صحافة دولية

WSJ: حرب "إسرائيل" مع إيران أربكت حسابات التطبيع مع السعودية

إدارة ترامب وحكومة إسرائيل أبدت رغبتهما في بذل جهد جديد للتطبيع- منصة "إكس"
قلبت حرب الاحتلال الإسرائيلي مع إيران حسابات الشرق الأوسط رأسا على عقب، وأربكت خطط التطبيع بين السعودية وتل أبيب، بعدما أظهرت تل أبيب قدرة على الضرب والمخاطرة، ما أثار قلق حلفائها بدلًا من طمأنتهم.

نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا للصحفيين ستيفن كالين وسمر سعيد قالا فيه إن النجاح العسكري الإسرائيلي ضد إيران يقوض أحد دوافع التطبيع السعودي، ويثير مخاوف بشأن قوتها المتنامية.

ويشهد الشرق الأوسط إعادة ترتيب جذرية، ولكن ليس كما تصورته الولايات المتحدة وقادة المنطقة قبل أقل من عامين.

وأكد التقرير أنه قبل عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أوصلت سنوات من المفاوضات المضنية السعودية إلى أعتاب اتفاق تاريخي للاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل، وكان من شأن ذلك أن يعزز تحالفا إسرائيليا عربيا ضد إيران، ويضمن الدعم الأمريكي لأمن السعودية، ويفتح الباب أمام قبول أكبر لإسرائيل في العالمين العربي والإسلامي.

وأضاف التقرير أنه خلال هذا الشهر، أدى القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران، عدوها اللدود، إلى إرباك الحسابات التي استند إليها الاتفاق المقترح في غضون 12 يوما فقط، كانت هذه الحرب بمثابة خاتمة لسلسلة من الحروب التي أضعفت حلفاء إيران، وساهمت في انهيار نظام الأسد المدعوم من إيران في سوريا، ووضعت إيران نفسها في مأزق في نهاية المطاف.

أشارت إدارة ترامب وحكومة إسرائيل إلى رغبتهما في بذل جهد جديد للتطبيع، ولكن مع تراجع إيران، قل حافز السعودية لتجاهل المخاوف الأخرى والمضي قدما، وستحتاج إلى وقت لتقييم آثار الميزة الصادمة التي أظهرتها إسرائيل بقدراتها العسكرية والاستخباراتية، وقدرتها العالية على تحمل مخاطر استخدامها.

وأضافا كاتبا التقرير أن كبار المسؤولين الخليجيين يشعرون بالقلق من أن استثمارهم في العلاقات مع واشنطن، بما في ذلك استضافة زيارة الرئيس ترامب رفيعة المستوى إلى الخليج الشهر الماضي، لم يُثمر عن أي تأثير. وقد أثار تشجيع ترامب المتكرر لهجمات إسرائيل وتهديداتها ضد المرشد الأعلى لإيران مخاوفهم من اندلاع حرب أوسع نطاقا.

وتابع التقرير أنه في النهاية، أمر ترامب بشن ضربة محدودة على المواقع النووية الرئيسية في إيران، ثم توسط في وقف إطلاق النار الذي أوقف القتال، محذرا إسرائيل في مرحلة ما من تغيير مسار قاذفاتها، لكن في حين تم تجنب أسوأ السيناريوهات، سيعيد قادة الخليج تقييم المشهد قبل المضي قدما.

وذكر التقرير أن ترامب يتطلع إلى استغلال زخم وقف إطلاق النار مع إيران للضغط على المزيد من الدول لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، بناء على اتفاقيات إبراهيم التي توسط فيها خلال ولايته الأولى والتي شملت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.

وقال المبعوث الخاص ستيف ويتكوف الأربعاء على قناة سي إن بي سي: "أحد الأهداف الرئيسية للرئيس هو توسيع اتفاقيات إبراهيم، وانضمام المزيد من الدول إليها، ونحن نعمل على ذلك، نأمل في تطبيع العلاقات مع مجموعة من الدول التي ربما لم يكن أحد ليتخيل انضمامها".

وذكر التقرير أنه لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام المضي قدما في التطبيع في الخليج، حيث أوضح السعوديون أنهم لن يبرموا صفقة بينما تستمر الحرب دون حل في قطاع غزة، حيث قُتل أكثر من 56 ألف شخص حتى الآن، وفقا للسلطات الفلسطينية التي لم تُحدد عدد المقاتلين.

وقال مسؤول سعودي عن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل: "سيتطلب الأمر الكثير من العمل، والمساحة غير مُتاحة الآن. الأمر المُلحّ هو دولة فلسطين وليس الخطر الإيراني".

وتزيد إعادة التوازن الجيوسياسي الجارية في الشرق الأوسط من التعقيدات، وقال النائب زاك نون (جمهوري، أيوا) إن العمليات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية ضد إيران وحزب الله أخافت الدول العربية، التي تخشى أن تتخذ إسرائيل إجراءات لا تدعمها ولا تستطيع التأثير عليها.

وأضاف التقرير أن زاك نون قال بعد لقائه قادة السعودية والإمارات والبحرين، ضمن وفد من الكونغرس من الحزبين في خضم الحرب الإسرائيلية الإيرانية: "لقد أصبحت إسرائيل ضحية نجاحها"، وأضاف أن دول الخليج ترى القدرات العسكرية لإسرائيل وتريد ضمانات باستخدامها بمسؤولية.

وبحسب التقرير أصبح العمل مع إسرائيل لاحتواء إيران أكثر جاذبية لبعض الدول العربية في السنوات الأخيرة، تقع إسرائيل والخليج في مرمى صواريخ إيران، كما أن دعم طهران للفصائل المسلحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن هدد أمن إسرائيل والعديد من الدول العربية.

وقال كاتبا التقرير أنه في عام 2017، ندد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، واصفا إياه بـ"هتلر الشرق الأوسط الجديد"، وفي ذلك الوقت تقريبا، انتشر فيديو كرتوني على الإنترنت يُظهر غزوا سعوديا برمائيا لإيران، ينتهي بدخول دبابات سعودية إلى طهران، وولي عهد سعودي منتصر.

وكانت الإمارات والبحرين قد خرقت المقاطعة العربية المستمرة منذ عقد من الزمان لإسرائيل، والتي فُرضت بسبب القضية الفلسطينية، وقامتا بتطبيع العلاقات في عام 2020. حاول ترامب إقناع السعودية باتباع نهجهما خلال ولايته الأولى، لكن الوقت نفد في النهاية.

وكان من شأن اتفاق ثلاثي الأطراف، تفاوضت عليه إدارة بايدن في عام 2023، أن يلزم واشنطن بالمساعدة في الدفاع عن الرياض في حال تعرضها لهجوم، وتطوير برنامج نووي مدني بتخصيب اليورانيوم، مقابل وصول الولايات المتحدة إلى الأراضي والمجال الجوي السعودي لحماية المصالح الأمريكية، بالإضافة إلى فرض قيود على التعاون الأمني السعودي مع الصين.

وتعرض الخليج، مثل إسرائيل، لهجمات من إيران وحلفائها، وألقت السعودية باللوم على إيران في هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ على اثنتين من أكبر منشآتها النفطية عام 2019، هاجم الحوثيون في اليمن مرارا وتكرارا المدن الجنوبية السعودية والعاصمة الرياض، وأصابوا بالقرب من البوابة الأمامية لقصر الحكومة السعودية في عام 2021. كما أطلق المسلحون صواريخ وطائرات مسيرة على الإمارات العربية المتحدة، التي شاركت في حملة القصف التي تقودها السعودية في اليمن.

وتابع التقرير أن الخوف من أن تؤدي المناوشات إلى الإضرار بخططهما للنمو الاقتصادي، قامت السعودية والإمارات بالتحوط من خلال التوصل إلى وفاق مع إيران في عام 2023، في عملية تلاعب جيوسياسي لتجنب الاضطرار إلى اختيار أحد الجانبين.

وأردف التقرير أن حملة إسرائيل ضد إيران اختبرت هذا التوازن الدقيق. فبينما تسعد دول الخليج برؤية إيران مُضعَفة، ذكّرها الحديث عن تغيير النظام بالاحتلال الأمريكي للعراق والفوضى التي اندلعت بعد الإطاحة بصدام حسين. وحتى بعد أن وضع وقف إطلاق النار حدّاً للحرب الإسرائيلية الإيرانية، لا تزال السعودية قلقة من أن تظل إيران متقلبة سياسيا وقادرة على شنّ هجمات، وفقا لمسؤولين خليجيين.

ومع تزايد احتمالات الضربات الإسرائيلية هذا العام، ساعدت السعودية والإمارات وقطر وعمان في نقل الرسائل والتوسط بين الولايات المتحدة وإيران، وسافر أنور قرقاش، مستشار السياسة الخارجية للزعيم الإماراتي، إلى طهران في آذار/ مارس لتسليم رسالة من ترامب، والتقى الأخ الأصغر للأمير محمد بخامنئي في نيسان/ أبريل ليؤكد له معارضة الرياض للعمل العسكري ضد البرنامج النووي الإيراني.

وتابع أن الجهود السعودية للحفاظ على مسار الدبلوماسية الأمريكية الإيرانية فشلت في نهاية المطاف، وفي 13 حزيران/ يونيو، وصلت المواجهة الإسرائيلية مع إيران إلى عتبة الرياض. وقال مسؤولون خليجيون إنهم ضغطوا على واشنطن للضغط على إسرائيل للتوقف، وطمأنوهم في البداية بأن الولايات المتحدة لن تتدخل.

بينما استفادت السعودية من تزايد الضغط الأمريكي والإسرائيلي على طهران، فإنها تخشى الآن أن تصبح "متلقية لنظام إقليمي جديد"، كما قالت ماريا فانتابي، التي ترأس برنامج الشرق الأوسط وأفريقيا في معهد الشؤون الدولية، وهو مركز أبحاث في روما. القلق هو أن إسرائيل "لن تُضعف الجمهورية الإسلامية وتفككها ثم تسمح للسعوديين بأن يصبحوا أقوى".

وأدانت دول الخليج الضربات الإسرائيلية على إيران باعتبارها انتهاكا للسيادة الإيرانية. واستشهدوا بلغة مماثلة بعد أن أذن ترامب بشن ضربات ليلة السبت، لكنهم عدّلوا من خطابهم على ما يبدو لتجنب استفزاز الرئيس المتقلب. تجدد حشدهم بعد الضربة الإيرانية على قاعدة أمريكية في قطر يوم الاثنين، منسقين رسالة ضبط النفس وخفض التصعيد لتمهيد الطريق لوقف إطلاق النار.

وقال قرقاش إن الحرب الإسرائيلية الإيرانية تناقض النظام الإقليمي الذي تسعى دول الخليج إلى بنائه، والذي يُعطي الأولوية للازدهار على الصراع.

وقال للصحفيين قبل يوم من قصف الولايات المتحدة للمواقع النووية الإيرانية نهاية الأسبوع الماضي: "هناك العديد من القضايا في المنطقة. إذا اخترنا التعامل مع كل شيء بقوة، فلن يبقى شيء غير محطّم".