شدد باحث في "معهد واشنطن" للدراسات، على أن
الفيدرالية قد تكون المسار الأنسب لإعادة إعمار
سوريا، موضحا أن تجنب تكرار أخطاء النظام السابق يتطلب تطبيق اللامركزية في السلطة السياسية، رغم التحديات الجوهرية المتعلقة بعدالة توزيع الموارد.
وقال الباحث فابريس بالونش، في تقرير نشره موقع "
معهد واشنطن"، إن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد
الشرع يواجه تحديات كبيرة في توحيد البلاد، إذ "أصبحت سوريا ممزقة بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عامًا، حيث تفككت الدولة التي كانت موحدة ذات يوم إلى ولاءات قبلية وطائفية باتت المصدر الرئيسي للشرعية المحلية".
وأضاف أن "الشرع، الذي يمثل وجماعته هيئة تحرير الشام في المقام الأول العرب السنة الذين يشكلون أكثر من ثلثي السكان، لا يزال يعارض فكرة الفيدرالية، ويطمح إلى إنشاء نظام سياسي مركزي يستمد قوته من الدعم الشعبي". لكنه شدد على أن "النهج الفيدرالي قد يكون أكثر فعالية، بل وربما لا غنى عنه، في تعزيز المصالحة الوطنية وإعادة بناء البلاد".
تحديات التوحيد
وأشار الباحث إلى أن "المشهد العسكري والسياسي في سوريا معقد، حيث تسيطر حكومة الشرع المؤقتة على مناطق محدودة نسبيا في البلاد، تشمل معظم المدن الغربية وأجزاء من الريف، فيما تظل ولاءات العشائر السنية في وادي الفرات غير محسومة".
وأضاف: "في درعا، تعارض القوات التي يسيطر عليها المتمرد السابق أحمد العودة، إلى جانب فصائل جنوبية أخرى، الاندماج في الجيش السوري الجديد"، لافتا إلى أن "قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد، لا تزال متحفظة تجاه نوايا الشرع رغم انخراطها في مناقشات معه".
وفي شمال البلاد، أوضح بالونش أن "الفصائل الموالية لتركيا، والتي تشكل الجيش الوطني السوري، تحتفظ بقبضتها على معاقلها الرئيسية في عفرين وجرابلس ومنطقة منفصلة بين تل أبيض ورأس العين".
وزعم أن "تركيا أجبرت، في 29 كانون الثاني/يناير، رئيس هذه المجموعة سيف أبو بكر على السفر إلى
دمشق لتهنئة الرئيس الجديد شخصيًا، لكنه لم يقدم أي تنازل آخر للشرع حتى الآن".
كما لفت الباحث إلى أن "كلا الزعيمين يتشاركان تاريخا طويلا من العداء، خاصة وأن العديد من مقاتلي الجيش الوطني السوري هم من قدامى المحاربين الذين خاضوا معارك دامية ضد هيئة تحرير الشام للسيطرة على محافظة إدلب بين عامي 2017 و2020".
واعتبر الكاتب أن "هذه الأوضاع تلقي بظلال من الشك على قدرة الشرع على إدماج جميع الفصائل والمجموعات العرقية بسلاسة في سوريا الجديدة"، مشيرا إلى أن "السكان العرب قد يجدون أنفسهم ميالين إلى التقارب مع دمشق، في حين أن الأكراد يسعون للحفاظ على حكمهم الذاتي، أما الدروز فقد بسطوا سيطرتهم على السويداء ومنعوا قوات هيئة تحرير الشام من دخولها".
وأضاف بالونش أن "الوضع نفسه ينطبق على المناطق الدرزية في ضواحي العاصمة، مثل جرمانا وصحنايا وجديدة عرطوز"، بينما أوضح أن "زيارة الشرع إلى اللاذقية وطرطوس في 16 شباط/ فبراير، اقتصرت الاحتفالات فيها على المجتمعات العربية السنية، بينما اختار العلويون العزلة في أحيائهم وقراهم".
وشدد بالونش على أن "مسؤولي النظام السابق أنشأوا ميليشيات جديدة لإعادة إحياء الدور التاريخي للمنطقة الساحلية كملاذ جبلي محصن للعلويين".
النهج المركزي والواقع
واعتبر الباحث أن "مشروع الشرع السياسي القائم على مركزية السلطة يتعارض مع الواقع الحالي على الأرض"، مشيرا إلى أن الرئيس السوري "يرى في الفيدرالية تهديدا لوحدة الأمة، وهو تصور نابع جزئيا من المشاعر المعادية لإسرائيل بين السوريين".
وأوضح أن "الكثير من السوريين يعتقدون أن الولايات المتحدة فرضت الفيدرالية على العراق بعد سقوط صدام حسين؛ لإضعاف البلاد لصالح إسرائيل، ويخشون أن تسعى واشنطن إلى تنفيذ المخطط نفسه في سوريا ما بعد الأسد".
وفيما يتعلق بجهوده في إعادة بناء الدولة، أشار بالونش إلى أن "الشرع يسعى إلى توحيد الفصائل العربية السنية ضمن جيش وطني جديد بعد حل الجيش السابق، لكنه يواجه تحديات كبيرة، خاصة وأن الاجتماع الذي عقده الثوار في 29 كانون الثاني/يناير في دمشق احتفالا بتنصيبه أظهر أنه لم يحظَ سوى بدعم ائتلافه الأصلي".
وشدد الباحث على أن "الشرع يسعى لترسيخ سلطته على البيروقراطية في دمشق والمناطق المحيطة بها، محاكيًا النهج المركزي الصارم الذي اعتمده سابقا في إدلب"، لكنه أوضح أن "عملية الحوار الوطني التي أطلقها لم تحقق النتائج المرجوة بسبب تنظيمها المتسرع واختتامها على عجل".
وفيما يتعلق بآفاق الفيدرالية، أكد الباحث أن "النهج الحالي القائم على المركزية والمحسوبية لن يكون فعالا على المستوى الوطني، خاصة في بلد يبلغ عدد سكانه 20 مليون نسمة، مع احتمال ارتفاعه إلى 28 مليونًا بعودة اللاجئين".
وأضاف أن "بشار الأسد تعلم هذا الدرس بالطريقة الصعبة، حيث إن تبنيه سياسة اللامركزية كان إداريا فقط، مما أدى إلى إضعاف الدولة دون تحقيق أي من المزايا الحقيقية للامركزية، وساهم هذا الخلل في تسريع انزلاق البلاد إلى الحرب الأهلية".
وشدد الباحث على أنه "إذا أراد الشرع تفادي تكرار أخطاء الأسد، فقد يتعين عليه تطبيق اللامركزية الحقيقية في السلطة السياسية وإقامة نظام فيدرالي"، لافتا إلى أن "الولايات المتحدة وأوروبا شددتا مرارا على أهمية الحكم الشامل في مرحلة ما بعد الأسد".
التحديات الاقتصادية للفيدرالية
وأشار بالونش إلى أن "إرساء الفيدرالية يتطلب تحقيق توازن دقيق في توزيع الموارد، خاصة النفط والغاز والمياه والأراضي الزراعية".
وأوضح أن "معظم المنشآت النفطية تقع ضمن الأراضي الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، مما قد يخلق توترات بين الأكراد وبقية المكونات السورية".
وأضاف الكاتب أن "التجربة العراقية أظهرت أن الموارد يجب ألّا تكون تحت سيطرة الحكومة المركزية بالكامل، حيث استخدمت بغداد النفط كورقة ضغط ضد إقليم كردستان"، مشيرا إلى أن "الاحتياطيات النفطية السورية ليست ضخمة بما يكفي لتبرير احتكارها، إذ كان الإنتاج اليومي قبل النزاع نحو 400 ألف برميل فقط، مقارنة بـ6 ملايين برميل يوميا في العراق".
وختم الباحث تقريره بالتأكيد على أنه "إذا تم تبني الفيدرالية، فيجب أن تُطبق على جميع أنحاء سوريا، وليس على الأقليات فقط، لضمان استقرار البلاد على المدى الطويل"، محذرا من أن "الفشل في تحقيق هذا التوازن قد يبقي سوريا في دوامة لا تنتهي من الصراع".