الخاص في بريطانيا، وتزود الجيش الإسرائيلي بنحو 85% من الذخائر البرية والجوية وطائراته المسيرة التي يستخدمها في المراقبة اليومية والهجمات المنتظمة ضد الفلسطينيين ودول الجوار، إضافة إلى جميع مكونات الطائرات الإسرائيلية.
المؤسسان المشاركان لـ" فلسطين أكشن" هما هدى عموري، وهي ابنة فلسطيني، وريتشارد برنارد، وهو ناشط يساري منذ فترة طويلة.
واعتبرت الحركة في الأساس أن بريطانيا أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار دولة الاحتلال في سياساتها الدموية تجاه الفلسطينيين.
وتعيد الحركة التذكير دائما بتاريخ العلاقات البريطانية الإسرائيلية التي بدأت مع "وعد بلفور" عام 1917، والتمهيد لإعلان قيام الدولة العبرية عام 1948، والتواطؤ المستمر في دعمها لعدوانها المتواصل على الفلسطينيين.
وظهرت الحركة بشكل لافت على وقع حرب عام 2021 بين الاحتلال وحركة "حماس)" التي سميت إعلاميا "هبة الكرامة"، أو كما أعلنتها المقاومة معركة "سيف القدس"، أو كما أطلق عليها الاحتلال عملية "حارس الأسوار" والتي اندلعت بعد الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة في القدس، مع تحذير " حماس" على لسان قائد جناحها العسكري محمد الضيف بأن أمام الجيش الإسرائيلي ساعة للخروج من المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وإلَّا ستندلع الحرب، ومع انتهاء المهلة بدأت المقاومة الفلسطينيّة بإطلاق الصواريخ على فلسطين المحتلة وبدأت القوات الإسرائيلية بقصف قطاع غزة.
وأثناء الحرب، صعد 4 أعضاء من " فلسطين أكشن" يرتدون بدلات حمراء إلى سطح مصنع طائرات بدون طيار مملوك لشركة "إلبيت سيستمز" في مجمع ميريديان للأعمال في ليستر. والتقط أعضاؤها صورا للطائرات المسيرة أثناء إنتاجها، وقام النشطاء بوضع طلاء أحمر على الواجهة الخارجية، وقاموا بتفكيك الطائرات بدون طيار وآلات الطائرات وتدمير النوافذ، إضافة إلى احتلال المبنى مدة أسبوع، مما أوقف الإنتاج بشكل كامل.
وقامت المجموعة باحتلال مماثل لمواقع الشركة الإسرائيلية في عدة مدن بريطانية.
وفي العام التالي قام اثنان من المتظاهرين من الحركة بتقييد أنفسهما على أبواب مصنع طائرات بدون طيار تابع لشركة "أنظمة الطائرات بدون طيار التكتيكية المحدودة"، وهي شركة تابعة لشركة "أنظمة إلبيت" في براونستون. وتجمع ناشطون آخرون في مكان قريب رافعين لافتات كتب عليها " فلسطين حرة".
واستهدفت حركة "فلسطين أكشن" بانتظام مواقع بريطانية مرتبطة بشركات تسلح على صلة بدولة الاحتلال منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023. ففي عام 2024، قامت مجموعة برش قاعة مقاطعة سومرست، بالطلاء الأحمر وكان السبب وراء هذا الهجوم تأجير المجلس مبنى لشركة "إلبيت سيستمز ".
واستهدف الموقع مرة أخرى في عام 2025، من قبل نشطاء بمركبة على شكل رافعة ومطرقة متصلة بحبل لتحطيم نوافذ الطابق الثاني وإغراق المبنى بالطلاء الأحمر. وتم القبض عليهم في الموقع، ووجهت إليهم تهمة "التآمر لتخريب الممتلكات" واتهم اثنان بتهمة "الاعتداء بالضرب".
بالطبع لم تكن أعين اللوبي الإسرائيلي غافلة عن كل ذلك فقد أظهرت وثائق "حرية المعلومات" التي حصلت عليها " فلسطين أكشن" أن مسؤولين في السفارة الإسرائيلية طلبوا من مكتب المدعي العام في لندن التدخل في القضايا المتعلقة بمقاضاة المتظاهرين في بريطانيا.
وتضمنت تفاصيل اجتماعات حكومية لـ"طمأنة" شركة "إلبيت سيستمز" بشأن الحملة ضدها. وقالت " فلسطين أكشن" إن الوثائق تثبت أن وزارة الداخلية حاولت الضغط على الشرطة والمدعين العامين لاتخاذ إجراءات صارمة ضد النشطاء الذين يستهدفون الشركة.
وطيلة الفترة السابقة كان الحديث عن حظر الحركة مجرد لغو سياسي بريطاني داخلي غير أنه في طريقه ليصبح حقيقة بعد أن ألحق عضوان في الحركة أضرارا بطائرتين عسكريتين بريطانيتين الأسبوع الماضي احتجاجا على دعم لندن لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وباتت الحركة مهددة بالحظر بموجب قانون "الإرهاب" لعام 2000، على الرغم من وضعها تحت فئة جديدة منفصلة عن "المنظمات الإرهابية" المحظورة.
غير أن العقوبات المحتملة المفروضة على المجموعة قد تحد من قدرتها على جمع التبرعات وحقها في التجمع، ويحظر على أي شخص الترويج لها أو تنظيم اجتماعات أو حمل شعارها في الأماكن العامة، وقد يواجه من يخالف هذه القواعد عقوبة تصل إلى السجن 14 عاما.
وهذا الحظر يضع منظمة "فلسطين أكشن" على قدم المساواة مع حركة "حماس" أو تنظيمي "القاعدة" و"الدولة" بموجب القانون البريطاني.
وفي معرض تنديدها بالحظر، قالت منظمة العفو الدولية في بريطانيا "إحراج الحكومة من الاختراق الأمني ليس عذرا للتدخل في حقوق الإنسان".
وأرسلت 7 منظمات قانونية وحقوقية رسالة إلى وزيرة الداخلية تحث فيها الحكومة على عدم المضي في تصنيف الحركة "منظمة إرهابية"، محذرة من استخدام قوانين الإرهاب لـ"تجريم الحراك الداعم لفلسطين".
ولم تلتزم الحركة الصمت فقد صرحت المتحدثة الرسمية لحركة "فلسطين أكشن" بأن هذا "رد فعل غير متزن على عمل سلمي متمثل في رش الطلاء احتجاجا على تواطؤ الحكومة البريطانية في تسليح إسرائيل لذبح الشعب الفلسطيني".
وترى أن "الجريمة الحقيقية ليست الطلاء الأحمر على الطائرات الحربية، بل جرائم الحرب التي مكنت هذه الطائرات من تنفيذها بسبب تواطؤ الحكومة البريطانية في إبادة جماعية ترتكبها إسرائيل".
ووصفت ما حدث "بأنه نفاق فج من كير
ستارمر".
والواقع أن الحكومة العمالية برئاسة ستارمر واصلت نفس سياسة "المحافظين" في التعاطي مع حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، فهو يرفض بشكل قطع وصفها بـ"الإبادة " رغم ضغوط حتى من أعضاء بحزبه من أجل ذلك.
وتحاول الحكومة القابعة في " 10 شارع داونينغ "، مقر الإقامة الرسمية، بشكل ممنهج تجريم وعزل الأشخاص الذين يطالبون بالعدالة للفلسطينيين وإنهاء الإبادة الجارية التي ينفذها الاحتلال بغطاء أمريكي وأوروبي في قطاع غزة، بدلا من الوفاء بالتزاماتها الدولية بمنع الإبادة الجماعية.
ويبدو إلقاء "فلسطين أكشن" في غيابة الجب محاولة لـ "طمأنة " اللوبي الإسرائيلي النافذ في بريطانيا، بحسب ما سرب من وثائق.