سياسة دولية

100 يوم من الحكم.. هل بدأ ترامب يفقد السيطرة على قراراته؟

المحاكم العليا بدأت تصدر أحكاما ضد الرئيس- جيتي
اتسمت أول 100 يوم من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإثارة الجدل حيث إنه تبنى استراتيجيات جعلت من الصعب متابعة قراراته وتنفيذها. ورغم محاولاته إعادة تشكيل أمريكا، إلا أن هذه السياسات أسفرت عن أزمات تهدد الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.

وقالت صحيفة "فايننشال تايمز" في افتتاحيتها، إن أول 100 يوم من إدارة دونالد ترامب اتسمت بالفوضى، وأضافت أن مستشار الرئيس في ولايته الأولى، ستيفن بانون، صمم استراتيجية تقوم على "إغراق المجال" وهي استراتيجية تولد غبشا من الأخبار لا يمكن للإعلام متابعته، وقد عزز ترامب هذه الاستراتيجية في ولايته الثانية لتصبح علامة على حكمه.

وقد فاق فيضان الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب في أول 100 يوم وبفارق بسيط تلك التي أصدرها الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت في ولايته الأولى، لكن الأخير ورث أزمة اقتصادية حادة، وكان عليه التعامل مع تداعيات الكساد العظيم الذي أصاب أمريكا والعالم. ولهذا كان عليه أن يبدأ حملة إصلاحات لتغيير أمريكا وللأحسن.

وبالمقابل، ورث ترامب أقوى اقتصاد في العالم والذي لم يمر على أمريكا منذ وقت طويل، ففي محاولته إعادة تشكيل أمريكا على صورته، خلق أزمات تهدد الجمهورية الأمريكية ومكانتها في العالم وعلى المدى البعيد.

وأضافت الصحيفة أن ترامب تبنى استراتيجية "إغراق المجال" إلى درجة أن أصبح من الصعب على المحاكم والمعارضة وحتى أنصاره متابعة ما يصدر عنه وعن إدارته من قرارات تنفيذية. ومع أن أوامر قضائية علقت بعض هذه القرارات، إلا أن بعضها حدث بسرعة لدرجة أنه من الصعب التراجع عنها، ولقد تم تفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وطرد آلاف الموظفين الفيدراليين وأصبحت ملايين الدولارات لدعم الأبحاث العلمية في خطر.

ويرى الكثيرون من أعضاء حركة ماغا (لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) في هذا التعطيل دليلا على أن رئيسهم يحدث بقراراته تغيرا حقيقيا. وفي الواقع، ورغم أنه لا يقدم أي رؤى ثاقبة، إلا أن ترامب يتمتع بموهبة التعبير عن المخاوف التي تهم شريحةً كبيرة من الأمريكيين مثل: عكس مسار تفريغ المجتمعات والحد من التضخم البيروقراطي ومحاربة حركة "اليقظة" المفرطة.

وتنطوي مواقفه أحيانا على أكثر من جوهر الحقيقة: فقد دفعت أوروبا لفترة طويلة جدا أقل مما ينبغي للدفاع عن نفسها.

وأشارت الصحيفة إلى أن فريق ترامب متحد في حماسته الثورية للتغيير إلا أنه يفتقر إلى خطة واحدة متماسكة، ويتألف أحيانا من معسكرات متناحرة، وفي النهاية يغلب القائد غرائزه بدلا من الاستماع إلى النصائح.. والنتيجة هي أن الاستجابات السياسية غالبا ما تكون مفرطة أو مشوهة أو متسرعة أو سيئة لدرجة أنها تؤدي إلى نتائج عكسية أو فاشلة.

وأضافت أنه لا يتحقق إعادة ضبط التجارة مع الصين من خلال حرب جمركية متعددة الأطراف تهدد بصدمات شديدة للنمو العالمي، كما أن الشركات لن تستثمر في خلق فرص عمل في أمريكا دون استقرار وقابلية للتنبؤ، كما أن تأمين السلام الدائم في أوكرانيا لا يمكن أن يتم من خلال تحقيق ما يريده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأشارت الصحيفة إلى ظهور بعض الكوابح على تصرفات الرئيس، خاصة عندما ردت الأسواق والأسهم على قراراته، فمع انخفاض أسعار الأسهم، وعلى غير العادة، سندات الخزانة الأمريكية بشكل متزامن، أوقف ترامب لمدة 90 يوما فرض رسوم جمركية "متبادلة" على دول أخرى غير الصين. وقد دفعه المزيد من اضطراب الأسواق الأسبوع الماضي إلى كبح هجماته على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، والإشارة إلى احتمال تخفيف موقفه التجاري تجاه الصين.

وتابعت الصحيفة بأن العامل الآخر هو المحاكم، وبعض المؤسسات الرئيسية للديمقراطية الأمريكية، فقد بدأت جامعة هارفارد ومؤسسات أخرى بالتضافر لمواجهة محاولة البيت الأبيض الكارثية للسيطرة على التعليم العالي.

وبدأت المحاكم العليا تصدر أحكاما ضد الرئيس، حيث قضت المحكمة العليا الأمريكية بالإجماع بأن على الإدارة تسهيل إطلاق سراح كيلمار أبريغو غارسيا، الذي رحل ظلما إلى سجن في السلفادور. ويقول البيت الأبيض إنه لا يستطيع استعادته، لكن المحاولات المتكررة لتحدي المحاكم قد تثير ردود فعل شعبية أوسع.

واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إن الكابح الأخير على تصرفات ترامب، هو الناخب الأمريكي وأنصار الرئيس، فقد كشفت الاستطلاعات أن شعبية ترامب في تراجع مستمر وسط قلق الناخبين على أوضاعهم المعيشية وخططهم التقاعدية واستمرار مظاهر انعدام القانون كما في قضية أبريغو غارسيا.

وأكدت تراجع شعبية الحزبين الرئيسين في الكونغرس بشكل يدعو إلى الشفقة، ويشير أحدث استطلاعات الرأي إلى مكاسب للديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026. ويكمن الخطر في أنه إذا لاحظ ترامب تراجع شعبيته، فقد يحاول مضاعفة جهوده واتباع مسار أكثر استبدادية. ومع تجاوز ترامب الثاني المئة يوم، فقد تكون المعركة الحقيقية من أجل الديمقراطية الأمريكية قد بدأت للتو.