مقالات مختارة

أمريكا.. كيان إرهابي فوق القانون الدولي

جيتي
فعلتها الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى، ولن تكون الأخيرة، بالعدوان السافر على دولة ذات سيادة، خارج الإرادة الدولية، وبتجاوز كل مؤسسات المجتمع الدولي، وعلى رأسها مسمّى “مجلس الأمن” وهيئة الأمم المتحدة.

فعلتها الغطرسة الأمريكية سابقا مع العراق الشقيق واليوم تعيد الكرّة مع إيران، في الأولى بذريعة “امتلاك أسلحة الدمار الشامل” والتي تبيّن لاحقا أنها مجرد فرية مفبركة لتدمير قوة عربية صاعدة، واليوم بحجة “منع طهران من تطوير السلاح النووي”.

الكيانات الصهيونية والإرهابية من إسرائيل إلى أمريكا، مرورا بفرنسا وبريطانيا، يملكون كل أنواع الأسلحة النووية والفتّاكة، بينما ليس من حق الآخرين، في منطق الغاب الدولي، تطوير البرامج النووية ولو كانت لأغراض سلمية، وتدمّر خارج قرارات الهيئات الأممية، والتي يتمّ تجاوزها مع أنها أجهزة شكلية وظيفية في خدمة الإمبريالية الاستعمارية الجديدة.

إن سلوك الاحتلال الإسرائيلي وراعيه الأمريكي وحليفه الفرنسي، يثبت مجدّدا أنّ هؤلاء مجرد كيانات إرهابية لا تلتزم بأي قانون دولي ولا عرف إنساني أخلاقي، بل تحرّكها غرائز القوة الحيوانية، وكل شعارات الحداثة المزعومة ليست سوى عناوين تخدير للأمم المستضعفة، كما يثير التساؤل حول جدوى “مجلس الأمن الدولي” ودوره في ضمان السلم العالمي؟

لطالما صدّعت الولايات المتحدة الأمريكية رأس العالم بدعوى “الدول المارقة”، وهي تلاحق أنظمة رافضة لهيمنتها الامبريالية، وأداء دور الحارس لمصالحها المحلية والإقليمية، في حين تشهر أمريكا شعارات “تهديد السلام الدولي” و”انتهاك حقوق الإنسان” و”محاربة الإرهاب” و”أسلحة الدمار الشامل” ذرائع للإطاحة بها، بعد شيطنتها سياسيا وإعلاميا وأخلاقيا أمام الرأي العام الدولي.

غير أن الحقيقة القائمة على الأرض منذ نصف قرن، على الأقل، هي أن أكبر دولة مارقة في التاريخ المعاصر هي الولايات المتحدة الأمريكية وليس غيرها، باعتبار أن المعيار الرئيس في تصنيف الكيانات الدولية هو مدى التزامها بالقوانين الإنسانية وقرارات الشرعية الأممية.

الوقائع تثبت أن أمريكا وراء صناعة الإرهاب الدولي في أكثر من مكان، سواء عن طريق مخابراتها الأمنية، لأهداف تقع على الأجندة الإستراتيجية، أو كردّ فعل على ممارساتها العنصرية والإنجيلو- صهيونية.

أمريكا هي أول دولة تحتقر القانون الدولي، بدعمها للكيان الصهيوني منذ 1948 خارج المواثيق الأممية، مستغلّة نفوذها بامتياز “الفيتو”، داخل مجلس الأمن، لتعطيل حماية حقوق الإنسان في فلسطين منذ عقود.

أمريكا هي التي ترفض منح الفلسطينيين حقهم الطبيعي في إقامة دولة مستقلة، وفق قرار التقسيم الأممي الجائر نفسه، بل إنها تقف عقبة أمامها حتّى في نيل العضوية الكاملة داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة.

الولايات المتحدة هي التي قادت أكبر الانقلابات العسكرية الدموية خارج حدودها عبر كل القارات، لإسقاط أعدائها وتنصيب عملائها، خدمة لمصالحها الحيوية الضيقة، منذ عهد الحرب الباردة، وما زال دورها التدميري في حق الآخرين متواصلا عبر هندسة الخراب والفشل في أقاليم تعدّها معادية لها، مثلما حصل في العراق وأفغانستان، ليس بهدف استئصال الإرهاب ونشر الديمقراطية، كما تدّعي، بل لتكريس احتكار مصادر الطاقة الأحفورية وتأمين ممرّاتها، في ظل التنافس الدولي على منطقة الشرق العربي وبحر قزوين.

لا يمكن حصر مظاهر الانتهاك الأمريكي الصّارخ للقانون الدولي في هذه المساحة المحدودة، بل يكفينا تدليلا على ذلك إشراف الولايات المتحدة، بشكل علني سافر، على كل جرائم الاحتلال الصهيوني ضدّ الإنسانية في غزة منذ 07 أكتوبر 2023 إلى اليوم، من دون أن تأبه بردّ فعل أي طرف في المجتمع الدولي، بما فيه جهاز الأمم المتحدة ومجلسها للأمن.

لقد صدق المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، في كتابه “الدولة المارقة”، عندما انتقد بلاده بصورة لاذعة، على خلفية تقويضها للديمقراطية في دول عديدة ودعم الانقلابات في مناطق أخرى، واستخدام القوة من دون وسائل الحوار، فضلا عن تجاهلها للقانون وكل الأعراف الدولية وممارسة العنف على نطاق واسع، حتّى إنه وضع تلك السلوكات في سجل واحد مع تاريخ هتلر وستالين.

من جهة أخرى، ينبغي التذكير بأن تشكيلة مجلس الأمن الدولي المنبثقة عن نتائج الحرب العالمية الثانية كرّست، بشكل مطلق، هيمنة القوى المنتصرة، على حساب كل الشعوب والدول الأخرى، بينما ظلّت المواثيق الأممية الصادرة عن الهيئة منذ 1945 مجرّد خطابات ومبادئ أخلاقية غير ملزمة، يمكن توظيفها أحيانا بصفتها مبرّرات قانونية للتدخل الدولي للولايات المتحدة الأمريكية في أي مكان من العالم دفاعا عن مصالحها الخاصة.
تعجّل بالضغط في اتجاه بناء نظام دولي جديد ومتعدّد الأقطاب

يجب أن لا يغيب كذلك عن الأذهان أن الجمعية العامة للأمم المتحدة بواقعها القائم لا تعدو أن تكون برلمانا عالميا، تطرح فيه المناقشات والشكاوى، لكنها لا تملك أي إلزام قانوني أو قوة لتنفيذ قراراتها التي تبقى مرهونة بموقف مجلس الأمن، بينما قرارات هذا الأخير أيضا محكومة بـ”الفيتو” الممنوح فقط للأعضاء الدائمين.

إنّ هذه الغطرسة العدوانية لن تكرّس الهيمنة الأمريكية المطلقة على مجرى التاريخ الحالي، بل ستدفع بالآخرين إلى الانضواء في تكتلات إقليمية ودولية، وتعجّل بالضغط في اتجاه بناء نظام دولي جديد ومتعدّد الأقطاب، ينتهي فيه جبروت الولايات المتحدة.

كما أنّ هذا السلوك الأمريكي المتجاوز للقانون الدولي، ينبغي أن يدفع بكل المقاومين لامتهان الإنسان، دولا ونخبا وشعوبا، إلى تعرية أمريكا والعمل بكل الطرق على تقويض مصالحها في كل مكان، لأنها تمثّل اليوم رأس الشرور في العالم، موازاة مع ضرورة الانتفاضات الجماهيرية على سفاراتها عبر كل العواصم، حتى تصل رسالة الغضب الشعبي إلى البيت الأبيض.

الشروق الجزائرية