تتواصل جهود حراك المقاطعة العالمي من أجل عزل
الاحتلال الإسرائيلي عالميا وفضح جرائمه التي يعمل على تبييضها أو إخفائها من خلال الأنشطة الثقافية والرياضية، تحت مصطلح "الغسيل الرياضي"، وذلك تزامنا مع تواصل حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة.
وتسعى الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لـ"إسرائيل" المعروفة اختصارا باسم "PACBI"، وهي إحدى أذرع حركة المقاطعة "BDS"، إلى طرد
الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم من الاتحاد الدولي للعبة "
الفيفا"، وحظر تمثيل الاحتلال دوليا، مثلما حصل مع روسيا بعد حربها ضد أوكرانيا.
حراك جديد
ومن المقرر أن يجتمع اتحاد "الفيفا"، وهو الهيئة الحاكمة لكرة القدم العالمية، في أسونسيون باراغواي، ضمن مؤتمره السنوي في 15 أيار/ مايو الجاري، الذي يوافق أيضا ذكرى النكبة الفلسطينية عام 1948.
وقالت حملة "PACBI" إن "الفيفا" متواطئ في النكبة المستمرة ضد الفلسطينيين الذين يتعرضون في غزة للتجويع حتى الموت بسبب حظر "إسرائيل" لجميع المساعدات الإنسانية والوقود، بينما استشهد مئات من لاعبي
كرة القدم الفلسطينيين في الإبادة الجماعية، وتم تدمير الملاعب والمرافق الرياضية الفلسطينية بالكامل.
وأكدت أن "الاتحاد الدولي الفاسد ورئيسه المشبوه والمستبد جياني إنفانتينو يواصلان حماية إسرائيل، التي ترتكب الإبادة الجماعية، من المساءلة".
وفي هذا السياق، يدعم الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، المكون من 47 عضوًا، اقتراح الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي صدر قبل عام، لحظر "إسرائيل" بسبب إبادة غزة، وفرق المستوطنات غير الشرعية، وهجماتها على الرياضة الفلسطينية.
ودعا الاتحاد الآسيوي سابقا، الذي كان سببا في توجه "إسرائيل" للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، الاتحاد الدولي إلى إنهاء تواطئه في جرائم الاحتلال ومعاقبة "إسرائيل".
وصوّت اتحاد نقابات العمال النرويجي، الذي يضم مليون عضو، بنسبة 77 بالمئة لصالح مقاطعة "إسرائيل بالكامل"، بما في ذلك مقاطعة رياضية، بسبب المجازر المستمرة ضد غزة.
وأكدت حملة "PACBI" أن مشجعي كرة القدم يواصلون رفع لافتات "البطاقة الحمراء لإسرائيل" في عشرات الملاعب حول العالم، من دوريات الدرجة الأولى إلى ملاعب كرة القدم الشعبية.
حراك سابق
منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة ضد قطاع غزة لنحو 20 شهرا وخلفت أكثر من 171 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، أجّل "الفيفا" التصويت على قرار حظر الاتحاد الإسرائيلي من المشاركة في كرة القدم الدولية ثلاث مرات، ثم رفض اتخاذه أخيرا.
وتقدم الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بطلب لاستبعاد "إسرائيل" في أيار/ مايو 2024، بسبب الحرب في غزة، بينما أمر الفيفا بتقييم قانوني للموقف، ووعد بالنظر في الأمر في اجتماع غير عادي لمجلسه في تموز/ يوليو الذي تلاه.
وفي تموز/ يوليو 2024، أرجأ "الفيفا" النظر في الطلب الفلسطيني إلى ما بعد دورة ألعاب باريس الصيفية، قائلا؛ إن الطرفين طلبا مزيدا من الوقت لتقديم دفوعهما.
وفي نهاية آب/ أغسطس من العام الماضي أيضا أعلن "الفيفا" أنه سينظر في مقترحات الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ضد الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم في تشرين الأول/ أكتوبر، وفق ما ذكرت صحيفة ديكيان هيرالد.
وعقب ذلك أعلن "الفيفا"؛ أنه سيطلب من لجنة الانضباط التابعة له، النظر في دعوى للاتحاد الفلسطيني للعبة، بشأن ممارسات الاحتلال التمييزية تجاه اللاعبين الفلسطينيين التي على صلة بالعدوان على غزة.
ومع بداية تقديم الطلب الفلسطيني، الذي دعمه رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، الشيخ سلمان آل خليفة، رفض رئيس الاتحاد الدولي جياني إنفانتينو، تعليق عضوية الاحتلال، ولم يتجاوب بتنظيم تصويت على هذا التعليق، خلال مؤتمر "الفيفا" الذي عقد في بانكوك بالتايلاند خلال أيار/ مايو 2024.
ماذا حدث من روسيا؟
يذكر أن الغزو الروسي لأوكرانيا بدأ في 24 شباط/ فبراير 2022، في تصعيد كبير للحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في عام 2014، وبعد ذلك بأربعة أيام فقط، بدأت عقوبات "الفيفا" والاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" ضد روسيا.
وتضمنت العقوبات استبعاد "الفيفا" لروسيا من كأس العالم، مع إعلان إيقاف كل المنتخبات الروسية الوطنية وأنديتها "حتى إشعار آخر"، وذلك في بيان مشترك مع "الويفا".
وبناء على هذا القرار، لم يتمكن منتخب روسيا من خوض الملحق المؤهل إلى مونديال قطر 2022 ضد بولندا، كما لم يتمكن منتخب السيدات أيضا من المشاركة في كأس أوروبا الذي أقيم في إنجلترا في تموز/ يوليو من العام نفسه.
إلى جانب ذلك، تم إقصاء نادي سبارتاك موسكو، الممثل الوحيد لروسيا في المسابقات الأوروبية، وتحديدا من الدوري الأوروبي "يوروبا ليغ".
وتضمن البيان المشترك أن "كرة القدم هنا متضامنة ومساندة كليا لجميع الأشخاص المصابين في أوكرانيا. يأمل الرئيسان (للفيفا وللويفا) في أن يتحسن الوضع في أوكرانيا بطريقة جدية وسريعة، من أجل أن تكون كرة القدم مجددا عامل وحدة وسلام بين الشعوب".
وفي ذات اليوم، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية في بيان، أنه "من أجل حماية نزاهة المسابقات الرياضية العالمية، ومن أجل سلامة جميع المشاركين، توصي اللجنة الأولمبية الدولية الاتحادات الرياضية الدولية ومنظمي الأحداث الرياضية، بعدم دعوة أو السماح بمشاركة الرياضيين والمسؤولين الروس والبيلاروس في المسابقات الدولية".
وبخصوص وسام الاستحقاق الأولمبي الممنوح لبوتين، قالت اللجنة الأولمبية الدولية في بيان؛ "إن المجلس التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية، بناء على الظروف الاستثنائية للوضع، وبالنظر إلى الانتهاك الخطير للغاية للهدنة الأولمبية والانتهاكات الأخرى للميثاق الأولمبي من قبل الحكومة الروسية في الماضي، اتخذ قرارا بسحب وسام الاستحقاق الأولمبي من جميع الأشخاص، الذين يشغلون حاليا وظيفة مهمة في حكومة الاتحاد الروسي".
ونتيجة هذه القرارات المستمرة حتى الآن، منعت روسيا من المشاركة في مختلف البطولات، وأبرزها بطولة أمم أوروبا التي أقيمت في ألمانيا 2024، وأصبحت البلاد في عزلة كروية ورياضية تامة.
وجاءت كل هذه العقوبات لتُضاف إلى التدابير الحالية المفروضة على روسيا منذ عام 2014، بعد ضم شبه جزيرة القرم، وعدم تنفيذ اتفاقيات مينسك.
إنجازات المقاطعة
في شباط/ فبراير 2025، نجحت دعوات وحراك المقاطعة في إجبار شركة الملابس الرياضية الإيطالية "إِريا - Erreà" على إنهاء عقدها مع اتحاد كرة القدم الإسرائيلي، وذلك بعد أقل من شهرين من تعاقدها مع الكيان الذي ضم فرقا من المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية بموجب القانون الدولي.
أصبحت شركة "إِريا" ثالث شركة توقف رعايتها للاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم، بعد شركتي "بوما - Puma" و"أديداس - adidas" الألمانيتين اللتين تعرضتا لحملات مقاطعة واسعة طوال سنوات لدفعهما إلى هذا القرار.
وقالت حركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها "BDS" إن شركة "إِريا" أصبحت أحدث علامة تجارية رياضية تدرك مدى الضرر الذي يلحق بسمعتها وعلامتها التجارية لدى ارتباطها بـ"إسرائيل" واتحاد كرة القدم الإسرائيلي، مضيفة أنه "هذه المرّة في وقتٍ قياسي منهيةً عقداً لم يبدأ أبدا".
وكان من المقرّر أن تحلّ الشركة الإيطالية مكان الشركة الألمانية "بوما" في الأول من كانون الثاني/ يناير من العام الجاري، بعدما سُرّب في كانون الأول/ ديسمبر 2023 أن شركة "بوما" الألمانية لن تُجدّد عقدها مع اتحاد كرة القدم الإسرائيلي، في أعقاب حملة مقاطعة عالمية استمرّت خمس سنوات.
ولا تعد المساندة الحالية من قبل الاتحاد الآسيوي لكرة القدم لنظيره الفلسطيني في السعي لتعليق عضوية "إسرائيل" في "الفيفا"، الأولى من نوعها، بل إن لها جذورا تاريخية متعلقة بجهود كويتية لطرد الاحتلال من عضوية اتحاد آسيا.
وبعد صدور وعد بلفور عام 1917، بمنح وطن قومي لليهود في فلسطين، وحلول النكبة عام 1948، قام الاحتلال بتغيير اسم اتحاد كرة القدم من الفلسطيني إلى الإسرائيلي، ثم انضم إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم عام 1954، بمساعدة إيرانية من نظام شاه الذي سبق الثورة الإسلامية في البلاد.
وتعدّ "إسرائيل" من مؤسسي الاتحاد الآسيوي حينها، وشاركت في كأس آسيا 3 مرات متتالية وصلت فيها إلى النهائي عامي 1956 و1960، وفازت بالبطولة التي نظمتها سنة 1964، دون مشاركات من الدول العربية التي كانت تسعى حينها إلى نيل استقلالها من دول الاحتلال والاستعمار.
ومع بداية دخول العرب إلى كرة القدم عن طريق الاتحادات الدولية الرسمية، كانت مواجهة بين نادي هومنتن اللبناني ونادي هابويل تل أبيب "الإسرائيلي" خلال بطولة الأندية الآسيوية، ما دفع النادي اللبناني إلى الانسحاب رفضا للتطبيع.
وتتكرر الموقف عندما كان من المفترض أن يلعب نادي مكابي تل أبيب مع فريق الشرطة العراقي، الذي رفض أيضا التطبيع الرياضي وضحى باللقب.
وبسبب ذلك جاءت فكرة طرد "إسرائيل" من الاتحاد الآسيوي، بمبادرة رئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم حينها، أحمد السعدون، الذي بدأ نهاية الستينات حملة لدعوة كافة الدول العربية الآسيوية للانضمام إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم من أجل تشكيل موقف موحد ضد "إسرائيل"، بحسب ما جاء في صحيفة "سيدني مورنينج هيرالد".
ومع انضمام البحرين والعراق والأردن وسوريا وقطر والإمارات إلى الاتحاد، جاء الطلب الرسمي من الاتحاد الكويتي إلى الاتحاد الآسيوي من أجل طرد الاتحاد الإسرائيلي خلال الألعاب الآسيوية عام 1974، ليتم تجميد عضوية "إسرائيل" حتى إشعار آخر.
وفي عام 1976، خلال مؤتمر عقد في كولالمبور، صدر القرار الرسمي بطرد "إسرائيل" من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم حيث صوت عليه بالإيجاب 17 دولة، مقابل 13 دولة صوتت من أجل بقاء "إسرائيل"، في حين امتنعت 6 دول عن الإدلاء بصوتها، وهو ما كشفه السعدون في لقاء مصور أجري عام 2012.
وقال السعدون في اللقاء: "قمنا باتصالات وبعثنا برسائل لكل الاتحادات العربية في آسيا واتحادات كرة القدم في آسيا، وطلبنا منهم الانضمام وشرحنا لهم الأسباب".
ونتيجة ذلك بقي الاتحاد الإسرائيلي دون أنشطة رياضية رسمية منذ خروجه من الاتحاد الآسيوي حتى تم قبول عضويته في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم عام 1992، رغم أنه ليس عضوا في الاتحاد ولا ينتمي إلى القارة الأوروبية.