ملفات وتقارير

هل يستخدم السيسي "فزاعة" الإخوان ليثني ترامب عن خطط تهجير الفلسطينيين؟

تتواصل التحليلات الإسرائيلية المؤكدة على أن خطة التهجير تضر بنظام السيسي- جيتي
طالما استخدم رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، فزاعة "جماعة الإخوان المسلمين" وفزاعة "الإرهاب" للضغط على دول الخليج العربي و"إسرائيل" وأوروبا وأمريكا، للحصول على الاعتراف الدولي بنظامه إثر الانقلاب العسكري الذي قاده منتصف 2013، ونيل الدعم المالي وحل أزماته الاقتصادية، ووقف الانتقادات الحقوقية الغربية، ضمن توجه حقق تلك الأهداف، بحسب مراقبين.

ومع إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ عودته للبيت الأبيض لولاية ثانية في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي، على خططه لتهجير مليوني فلسطيني إلى مصر والأردن، واحتلال قطاع غزة وسط رفض مصري رسمي، واعتراض الجيش، يتكهن البعض حول السيناريو الذي قد يلجأ له السيسي لوقف خطط ترامب، أو تقليل آثارها.

"إحياء فزاعة الإخوان"
ويتوقع مراقبون أن يلجأ السيسي إلى "فزاعة" الإخوان ليدفع ترامب للعدول عن قراره؛ ويرون أنه قد يلجأ لتخويف الإدارة الجمهورية من أن عودة الإخوان التي قد تلقى قبولا شعبيا محليا ودعما شعبيا وعربيا الآن، تمثل خطرا على وجود إسرائيل ومصالح أمريكا بالشرق الأوسط.

كما أنهم أشاروا إلى احتمال أن تضغط الإدارة المصرية في السياق ذاته برفض الجيش مخطط التهجير، وأن ذلك الرفض من قيادات الجيش قد يتلاقى مع أي حراك محتمل ضد التهجير وثورة شعبية يقودها الإخوان، وهو الاحتمال الذي تكهنت به تقارير صحفية إسرائيلية.


وفي 11 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حذرت صحيفة "معاريف" العبرية، من ثورة يقودها الإخوان المسلمين في مصر ودول الخليج العربي عقب سقوط بشار الأسد في سوريا والذي اقتلعته المعارضة من الحكم، قبل ثلاثة أيام من ذلك التاريخ.

تقرير الصحيفة الذي كتبه المحلل العسكري الإسرائيلي آفي اشكنازي، أكد حينها، أن الحكام العرب في موقف الضعيف الخائف من أية ثورات ربيع عربي جديدة محتملة، موضحا أن تل أبيب الملجأ الوحيد لحكام دول هامة ومحورية بالمنطقة، لاتقاء أي حراك شعبي محتمل.

ولفتت إلى أن "الخوف الآن هو أن العديد من المجموعات، بما في ذلك اللاجئين السوريين ومعارضي النظم في الشرق الأوسط، سوف يرفعون رؤوسهم، من الأردن، إلى العراق، إلى انتفاضة متجددة للإخوان المسلمين في السعودية والبحرين والكويت، وأيضا في مصر".

ومع صمود حركة المقاومة الإسلامية (حماس) القريبة من جماعة الإخوان المسلمين، بمواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتولي المعارضة الإسلامية السورية حكم دمشق، أثارت العديد من المقالات والتقارير الصحفية الإسرائيلية المخاوف من عودة الإخوان المسلمين، وغذت ما قد يثير مخاوف العرب والغرب وواشنطن من فزاعة الجماعة المحظورة في أغلب البلدان العربية.

ففي 2 كانون الثاني/ يناير الماضي، نشر "معهد أورشليم للإستراتيجية والأمن"، مقالا للعقيد السابق في الجيش الإسرائيلي عيران ليرمان، بعنوان: "الإخوان المسلمون وفروعهم يشكلون تهديدا للغرب"، قائلا: "أدت الأحداث في سوريا، إلى تعزيز المعسكر الإقليمي المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين مرة أخرى. وهذا أمر يثير قلق مصر والأردن، وكذلك شركاء إسرائيل في اتفاقيات إبراهام".

"إصرار ترامب ومخاوف السيسي"
والثلاثاء الماضي، وعقب لقاء جمعه بملك الأردن عبدالله الثاني، عاود ترامب، التأكيد على إصراره على تنفيذ خطة تهجير سكان غزة قسرا، وتوطينهم في مصر والأردن، وسيطرة بلاده على غزة دون مقابل مادي، ما قابلته مصر بإعلان ملامح تصور لإعادة إعمار غزة، مع بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه.

وقالت مصادر مصرية الجمعة، لـ"رويترز" إن المقترح المصري يتضمن تشكيل لجنة فلسطينية لحكم قطاع غزة دون مشاركة حركة حماس، وتعاونا دوليا في إعادة الإعمار دون تهجير الفلسطينيين، إضافة إلى المضي نحو حل الدولتين.

وتتواصل التحليلات الإسرائيلية المؤكدة على أن خطة التهجير تضر بنظام السيسي، وأن مخاوفه من نقل الفلسطينيين إلى أراضي سيناء، قد تودي بالنظام بالكامل، مؤكدة على ضرورة الإبقاء على حكم السيسي، مشدد على أن بديله قد يكون حكم الإخوان المسلمين.

وفي هذا السياق، وفي مقال بصحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، أكد الكاتب الإسرائيلي شاحر كلايمن، أن مصر تخشى الدخول في حالة حرب مع إسرائيل؛ كون كل هزيمة في حرب مآلها إسقاط النظام، موضحا أن "خوفها الأشد من نقل الغزيين إلى سيناء، هو تحول شبه الجزيرة إلى مربض مناوشات مع إسرائيل تفجر مثل هذه الحرب".

وأشار الكاتب إلى أن السيسي أقرب إلى السلام من أسلافه، وأنه عزز التعاون مع إسرائيل، لكنه حذر من أنه رغم رفضه خطة التهجير "بعيدٌ سنوات ضوء عن مواقف أصولية على نمط الإخوان المسلمين".


وختم بأن "معارضته الحادة لخطة ترامب لإخلاء الفلسطينيين، ينبغي أن نعيدها إلى التهديد بأن تصبح شبه جزيرة سيناء عش إرهاب برعاية الغزيين، ولا يزال، إسرائيل تعلمت بالطريقة الأصعب بأنه يجب الاستعداد لكل سيناريو".

إحياء تقارير إسرائيلية الحديث عن فزاعة الإخوان وتبرير بعضها رفض السيسي، خطة ترامب، ومقارنته بالإخوان المسلمين، وتأكيدها على استعدادات تل أبيب لسيناريو عودة الإرهاب لسيناء، تدفع  للتساؤل: هل يستخدم السيسي فزاعة "الإخوان" و"الإرهاب" مع ترامب؟، وهل يقتنع ترامب، بمخاوف السيسي من ثورة شعبية محتملة يقودها الإخوان ويعودوا بها للحكم؟

وفي توقعه لما قد يسلكه السيسي، قال الممثل المصري المعارض عمرو واكد، عبر موقع "إكس": "في الغرف المغلقة لا أستبعد أن وفود السيسي، تحاول إقناع ترامب، بأن خطة التهجير أساسا خطر على الكيان وعلى مصالح أمريكا".

وأضاف: "وأنهم كمصريين شايفين (يرون) أعماق الصراع بشكل أفضل، وأن حاجة زي دي (مثل هذه) ممكن تغير النظام في مصر إلى ثورة شعبية تأتي بحكم وطني لمصر، وساعتها يبقى كش ملك والليلة تتكربس".

وختم بالقول: "أتحداكم أن هذا مدخلهم وهي وطنيتهم".


"يدعمها خوف إسرائيل"
وفي رؤيته، قال الإعلامي المصري المقيم في نيويورك محمد السطوحي، لـ"عربي21"، إن "استخدام الإخوان كفزاعة في علاقات مصر الخارجية ليس جديدا وليس قاصرا على النظام الحالي".

المحلل السياسي والخبير في الشأن الأمريكي أوضح أنه "لذلك عندما سئل السفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن مايكل أورين، عن الموقف، قال إنه يتوقع القول  بأن على الإدارة الأمريكية القبول بالرفض المصري لتهجير الفلسطينيين، لأن ممارسة مزيد من الضغوط يمكن أن تأتي بالإخوان".

السطوحي، أضاف: "ولا أدري إن كان ذلك سيحدث، ولو كان سيؤدي إلى نتيجة في هذه الحالة فلا بأس"، متوقعا أن "يساعد على ذلك أن الجمهوريين المحافظين موقفهم قوي ضد الإسلاميين بشكل عام، بما يجعل استخدامهم في هذه الحالة مفهوما أكثر وبفاعلية أكبر".

وخلص للقول: "لكن الموقف الإسرائيلي سيكون هو الأهم، لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) وبقية اللوبي الإسرائيلي لهم صوت قوي مع الجمهوريين عموما وستكون التقديرات الإسرائيلية موضع اعتبار داخل البيت الأبيض والكونجرس كما حدث في حالات سابقة مهمة".

"لن تجدي مع الأمريكان"
من جانبه، قال السياسي المصري ممدوح إسماعيل: "بلا شك فإن السيسي لا يملك غير السمع والطاعة للبيت الأبيض صاحب الفضل عليه في دعم الانقلاب؛ ولكن من جهة أخرى  يحاول أن يصنع أي شيء لتجميل وجهه سياسيا أمام الشعب".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "ومنها اللعب بورقة حماس والإرهاب، وكما أعلن من قبل أنه على إسرائيل تصفية المقاومة"، متوقعا أن "تكون ورقته المهمة هي التعاون أمام خطر (الإرهاب)، و(حماس) و(المقاومة)".

وعن احتمال استخدام السيسي، فزاعة الاخوان، رد البرلماني المصري السابق، قائلا: "مع الأسف هذا كلام لا يجدي مع الأمريكان؛ لأنهم يعلمون تفاصيل الواقع جيدا".

واستدرك: "لكن من الممكن طرح عنوان تفجر الوضع الشعبي، وعودة التطرف والإرهاب إلى مصر، مع وضع الإخوان في جملة، لأن الأمريكان يخشون فقط من المشروع الجهادي المعادي لهم".

وأكد أن "الذي أراه وأومن به أن السيسي، لا يمانع من تهجير الفلسطينيين إلى مصر، وكل هذه العناوين تمثيلية لإضفاء شكل سياسي لموقف ظاهره الرفض".

ومضى يؤكد أن "السيسي يبحث فقط عن مخرج يحفظ له كرسي الحكم، ويحقق للأمريكان ما يريدون بدون التسبب في مشكلة داخل نظام حكمه تقلب الأوضاع من حيث لا يحتسب".

"فزاعة لا تنتهي"
وفي أثناء حرب الإبادة الدموية التي ارتكبتها إسرائيل على مدار 15 شهرا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وحتى كانون الثاني/ يناير الماضي، جددت الأذرع الإعلامية في مصر الحديث عن فزاعة الإخوان المسلمين، في إطار  مخاوف حلف التطبيع العربي من انتصار المقاومة الفلسطينية وبينها حماس (المحسوبة على الإخوان المسلمين).

وفي 14 تموز/ يوليو الماضي، أشار الصحفي المصري قطب العربي، لعودة استخدام فزاعة الإخوان في مصر والإمارات وحتى فرنسا، وذلك في مقال نشرته "عربي21"، بعنوان "ماذا يعني استدعاء فزاعة الإخوان مجددا؟!".

ولفت العربي، إلى استخدام  زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان فزاعة الإخوان في الانتخابات الفرنسية الأخيرة لدغدغة مشاعر الناخبين وتوعدت بغلق مساجد الإخوان والسلفيين في فرنسا.

وألمح إلى أنه "بعد اندلاع معركة طوفان الأقصى كتبت صحيفة معاريف (الآن جاء دور إسرائيل للقضاء على الإخوان)، وترددت كلمات مشابهة على ألسنة قادة وساسة".

وأوضح أنه "في الإمارات بدأت جولة جديدة ضد الإخوان بإصدار أحكام مغلظة فيما عرف بقضية (الإمارات 84) التي ضمت عددا كبيرا من رموز وقادة الإخوان المسلمين"، مبينا أن "هذه الفوبيا لاتقتصر على الإمارات وإنما انتقلت إلى دول خليجية أخرى".

وأكد أنه "في مصر تم تدشين حملة مكثفة متعددة المنصات ضد الإخوان، سواء في إعلام النظام المصري أو في إعلام الإمارات، وسواء عبر قنوات أو إذاعات أو صحف أو مواقع الكترونية".

"لن تتخلى عن الحليف"
وفي رؤيته العام للموقف المصري أمام الإصرار الأمريكي، قال الباحث الفلسطيني صلاح الدين العواودة، لـ"عربي21": "عموما الولايات المتحدة ترى في مصر أهم حليف لها في المنطقة العربية بعد الكيان الغاصب، وبالتالي فإنها لن تتخلى عن هذا الحليف بسهولة".

وأضاف: "سيما أنه لا يختلف معها جوهريا على أي قضية؛ بما في ذلك التهجير القسري، وضرورة القضاء على المقاومة، فإن كان الرئيس المصري قد رفض التهجير إلى مصر لكنه أيده إلى النقب مثلا، كأداة للاستفراد بالمقاومة في غزة".

ويرى أن "مصر حريصة جدا على (اتفاقية السلام) مع الاحتلال، رغم الاختلاف على شكل التعامل مع القضية الفلسطينية ودعمها لحل الدولتين والتطبيع".


ولفت إلى أن "المساعدات التي تقدمها أمريكا لمصر جاءت في إطار اتفاقية السلام وليس مجرد تبرعات وعمل خيري، وإنما هي ثمن لبقاء مصر في محور التطبيع، ومن هنا فإن تصريحات ترامب تجاه مصر تبقى زوبعة في فنجان وقت الجد".

وتابع: "أمريكا كدولة لن تفرط بمصر حتى لو مارست ضغط ما عليها، وهنا يظهر مدى قدرة النظام المصري على إدارة الملف مع واشنطن من منطلق حق وقوة ووجود بدائل وإقناع في نفس الوقت".

ويرى أن "من ضمن ذلك؛ إغراء ترامب، أن مصر تدعم التهجير من تحت الطاولة وتعارضه من فوقها ولكن ليس إلى أراضيها، بل وربما ليس من خلال أراضيها، فوزير دفاع الاحتلال طلب من الجيش تجهيز خطة للتهجير الطوعي عبر ممرات برية وجوية وبحرية من فلسطين المحتلة في حال وجد دولا مستعدة لاستقبالهم".

"ضد التصفية والتهجير"
وقدم العديد من المهتمين بالملف الفلسطيني عشرات السيناريوهات للحكومة المصرية والأنظمة العربية لاستخدامها بمواجهة خطط ترامب، والتي كان آخرها توقيع مئات الشخصيات العربية على عريضة حملت عنوان: "نداء فلسطين: ضد التصفية والتهجير".

حملت العريضة مطالب منها: "ترجمة الإجماع العربي إلى قراراتٍ عاجلة وسريعة تتضمن خطوات ملموسة واستخدام كل وسائل الضغط المتاحة لمنع أية محاولة لفرض واقع جديد في غزة"، و"العمل الفوري والعاجل لوقف العدوان بشكلٍ كامل، وكسر الحصار وفتح معابر قطاع غزة".

و"إطلاق تحرك دبلوماسي عربي دولي لمحاسبة الاحتلال على جرائمه، والتصدي لأية مشاريع تستهدف فرض وصاية خارجية على القطاع"، و"تعزيز الموقف الرسمي بإطلاق العنان لحراك جماهيري عربي واسع تأكيداً لرفضه سياسات التهجير والهيمنة الصهيونية".

و"تبني موقف عربي موحد وضاغط لتحقيق وحدة الصف الفلسطيني، وتشكيل قيادة وطنية فلسطينية موحدة تتولى إدارة وتنسيق المواجهة لمشروع الضم والتصفية، وتشكيل حكومة توافق وطني تنهض بإدارة قطاع غزة والضفة وإنجاز الإغاثة والإعمار".