تمر اليوم الاثنين الذكرى 58 لاحتلال العاصمة الفلسطينية مدنية
القدس "حسب التقويم العبري" من قِبل القوات الإسرائيلية وذلك خلال أيام حرب "نكسة يونيو 1967".
وتأتي الذكرى هذا العام في ظل استمرار العدوان على غزة منذ السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر 2023، ضمن عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذت احتجاجا على
انتهاكات
الاحتلال الإسرائيلي علي القدس والمسجد الأقصى، حيث تؤكد المقاومة الفلسطينية
أن المعركة من أجل القدس لا تزال في صلب الأولويات.
وأعلنت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة، في بيان مقتضب، إن عدد المستوطنين المقتحمين للمسجد الأقصى منذ ساعات الصباح وصل إلى 1170، تزامنًا مع إحياء الاحتلال الإسرائيلي لما تسميه "يوم توحيد القدس"، وسط حماية مشددة من شرطة الاحتلال
احتلال العاصمة الفلسطينية
في اليوم الثالث من حرب الأيام الستة، دخلت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى مدينة
القدس، بعد أن كانت خاضعة للإدارة الأردنية منذ نكبة 1948، وتم اجتياح المدينة
بسرعة ميدانية كبيرة، قبل أن يعلن الاحتلال الإسرائيلى ضمها رسميًا في خطوة أثارت
رفضًا عربيًا ودوليًا واسعًا.
ويسمي اليوم بـ"يوم
القدس" (Yom Yerushalayim)
وفقًا للتقويم العبري، حيث يحتفل به المستوطنين في 28 من شهر أيار العبري، في هذا
العام، يتزامن هذا التاريخ مع 26 مايو في التقويم الميلادي
لم تقتصر عملية الاحتلال التي اكتملت
في السابع من حزيران / يونيو 1967، على السيطرة العسكرية، بل شملت تغيير البنية
القانونية والإدارية للمدينة، حيث فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قوانينها على
السكان الفلسطينيين، ومنحتهم إقامة دائمة بدلًا من الجنسية، في محاولة لعزلهم عن
هويتهم الوطنية.
ورغم قرارات الأمم المتحدة التي اعتبرت القدس "أرضًا محتلة"، فإن
الاحتلال الإسرائيلي واصل التوسع الاستيطاني في المدينة، وقام بهدم آلاف المنازل
الفلسطينية، ومصادرة الأراضي، في إطار مخطط ممنهج لتهويد المدينة وتغيير طابعها
الديمغرافي والتاريخي.
القدس كرمز وشرارة للصراع
ولم تكن القدس مركزًا جغرافيًا لمقاومة الاحتلال فقط، بل تحولت إلى رمز
وطني وروحي للفلسطينيين، ومحرك رئيسي للانتفاضات الشعبية والمواجهات المسلحة.
وكانت شرارة الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) التي قد اندلعت في إيلول /
سبتمبر 2000 عقب اقتحام أرئيل شارون للمسجد الأقصى، لتتحول إلى مقاومة شاملة ضد
الاحتلال.
في أيار / مايو 2021، عاد مشهد القدس إلى الواجهة، حينما أشعلت اعتداءات
قوات الاحتلال على أهالي حي الشيخ جراح والمتظاهرين في الأقصى، معركة عسكرية كبرى
بين المقاومة في غزة وجيش الاحتلال، عُرفت باسم "سيف القدس"، وتكرست
فيها فكرة أن المساس بالمدينة المقدسة سيقابل برد عنيف.
وتحظى القدس بمكانة روحية كبيرة في الضمير الإسلامي والعربي، حيث تمثل نقطة
التقاء بين الديني والسياسي والوطني، ما يجعل كل تصعيد فيها يحمل إمكانية لتفجير
الأوضاع في مختلف المناطق الفلسطينية، وحتى الإقليمية.
العدوان على غزة.. معركة من أجل القدس
رغم أن الشرارة المباشرة للحرب الحالية على غزة تعود إلى عملية السابع من
تشرين الأول / أكتوبر، فإن خطاب المقاومة الفلسطينية يربط العملية بسلسلة طويلة من
الانتهاكات التي طالت القدس والمسجد الأقصى على مدار سنوات.
وقد أعلنت حركة حماس أن "طوفان الأقصى" لم يكن إلا ردًا على
الاقتحامات المتكررة، والإجراءات الإسرائيلية التي تستهدف تغيير الوضع القائم في
الحرم القدسي الشريف، ومنع الفلسطينيين من الوصول إليه.
خلال العدوان المستمر على غزة، لم تغب القدس عن الشعارات والمواقف السياسية
والعسكرية للمقاومة، التي أكدت أن أي حل يجب أن يبدأ من القدس وينتهي بتحريرها، وتعد
المدينة عنصرًا جامعًا بين مختلف الفصائل الفلسطينية، التي ترى فيها جوهر القضية.
على الجانب الآخر، يتهم الاحتلال الإسرائيلي المقاومة الفلسطينية باستخدام
القدس كغطاء لشن عمليات مسلحة، وتحاول الترويج بأن الحرب تستهدف "القضاء على
الإرهاب"، لكنها تواجه فشلًا في كسر الربط بين القدس كمركز لمقاومة الاحتلال
والوجدان الجمعي الفلسطيني.
التهويد والاستيطان في القدس
ومنذ عام 1967، يسير الاحتلال الإسرائيلي بخطى متسارعة نحو تهويد القدس،
عبر مشاريع استيطانية ضخمة، مثل مستوطنات "رمات شلومو" و"هار
حوما" و"جفعات همتوس"، التي تحاصر الأحياء الفلسطينية وتفصلها عن
بعضها البعض.
كما تعتمد سلطات الاحتلال على سياسات ممنهجة لهدم المنازل الفلسطينية، وفرض
ضرائب باهظة، وسحب الهويات، بهدف دفع الفلسطينيين إلى الرحيل القسري، وتفريغ
المدينة من سكانها الأصليين.
وتستخدم الحفريات الأثرية والتاريخية كأداة سياسية من قبل السلطات
الإسرائيلية، لإثبات ما يسمى بـ"الرواية اليهودية" للمدينة، عبر مشاريع
مثل "مدينة داوود" وأنفاق أسفل المسجد الأقصى، ما يُثير حفيظة
الفلسطينيين والعالم الإسلامي.
الصمت الدولي وتجاهل القرارات الأممية
رغم مرور أكثر من خمسة عقود على الاحتلال، لا يزال المجتمع الدولي متمسكًا
بموقف قانوني واضح يعتبر القدس أرضًا فلسطينية محتلة، ويرفض الاعتراف بضمها، وفق
قرارات مجلس الأمن مثل القرار 478.
لكن هذا الموقف لم يُترجم إلى أفعال ملموسة، فالدول الكبرى لم تفرض عقوبات
على الاحتلال الإسرائيلي، بل إن بعضها، مثل الولايات المتحدة، نقل سفارته إلى
القدس في عهد الرئيس دونالد ترامب عام 2018، مما مثّل تحولًا خطيرًا في التعامل مع
وضع المدينة.
وشجع الصمت الدولي أمام سياسات الاحتلال، وعدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة،
الاحتلال الإسرائيلي على تسريع وتيرة تغيير الوقائع على الأرض، دون خوف من ردود
فعل دولية حقيقية، ما يُعمق من أزمة الشرعية والعدالة في النظام الدولي.
وفي كل مواجهة كبرى مع الاحتلال، تعود القدس لتكون نقطة الإجماع الفلسطيني،
وتُوحد الفصائل والشارع، بما في ذلك في الشتات، حيث تشكل المدينة قاسمًا مشتركًا
في كل مظاهرة أو فعالية تضامنية.
مدينة لا تقبل النسيان
مع مرور 57 عامًا على احتلال القدس، لا تزال المدينة حية في الضمير
الفلسطيني والعربي والإسلامي، ومركزًا دائمًا للصراع، تتجدد ذكراها كل عام مع مزيد
من محاولات التهويد، لكن أيضًا مع موجات من الصمود والمقاومة.
اليوم، وفي ظل العدوان الدموي على غزة، تُستدعى القدس من جديد كعنوان
للصراع، ومفتاح لأي حل سياسي عادل، إذ لا يمكن الحديث عن تسوية حقيقية دون إنهاء
الاحتلال عن العاصمة الفلسطينية المحتلة.
القدس ترفض النسيان، وتُبقي القضية حية في الوجدان العربي والدولي، ما دامت
معركة العدالة مستمرة، وما دامت هناك شعوب ترى في المدينة رمزًا للحرية والسيادة.
اقتحام متطرف
ومن ناحية أخرى اقتحم الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الاثنين، المسجد
الأقصى المبارك وسط حماية مشددة من قوات الاحتلال، وذلك في ذكرى احتلال القدس وفق
التقويم العبري، حيث أظهرت لقطة مصورة تداولتها منصات فلسطينية عبر وسائل التواصل
الاجتماعي لحظات وصول الوزير المتطرف إلى المسجد الأقصى رفقة عضو
"الكنيست" إسحق كرويزر.
تزامن اقتحام الوزير الإسرائيلي مع قيام أكثر من ألف مستوطن إسرائيلي
للمسجد الأقصى تحت حماية مشددة من قوات الاحتلال الإسرائيلي بمناسبة حلول الذكرى
السنوية لاحتلال القدس حسب التقويم العبري.
وقالت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة، في بيان مقتضب، إن عدد
المستوطنين المقتحمين للمسجد الأقصى منذ ساعات الصباح وصل إلى 1170.