نشرت
صحيفة "
ال كونفيدينسيال" تقريرًا حول تراجع حماس الأسواق عقب وصول دونالد
ترامب إلى الرئاسة؛ حيث اتجه مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" للإغلاق، الاثنين،
دون مستوى الـ5,712 نقطة الذي كان عليه قبل إعلان فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية الماضية. وتراجع مؤشر "ناسداك 500" بنسبة 12 بالمئة.
ويعني ذلك أن أكثر من أربع تريليونات دولار من رأس المال الذي جمعته "
وول ستريت"
في أقل من شهر قد تلاشت الآن نتيجة للارتباك السائد بين المستثمرين بشأن تحركات الرئيس
الأمريكي. وفي أقل من ثلاثة أسابيع، تراجع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة
تزيد على الـ9 بالمئة، فيما شهد مؤشر "ناسداك 100" تراجعًا بنسبة 12 بالمئة.
وقالت
الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن التراجع الكبير في البورصة
الأمريكية يتناقض بشكل لافت مع الأداء الجيد للأسواق الأوروبية. ورغم المخاوف الأولية
من فوز ترامب، فقد استطاعت الأسواق الأوروبية إعادة ترتيب مسارها؛ فبعد ما يقارب من الأربعة
أشهر على الانتخابات، سجل مؤشر "يورو ستوكس 50" مكاسب بنسبة 11.15 بالمئة،
بينما حقق مؤشر "إيبكس 35" نفس النسبة، في حين سجل مؤشر "داكس"
الألماني، الأكثر ارتفاعًا في هذه الفترة، زيادة بنسبة 17.47 بالمئة.
بينت
الصحيفة أن الفروق في الاتجاهات بين "وول ستريت" وأوروبا ترجع إلى عدة عوامل. فمن جهة، تعاني "وول ستريت" من ضعف في القطاع التكنولوجي، المحرك الرئيسي
لتقدمها، بعد ظهور شركة "ديب سيك"، ما دفع المستثمرين إلى إعادة تقييم افتراضاتهم
بشأن الذكاء الاصطناعي. في المقابل، استفادت أوروبا من بيئة سوق مواتية للقطاع المصرفي،
بفضل التوقعات بعدم انخفاض أسعار الفائدة كما كان يُفترض. كما أن الصناعة المالية تؤثر
بشكل أكبر على مؤشرات الأسواق في أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة.
وأشارت
الصحيفة إلى أن البورصة الأمريكية وصلت إلى مستويات تقييم مرتفعة، ما دفع المستثمرين إلى البحث عن خيارات أرخص في أسواق أخرى مثل البورصة الأوروبية ومؤشر "هانغ سنغ"
في هونغ كونغ. كما أن التوقعات باتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا قد يكون مفيدًا للاقتصاد
الأوروبي، من خلال عودة تدفقات الطاقة وبدء خطط إعادة الإعمار في أوكرانيا.
تغيير
وجه "الترامبية"
قالت
الصحيفة إنه من المهم الإشارة إلى أن العديد من العوامل التي تؤثر على الأسواق كانت
موجودة بالفعل في نهاية العام الماضي، باستثناء تأثير شركة "ديب سيك"، الذي
لا يزال غير واضح. في تلك الفترة، كان من الواضح بين الخبراء أن "وول ستريت"
كانت "محكومة" بمواصلة قيادة الأسواق العالمية، دون وجود بديل لهيمنتها.
ومع
ذلك، فإنه في تطور غير متوقع للأسواق على جانبي الأطلسي في الأشهر الأخيرة، أصبح من المستحيل
تجاهل رد فعل المستثمرين تجاه السياسات التي تبنتها إدارة ترامب؛ حيث بدا أن المستثمرين
يستنتجون بشكل متزايد أن الولايات المتحدة لا تمتلك الأفضلية الواضحة.
وأوضحت
الصحيفة أن عدوانية الرئيس الأمريكي التجارية وميوله لاستخدام التعريفات الجمركية لم
تكن مفاجئة تمامًا للسوق، ولكن كانت هناك رؤية "لطيفة" سائدة تربط خطابه
الحماسي ببرنامج أكثر تطورًا لإعادة تعريف العلاقات التجارية. إلا أن هذا المفهوم تعرض
لضغوط كبيرة في الأسابيع الأخيرة بسبب حجم تهديداته الجمركية وتناقض قراراته، التي
تجلت في استثناءات وتأخيرات على التدابير المعلنة.
وأشارت
الصحيفة إلى أنه رغم أن سياسات ترامب تبقي على فكرة أن الحرب التجارية لا تزال جزءًا
من المفاوضات، فإن حالة عدم اليقين بشأن تطبيق هذه السياسات بدأت تؤثر سلبًا على البيئة
الاقتصادية الأمريكية، ما يعزز من خطر الركود الذي لم يكن متوقعًا حتى في السيناريوهات
الأكثر تشاؤمًا. ومع استمرار هذا الغموض، فقد أصبح المستهلكون والشركات أكثر حذرًا بشأن
المستقبل، ما أدى إلى تقليص الإنفاق والاستثمارات، وسط حالة من "الارتباك والدهشة
والخوف".
وأضافت
الصحيفة أن أوروبا استفادت من التهديدات التي يمثلها ترامب، سواء من خلال تأثير التعريفات
الجمركية المباشرة أو الرسوم المفروضة على مناطق أخرى مثل الصين، ما دفعها إلى تبني
مسار مالي جديد بقيادة ألمانيا، ما أثار بعض التفاؤل بشأن انتعاش المنطقة.
واستعرضت
الصحيفة العديد من التساؤلات حول نجاح المخطط الألماني، وسرعته في التنفيذ، وتأثيره
على الاقتصاد، وقدرة الدول الأوروبية الأخرى على اتباعه. ورغم ذلك، فيبدو أن المستثمرين
يقدرون تحرك المنطقة في الاتجاه الصحيح، بينما تواجه الولايات المتحدة تحديات معقدة
في إعادة تشكيل علاقاتها الاقتصادية والجيوسياسية، ما يثير شكوكًا أكثر من الآمال.
وقالت
الصحيفة إن "الاستثنائية الأمريكية"، التي كانت الموضوع الرئيس منذ انتخاب
ترامب في تشرين الثاني/ نوفمبر، قد تعرضت لانتكاسة واضحة، مما يعزز من فرضية تراجع
القوة الناعمة الأمريكية. ووفقًا لخبراء "ناتيكسيس"، فإن ترامب ليس المسؤول
الوحيد عن هذا التدهور، بل يبدو أن وعد النهوض الذي كان قد وعد به قد بدأ يتلاشى.
هل السوق
حساسة للتوترات المالية؟
وذكرت
الصحيفة أنه يمكن القول إن الأسواق نادرًا ما تُظهر هذا العمق في تفكيرها حول القضايا
الاقتصادية غير الواضحة، لكن كما يُحذر، فقد بدأت بالفعل باستخدام حجج قصيرة الأجل للتعبير
عن استيائها من سياسات ترامب. وتشير المراجعات إلى تقليص توقعات أرباح شركات "ستاندرد
آند بورز 500" للربع الأول من 2025 إلى مستويات أعلى من المتوسط التاريخي، بسبب
حالة عدم اليقين التجاري.
وأضافت
الصحيفة أن ترامب غالبًا ما يُشار إليه كونه حساسًا لتطورات الأسواق، ما قد يدفعه
لإلغاء أي تحركات تضر بالأسواق المالية. ويرى البعض أن رد فعل المستثمرين قد يكون محاولة
مبالغا فيها لدفعه لتصحيح المسار. هذه المحاولة قد تحتاج إلى وقت أطول، كما يحذر جيريمي
شوارتز من "نومورا" قائلاً: "تاريخ فترة ولاية ترامب الأولى يشير إلى
تسامح نسبي مع ضعف سوق الأسهم".
واختتمت
الصحيفة التقرير بالقول إنه في غياب رد فعل مناسب، فقد يستمر المستثمرون في البحث عن
فرص في أسواق أخرى، مثل السوق الأوروبية. والخوف هو أنه إذا انتهت الولايات المتحدة
إلى الدخول في إعادة تشكيل جذرية للسيناريو الاقتصادي العالمي، فقد لا يكون هناك سوق
خالية من الاضطرابات، كما أنه من المؤكد أن حماس الأسواق مع وصول دونالد ترامب أصبح
شيئًا من الماضي.