ملفات وتقارير

ما دوافع الانفتاح الأمريكي المفاجئ على سوريا وماذا قدمت دمشق؟

الشرع اجتمع مع ترامب على هامش زيارة الأخير للسعودية- وكالة "واس"
تشهد العلاقات السورية الأمريكية بعد لقاء زعيمي البلدين أحمد الشرع ودونالد ترامب، منعطفا غير مسبوق على مدى العقود الماضية، حيث يضع الجانبان أساسا جديدا للعلاقات التي اتسمت بالتوتر خلال عهد النظام المخلوع.

ويطرح التقارب السوري الأمريكي، الذي تجسد بقرار ترامب رفع العقوبات ولقائه الشرع في العاصمة السعودية الرياض، العديد من التساؤلات حول المتطلبات التي طرحتها واشنطن على دمشق وموقف الأخيرة منها.

وكانت إدارة الشرع بدأت جهودا دبلوماسية حثيثة منذ وصولها إلى سدة الحكم في دمشق بعد إسقاط الأسد أواخر العام الماضي، بهدف رفع العقوبات الغربية المفروضة على البلاد من أجل الدخول في مرحلة التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار.

وبعد إعلان ترامب عزم بلاده التطبيع مع دمشق بعد الكشف عن قراره رفع العقوبات خلال زيارته العاصمة السعودية الرياض، وصف الشرع القرار الأمريكي في كلمة مصورة من دمشق بأنه "شجاع وتاريخي".

وأشاد ترامب بدوره أكثر من مرة بنظيره السوري، حيث وصف الشرع بأنه "شخص ذو ماضٍ قوي"، معبرا عن ثقته في قدرته على تمثيل سوريا بشكل فعّال خلال المرحلة المقبلة.

كما اجتمع وزير الخارجية أسعد الشيباني مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو في ولاية أنطاليا جنوبي تركيا بحضور نظيرهما التركي هاكان فيدان، وذلك بهدف بحث تفاصيل رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا وتحسين العلاقات بين دمشق وواشنطن وسبل بناء علاقة استراتيجية، حسب وكالة الأنباء السورية "سانا".

وأوضح روبيو في تصريحات للصحفيين في تركيا أن الولايات المتحدة "تريد أن تفعل كل ما تستطيع لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا"، موضحا أن "هذه فرصة تاريخية لسوريا لكن الطريق سيكون طويلا".

ولفت وزير الخارجية الأمريكي إلى أن "ترامب سيصدر إعفاءات أولية من العقوبات القانونية على سوريا"، في حين نقلت رويترز عن مسؤول بالإدارة الأمريكية قوله إن "وزارة الخزانة ستصدر على الأرجح في الأسابيع المقبلة رخصا تغطي نطاقا واسعا من قطاعات الاقتصاد الضرورية لإعادة الإعمار".

ما الدافع وراء الانفتاح الأمريكي المفاجئ؟
كشف مسؤولون في إدارة ترامب عن شعورهم بالمفاجأة من إعلانه رفع العقوبات عن سوريا، حيث قال مسؤولون أمريكيون مطلعون إن كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والخزانة هرعوا في محاولة لاستيعاب كيفية إلغاء العقوبات.

ونقلت رويترز عن مسؤول أمريكي كبير، أنه قبل رحلة ترامب إلى السعودية، لم يكن هناك أي مؤشر واضح، على الأقل بالنسبة للمسؤولين الذين يعملون على العقوبات داخل وزارتي الخارجية والخزانة، على أن الرئيس قد اتخذ قرارا.

ويرى الباحث السياسي محمود علوش، أن القرار الأمريكي المفاجئ بشأن سوريا تحركه مجموعة من الدوافع، في مقدمتها إدراك واشنطن أن سوريا الجديدة تمثل فرصة استراتيجية في الشرق الأوسط، كدولة حليفة انتقلت من معسكر إلى آخر.

وكانت تقارير تحدثت عن عزم الشرع طرح خطة إعادة إعمار على ترامب على غرار خطة مارشيل من أجل دفعه لرفع العقوبات، وتضمن خطة الرئيس السوري تفوق الشركات الغربية والأمريكية على نظيراتها في الصين.

ويوضح علوش في حديثه لـ"عربي21"، أن "الولايات المتحدة تدرك أن استمرار العقوبات على سوريا قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الذي بدأ يتشكل بعد التغيير السياسي، ما قد يُضعف الحكم الجديد".

وبحسب الباحث، فإن إضعاف الحكم الجديد في سوريا "يفتح الباب أمام أخطار أمنية تهدد المصالح الأمريكية، إلى جانب احتمال استغلال روسيا وإيران والصين لأي فراغ ناتج عن عدم الاستقرار من أجل العودة إلى سوريا".

بدوره يرى الباحث بمركز "حرمون" محمد السكري أن سبب رفع العقوبات الأساسي يعود إلى توجهات ترامب بخصوص الشرق الأوسط، موضحا أنه "من الصعب الحديث عن شرق أوسط مبني على السلام ما دام أن سوريا قد تكون مصدر تهديد للإقليم".

كما يلفت السكري في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "تلاقي المصالح العربية التركية ضمن سياق الأمن والتنمية قد دفع الإقليم لدمج الملف السوري ضمن مصالحها وأولوياتهم التفاوضية مع واشنطن".

وهو ما جعل الملف السوري جزءا من التفاوض مع تركيا على مصالحها، بذات التوقيت فعلت السعودية المثل عبر الصفقات الاقتصادية وحجمها، على حد قول السكري.

وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حاضرا في الاجتماع الذي جمع الشرع وترامب في الرياض، في حين شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالاجتماع عبر تقنية الفيديو.

ولفت ترامب في أكثر من مرة إلى أن قراره رفع العقوبات المفروضة على سوريا خلال عهد الأسد، جاء بعد دفع من ولي العهد السعودي والرئيس التركي.

ويرى علوش أن "للتأثيرين السعودي والتركي دورا مهما في تسريع قرار رفع العقوبات، إلا أن المحركات العميقة لهذا القرار تعود إلى مصالح أمريكية جوهرية، تتقاطع في بعض جوانبها مع الأجندتين السعودية والتركية في سوريا".

ماذا قدمت دمشق في المقابل؟
تحدث البيت الأبيض عن عدد من المتطلبات التي طرحت خلال اللقاء بين الشرع وترامب، موضحا أن الرئيس الأمريكي شجع نظيره السوري على القيام "بعمل عظيم للشعب السوري، وحضه على التوقيع على اتفاقات أبراهام مع إسرائيل"، والتي طبّعت بموجبها الإمارات والبحرين والمغرب علاقاتها مع دولة الاحتلال في 2020.

ودعا ترامب الشرع إلى العمل من أجل عودة منع تنظيم الدولة من الظهور في سوريا مجددا، وحضه على تولي مسؤولية مراكز احتجاز تنظيم الدولة في شمال شرق سوريا.

كما دعا الرئيس الأمريكي نظيره السوري إلى ترحيل من وصفهم بـ"الإرهابيين الفلسطينيين" من سوريا، في إشارة إلى الفصائل الفلسطينية.

ويرى السكري أن سوريا تأتي في المقام الأول "ضمن مشروع الاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط"، وهو عامل أكثر أهمية من وجود مطالب أمريكية من سوريا التي "لا تتعدى الشكليات الحوكمية أمنيًا وإن بدت كثيرة من حيث المقاتلين الأجانب والفصائل الفلسطينية وداعش".

من جهته، يوضح علوش أن "سوريا باتت مطالبة بتقديم مقابل سياسي واضح لهذا الانفتاح الأمريكي، يتمثل أولا بقطع العلاقات مع المعسكر الشرقي، إضافة إلى الالتزام بمطالب واشنطن في ملفات مكافحة الإرهاب".

كما يشير الباحث إلى ضرورة "منع إيران من ترسيخ نفوذها، وضبط ملف المقاتلين الأجانب، والتعامل مع الفصائل الفلسطينية، وتوسيع قاعدة الحكم لتشمل مختلف مكونات الشعب السوري".

وأكد علوش أن الطلب الأمريكي "الأكثر حساسية" يتمثل في توقيع اتفاق سلام مستقبلي مع إسرائيل، وهو ما طرحه ترامب خلال لقائه بالرئيس السوري، لكن الولايات المتحدة "أبدت تفهمها لعدم استعداد سوريا حاليًا للسير في هذا المسار، خاصة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراض سورية بعد 8 ديسمبر".

وكان ترامب قال إن الشرع "سيعترف بإسرائيل عندما يستتب الأمن في بلاده"، في حين أوضح البيت الأبيض أن الرئيس السوري جدد خلال اللقاء التزام بلاده باتفاقية فك الاشتباك الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1974.

ولفت علوش إلى أن الشرع "يبدي استعدادا للتجاوب مع أغلب المطالب الأمريكية، باستثناء مطلب التطبيع مع إسرائيل الذي لا يبدو مطروحا في المستقبل المنظور".

وفي حين قدمت دمشق ردا إيجابيا على خمسة من مطالب الولايات المتحدة، فإنها أبدت رغبة في النقاش بشأن ثلاثة أخرى تتعلق بمصير الفصائل الفلسطينية، والمقاتلين الأجانب، والسماح للقوات الأمريكية بتنفيذ ضربات داخل سوريا متى شعرت بوجود تهديد.

ويوضح الباحث أن "هذه المطالب ستبقى محل نقاش، إلا أن ما يحدث اليوم هو ولادة مرحلة جديدة كليا في العلاقات السورية الأمريكية، مختلفة تماما عما شهدته العقود الستة الماضية".

ويشير إلى أن "المطالب الأخرى ستكون عامل ضغط لا شك لكن هناك رغبة للرئيس أحمد الشرع للاستجابة لهذه المطالب، مع استثناء المطلب الإسرائيلي أو مسألة التطبيع مع إسرائيل".

وكان الحديث عن تطبيع مستقبلي بين دولة الاحتلال وسوريا تصاعد في الآونة الأخيرة وسط صمت سوري، خرج الشرع عليه في باريس معلنا عن مفاوضات غير مباشرة تجري مع "إسرائيل" لمنع تصعيد الأوضاع وخروجها عن السيطرة.