من المفارقات التي أفرزها ما يطلق عليه إعلاميا في الموسم
الرمضاني الحالي،
والتي تكشف بجلاء أن رصد الميزانيات الفلكية والأرقام الضخمة لا يضمن بالضرورة
النجاح ولا التأثير الإيجابي في نفوس المشاهدين؛ فما زال متاحا فرز الغث من السمين
رغم تسلل الحملات المضللة للمجال وهرولة الجميع نحو "
الترند".
وعلى ذكر هذا "الترند" الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، دعونا نهمس أولا
في أذن المخبولين به ونتائجه، وعلى رأس القائمة طبعا الفنانون العرب الذين اتفقوا جميعا
على أنهم "الترند رقم 1" في الشهر الفضيل؛ ومن هنا نتساءل: ألن يتواضع أحدهم ويقبل بالمركز الثاني تجنبا للزحام فقط؟
نعود للمفارقة الرمضانية الجميلة التي يبدو أنها استفزت الجحافل والجحور الإعلامية
المتربصة بكل ما هو إيجابي ويغرد خارج سرب التفاهة وينفض عنه غبار الرداءة
والسخافة. وهنا نقصد الرجة العميقة التي أحدثها برنامج "
قطايف"؛ البسيط إنتاجيا
والمكتنز بالدروس في محتواه الهادف والذي يقدمه الفنان
المصري سامح حسين على قناته
في يوتيوب.
لماذا استفزهم نجاح سامح حسين وحولهم لجيوش مسعورة تنهش في لحمه وتسخر من سجله الفني الذي نراه محترما لشاب مجتهد صاحب مواقف مشرفة دائما؟ ومن يقف خلف الحملات الشعواء التي تلاحقه للنيل من نجاحه؟
فكرة جميلة تزرع البسمة وتنثر العبر والدروس وزادها الرئيس من القرآن
الكريم، بصوت هادئ وأسلوب سلس، فنسفت كل ما أنتجته استوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي
عن بكرة أبيها، وأسقطت بالضربة القاضية كل مشاريع "الشركة المتحدة" وسعيها
لمحو وإعادة تصدير محمد رمضان في قالب "إنساني" لا ينطلي على الصغير قبل
الكبير؛ كما وأجهضت
برامج شبكة إم بي سي المجهزة بأرقام خيالية بقيادة فتاها
المدلل "رامز جلال" وتفاهاته المتواصلة لأكثر من عقد من الزمن.
السؤال المطروح هنا: لماذا استفزهم نجاح سامح حسين وحولهم لجيوش مسعورة
تنهش في لحمه وتسخر من سجله الفني الذي نراه محترما لشاب مجتهد صاحب مواقف مشرفة
دائما؟ ومن يقف خلف الحملات الشعواء التي تلاحقه للنيل من نجاحه؟ مع العلم أن
النهج الذي سار عليه البعض في السخرية من غيابه عن الدراما الرمضانية وتوجهه
"لاستعطاف" الناس عبر تقديم محتوى وصف بـ"الديني"؛ هذا
التفصيل يدين المنظومة التي تحكم الوسط الفني المصري اليوم برمته؛ لأنها تقصي الأسماء
الموهوبة التي لها فكر حر ومستقل وترفض الانصياع للمناخ السائد المشجع على
الانحلال والانحراف و"البلطجة" وطرح مواضيع لا تمت بصلة للواقع المعاش
للمواطن المصري.
المثير للحنق أن سامح حسين "هجر" منابرهم وقنواتهم التي لا تعد
ولا تحصى واكتفى بعمل متواضع إنتاجيا عبر قناته الخاصة فقط، وأنصفه إخلاصه ونجح في
التأثير والوصول لشرائح واسعة من المجتمع المحلي وحتى العربي ممن أشادوا بمضمون
عمله الرائع. ولكن رغم كل هذا لم يسلم من الأحقاد ورفض هؤلاء تقبل النجاح الكاسح
الذي حققه؛ لذلك كان من المنطقي استحضار الشماعة المعتادة بالسعي للتضييق على عمله
والتركيز على نهله من الآيات القرآنية الكريمة وطرح قصص اجتماعية إيجابية مع توجيه
رسائل هادفة وبالأخص لفئة الشباب، فما علاقة "قطايف" بالبرامج الدينية
وشيوخ الفضائيات الذين تحول بعضهم خلال الفترة الحالية لتقديم برامج فنية منافسين
بسمة وهبي وأسماء إبراهيم وغيرهما في المجال؟ ولماذا أضحى "ممنوعا" على أي
فنان أن يتحلى بالأخلاق الحميدة وينشر الرسائل الإيجابية؟ وكلنا نتذكر الحملات
الشرسة التي شُنت على الفنان يوسف الشريف حين صرح بأنه يرفض أداء مشاهد فيها لمس
واحتكاك بالممثلات، وما زال ولحدود اللحظة رغم غيابه عن الدراما التلفزيونية
لسنوات محط انتقاد واستهداف لا ينتهي!
المؤكد أن هناك من يمول ويعمل جاهدا للتصدي لكل المحاولات الجادة لتقديم
محتوى "نظيف" وهادف يخدم المجتمع حتى ولو تخلى عن قنواتهم ومنصاتهم
واتجه للعمل الفردي؛ لأن أصوات النجاح والتأثير تخيف هؤلاء، لكن ما يبعث على
الاطمئنان نوعا ما أن هناك شرائح واسعة من الجمهور ما زالت قادرة على التمييز
والفرز، ومن هذا المنطلق نجح برنامج سامح حسين في "نكش عش الدبابير "..
لكن في النهاية لن يصح إلا الصحيح..