حظيت
بلدة الشيوخ بمعاملة خاصة ومميزة في
عهد الدولة العثمانية لما لها من مكانة روحية، فقد وفد إليها الشيوخ لتلقي العلم
والتقرب من رموز القرية الدينية.
تقع بلدة الشيوخ إلى الشمال الشرقي من
مدينة الخليل، وعلى بعد 6.5 كم، على جبل يتراوح ارتفاعه من 980م ـ 997م عن سطح
البحر، وقد أكسبها قربها من طريق الخليل القدس الرئيس أهمية كبرى حيث تبعد عنه
مسافة 3 كم فقط.
يحد بلدة الشيوخ من الشرق أراض مفتوحة تتاخم
البحر الميت، ومن الجهات الثلاث الأخرى أراضي بلدة سعير، فهي شبه جزيرة في بحر
سعير التي تحيط بها.
تحيط بالبلدة مجموعة من الخرب التي تحتوي
على مواقع أثرية أهمها : خربة أبي ريش، وخربة الربيعة، وخربة الزعفران، وخربة
الجرادات، وفي أراضيها القريتان الصغيرتان :العديسة، وبيت عينون.
قدر عدد سكانها عام 1922 بنحو 960 نسمة، وفي
عام 1945 وصل إلى 1240 نسمة، وفي عام 1967 بلغ عدد سكانها 1800 نسمة، ارتفع في عام
1987 إلى 3400 نسمة، وتشير آخر الإحصاءات أن عدد أهالي القرية يقارب 8000 نسمة. تبلغ مساحة الأراضي التابعة للقرية نحو 22
دونما.
مشهد للشيوخ وتبدو مدرسة البنات.
وتعتمد الشيوخ على مياه الأمطار التي تسقط
في فصل الشتاء، حيث يجمعها السكان في الآبار التي يحفرونها لذلك الغرض، وقد
حفروا بئرا عميقة تخدم أفراد القرية جميعا، وهي ما يطلق عليه
"المصنعة"، وتوجد عين ماء يطلق عليها عين عون أو عين عوينة، وعدة آبار
معروفة.
وكان العمران في بلدة الشيوخ سابقا يقوم في
المنطقة المحيطة بقبر ومقام الشيخ إبراهيم الهدمي، وأما اليوم فقد انتشر البناء
على مساحات واسعة وذا طابع حديث، ومعظم مباني أهل القرية من الحجارة والرخام الذي
تشتهر به القرية، وبالطبع لا يخلو ذلك من مضايقات ومنغصات من جانب الاحتلال وذلك
بعدم منح السكان الترخيص اللازمة للبناء.
وتنتشر في منطقة الشيوخ الأماكن الأثرية
الكثيرة، وتفيد روايات أن بعض السكان وجدوا بعض القطع النقدية القديمة
(الأنتيكا) غالية الثمن، وقد عمل معظم سكان منطقتي الشيوخ وقرية بيت فجار في
الحفر والتنقيب عن الآثار، وكشفت عمليات الحفر عن الصخر الصالح للبناء بألوانه
المختلفة.
يرتبط
تاريخ بلدة الشيوخ بتاريخ سعير الموغل
في القدم، وكانت أرض
فلسطين ساحة حرب وحضارة امتزجت على ترابها دماء كثيرة من
الشعوب، وامتزجت كثير من الحضارات في بوتقة واحدة حملت اسم فلسطين.
وظهرت الشيوخ بشكل بارز في العهد الإسلامي
خاصة بعد مجيء الشيخ إبراهيم الهدمي إليها حيث توفي ودفن فيها فيها، وسميت الشيوخ
بهذا الاسم نسبة إلى الشيخ إبراهيم الهدمي، حيث قصده الشيوخ للعلم وإحياء الطريقة
ليلة الاثنين والجمعة من كل أسبوع وليالي الذكر، ومنها اشتق اسم القرية لتجمع
هؤلاء الشيوخ على مر العصور السابقة حتى وقت قريب.
مسجد الشيخ الهدمي من الداخل.
وتذكر المصادر التاريخية أن الشيخ الهدمي
كان مزارعا حيث أصلح لنفسه مكانا وزرعه وغرس فيه شجرا فأثمر، وكان من الأولياء
الصالحين أصحاب الكرامات، حسن الذكر ممن يعتقد فيهم الصلاح، حسب الروايات.
وكان رحالة باحثا في سبيل طلب العلم
والتعليم وكان له مريدون كثيرون، والذين أقاموا على قبره وسكنوا أكناف المكان.
وتميزت الشيوخ بمكانة خاصة في العهد التركي
حيث حصل سكانها على مرسوم سلطاني باللغة التركية عام 1191.
كان سكان الشيوخ في أواخر العهد التركي
يرتدون العمامة الخضراء "اللفة" كعلامة للأشراف حسب المرسوم السلطاني
العثماني الصادر من القسطنطينية، والمقيد بالإذن الشرعي في سجل الأوامر الشرعية
السكانية في القدس الشريف التي تنص ترجمتها على أن أهل بلدة الشيوخ معفيون من
الضرائب، وطعامهم مجانا ويرفع عنهم أي ظلم أو اعتداء أو قهر وهذا أمر واجب التنفيذ.
وبعد سقوط الدولة العثمانية وضعت فلسطين تحت
سيطرة بريطانيا بمسمى "الانتداب" بعد توقيع اتفاقية "سايكس
بيكو" وتقسيم البلاد العربية، حيث عينت هربرت صموئيل، وهو يهودي، كأول مندوب
سامي على فلسطين والذي عمل بكل الإمكانيات على تهيئة الوضع لإقامة "الوطن
القومي للشعب اليهودي"، فتشدد في جباية الضرائب من السكان المحليين، ويروى أن
أهالي الشيوخ حملوا الإعفاء التركي إلى الممثل البريطاني في القدس لكي يعفيهم من
دفع الضرائب، ولكن الممثل البريطاني أخذ الوثيقة منهم ولم يرجعها إليهم ولم يستجيب
لطلبهم وأجبرهم على دفع الضرائب والمستحقات المالية عليهم.
كان لسكان الشيوخ مشاركة كغيرهم من أبناء
الشعب الفلسطيني في الثورة ضد الإنجليز وخاصة في ثورة فلسطين الكبرى في عام 1936
والتي شهدت أطول إضراب في تاريخ المنطقة العربية، حيث تشكلت لجنة شعبية في الشيوخ
أسوة ببقية القرى الفلسطينية وقدمت القرية العديد من الشهداء والمعتقلين.
وبعد نكبة عام 1948 دخل المصريون قطاع
الخليل وبيت لحم ثم انسحبوا منه في العام التالي حيث أصبحت جزءا من المملكة
الأردنية الهاشمية حيث عم الأمن والاستقرار وانتشر التعليم وتأسست العيادات الصحية
والمدرس .
وبعد حرب عام 1967 خضعت الشيوخ للاحتلال
الإسرائيلي الذي صادر جزءا من أراضيها وأقامت عليها مستوطنة "قنا" عام
1983. وشاركت البلدة في جميع التحركات الشعبية التي خاضها الشعب الفلسطيني وبشكل
خاص في الانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية.
وبعد اتفاقيات "أوسلو" خضعت
الشيوخ لحكم السلطة الوطنية الفلسطينية، ورغم ذلك بقيت البلدة عرضة للاقتحام
والحصار الإسرائيلي ولعمليات القتل والاعتقال ومصادرة الأراضي والتضييق على رخص
البناء والتحرك والتنقل بين القرى والمدن المجاورة.
المصادر:
ـ إدريس جرادات، "طــريــق الشموخ في
حاضرةِ الشيوخ"، مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي.
ـ عوض الرجوب، "بلدة الشيوخ..طاعون الاستيطان يلتهم
منازلها"، الجزيرة نت، 24/2/2015.
ـ مصطفى الدباغ، بلادنا فلسطين، ص 169.
ـ موقع فلسطين في الذاكرة.
ـ موسوعة القرى الفلسطينية.
ـ موقع دائرة المعارف الفلسطينية.
ـ عبد النبي الحوامدة ومحمد الرجوب، "الزراعة في
محافظة الخليل".