ملفات وتقارير

أزمة بين بيساو و"إيكواس".. هل تساهم في اتساع دائرة النفوذ الروسي بأفريقيا؟

تأسست المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) عام 1975 بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية بين أعضائها- الأناضول
تصاعدت خلال الأيام الأخيرة حدة الأزمة بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" والحكومة في غينيا بيساو، وسط مخاوف من توسع دائرة الغاضبين من هذا التجمع الإقليمي الأكثر حيوية في القارة الأفريقية.

فخلال الأسابيع الأخيرة اندلعت أزمة سياسية في غينا بيساو بعدما أعلن الرئيس إمبالو تأجيل الانتخابات التي كانت ستنظم في شباط/ فبراير الماضي، إلى تشرين الثاني/ نوفمبر القادم أي بنحو 10 أشهر.

وعقب قرار الرئيس إمبالو، تأجيل الانتخابات سارعت المعارضة لرفض القرار ولوحت بالنزول للشارع من أجل فرض تنظيم الانتخابات في موعدها.

هذا التصعيد السياسي دفع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" إلى التدخل في محاولة منها لجمع الأطراف على طاولة حوار لمنع تفاقم الأزمة، لكن المفاجأة أن الأزمة تحولت من أزمة سياسية بين المعارضة والرئيس إمبالو، إلى أزمة بين هذا الأخير و"إيكواس".

تهديد ومغادرة
فقد أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" قبل يومين، تعرض بعثتها إلى غينيا بيساو، لتهديد من رئيس البلاد عمرو سيسوكو إمبالو بالطرد، وذلك قبل مغادرتها أراضي غينيا بيساو.

وأوضحت المجموعة الغرب أفريقية في بيان أن بعثتها "أعدت مسودة اتفاق بشأن خارطة طريق لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في غينيا بيساو، وشرعت في تقديمها للمعنيين من أجل الحصول على موافقتهم"، قبل أن تتلقى التهديد من الرئيس إمبالو.

وأشارت إلى أنها أوفدت بعثة إلى بيساو بالتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة هناك، وذلك للبحث عن إيجاد حل توافقي بين النظام والمعارضة، بعد تصاعد الخلافات بينهما بشأن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، لكنها تلقت تهديدا مباشرا من الرئيس عمرو سيسوكو إمبالو بالطرد.

وتأسست المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) عام 1975 بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية بين أعضائها.

وتضم المنظمة 15 دولة أفريقية هي: غامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون وبنين وبوركينا فاسو وغانا وساحل العاج والنيجر ونيجيريا وتوغو والرأس الأخضر.

ويبلغ مجموع سكان دول المجموعة 350 مليون نسمة، فيما تبلغ مساحتها الإجمالية 5 ملايين كيلومتر مربع، أي 17% من إجمالي مساحة قارة أفريقيا.

"لسنا جمهورية موز"
وفي أول تعليق له على تطورات الأزمة مع "إيكواس" قال الرئيس البيساو غيني عمرو سيسوكو إمبالو إن بلاده ليست "جمهورية موز"، وإن هناك "رئيسا، وقانونا، وهناك دستور، ومحكمة عليا"، مضيفا أن هذا لا ينبغي العبث به، متهما "إيكواس" بالسعي لخرق دستور بلاده.

وأضاف إمبالو في تصريح أدلى به لدى عودته إلى البلاد قادما من زيارة لفرنسا وروسيا، أنه شخصيا هو من أصدر الأوامر لطرد بعثة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" متهما إياها بعدم احترام "خارطة الطريق" القائمة، حسبما تقول المعارضة في غينيا بيساو.

وكان الرئيس إمبالو قد وعد بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية فبراير الماضي، لكنه عاد وأعلن تأجيلها بسبب ما قال إنها صعوبات لوجستية ومالية، فيما أثار هذا التأجيل غضب المعارضة، التي وصفت قرار التأجيل بالمخالف للدستور.

وخلال ولايته الحالية، حل الرئيس إمبالو، البرلمان مرتين، الأولى في 2021، والأخرى في ديسمبر 2023، إثر اشتباكات مسلحة وقعت في العاصمة، أُعلن رسميا أنها كانت محاولة انقلابية للإطاحة بإمبالو ونظامه.

هل تلتحق بيساو بركب المنسحبين من "إيكواس"
وأبدى متابعون للشأن الأفريقي، قلقهم من أن تكون الأزمة الحالية بين "إيكواس" وغينيا بيساو، بداية لمسار انسحاب بيساو من المجموعة على غرار ما حصل مع ثلاثة من دول الساحل هي مالي والنيجر وبوركينافاسو.

فقد أعلنت هذه الدول الثلاث نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي رسميا مغادرة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بعد أكثر من عام من التوترات الدبلوماسية الشديدة.

فقبل نحو عام اتهمت الدول الثلاث إيكواس بفرض عقوبات "غير إنسانية وغير قانونية وغير شرعية" عليها بعد الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وبأنها لم تساعدها بما يكفي لمكافحة الجماعات المسلحة، وبالتبعية لفرنسا.

لكن "إيكواس" أعلنت إبقاء أبوابها مفتوحة للحوار مع كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

يقول الصحفي السنغالي المختص في الشؤون الأفريقية، محمد جوب، إن هناك مخاوف حقيقية من أن تتصرف غينيا بيساو، تماما كما تصرفت دول الساحل الثلاث، وتقرر الانسحاب من "إيكواس".

ولفت جوب في تصريح لـ"عربي21" إلى أن الزيارة الأخيرة التي أداها الرئيس البيساو غيني عمرو سيسوكو إمبالو، إلى روسيا تزيد من المخاوف من أن تنسيقا قد بدأ بين موسكو وبيساو، ما قد يمهد الطريق للالتحاق بركب المنحازين للمعسكر الروسي، وفي المحصلة يعني بداية مسار القطيعة مع "إيكواس" واتساع دائرة النفوذ الروسي بالمنطقة.

وأضاف: "حتى الآن علاقات غينيا بيساو وروسيا، علاقات خجولة، حيث أنه لا توجد ثروات معدنية تغري روسيا بإنفاق أموال وتسليح هذا البلد، لكن رغبة موسكو في بسط نفوذها في القارة الأفريقية، قد تدفعها لدعم غينيا بيساو عسكريا واقتصاديا".

ولفت إلى أن مغادرة بعثة مجموعة "إيكواس" تزامنت مع عودة الرئيس إمبالو من زيارة لروسيا، التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين.

وفي الوقت الذي أشاد فيه إمبالو بالعلاقات الجيدة التي تربط بلاده مع موسكو، قال الرئيس فلاديمير بوتين إن الشركات الروسية تظهر اهتماما متزايدا بالعمل في سوق غينيا بيساو.

"شريك الأمس خصم اليوم"
وحتى قبل أسابيع قليلة كانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، الشريك الأساسي للرئيس إمبالو، فهي أول من اعترف بنتائج الانتخابات التي نجح فيها سنة 2020، حيث كان خصومه يرفضون فوزه والقبول به رئيسا منتخبا.

كما أحبطت "إيكواس" العديد من المحاولات الانقلابية في غينيا بيساو، وكان آخرها عام 2022 حيث قامت بنشر قوة لبسط الاستقرار بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة على نظام الرئيس إمبالو.


معلومات عن غينيا بيساو
تقع في غرب أفريقيا وهي مستعمرة برتغالية سابقة، تحدها شمالا السنغال، وشرقا وجنوبا غينيا، ويبلغ عدد سكانها 1.8 مليون نسمة.

تعد العاصمة بيساو، هي أكبر مدن الدولة ومركزها الاقتصادي والسياسي الرئيسي، وفيها أكبر ميناء بحري في البلاد.

ومنذ استقلالها عن البرتغال عام 1974، شهدت جمهورية غينيا بيساو 4 انقلابات ناجحة وأكثر من 10 محاولات انقلاب فاشلة.

تنقسم غينيا بيساو إلى 8 أقاليم، وتنقسم هذه الأقاليم إلى 37 قطاعا.

عانت غينيا بيساو، طيلة سنوات من عدم الاستقرار السياسي، وهي تصنف ضمن أفقر الدول الأفريقية، وتعيش حوالي 75 إلى 80 في المائة من القوة العاملة بها في المناطق الريفية.