مقالات مختارة

لن ترحل غزة!

إعلام القسام
مثل العملة، أي عملة في العالم، لها وجهان مختلفان جدا. لكنهما العملة. تماما كالوضع العربي الآن. ثمة وجه مبتسم فرح بما قامت به المقاومة في غزة، ووجه آخر كظيم شكك ولم يزل يشكك، رغم ما تراه عيناه وتسمعه أذناه. إنه الوجه الخلفي الذي لا يعول عليه.

رغم أن أي إنسان حر في ما يفكر وما يقول، لكن لا يستطيع أحد أن يطمس الحقيقة. نحن في زمن الصورة الأصدق من الكلمة. وما شاهدناه لمراسم تسليم الأسرى الإسرائيليين في الأيام الماضية في غزة، أدخل الفرح في قلب كل عربي، ما عدا طبعا أولئك الذين ران على قلوبهم وعلى عيونهم غشاوة من أوراق الدولار، وفي أنوفهم رائحة النتن ياهو.

من لم يفرح لرؤية أسير من ذوي المؤبدات يقبل يدي والده وقدمي أمه بعد ثلاثين وأربعين سنة أمضاها في سجون الاحتلال. وذاك الذي يحتضن ابنه العشريني الذي كان جنينا في بطن أمه عندما قاوم الاحتلال واعتقل. وذاك الذي يحتضن طفله الذي رزق به عن طريق "النطف المحررة"، أو ذاك وذاك وذاك؟ كلهم أُسروا شبابا وخرجوا شيبا، وقد فقدوا ثلث وزنهم، على الأقل.

إن شعبا يخترع تهريب النطفة من بين القضبان لتحمل بها زوجته عن بعد، شعب مبدع جبار لن يرحل من أرضه.
خرجوا ؟.. لا، الأصح تحرروا، حررتهم المقاومة رغم أنف المحتل.

من لم تبهجه الرسائل التي قصدت المقاومة توجيهها، من خلال ترتيبات إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين؟ التنظيم المتقن، أماكن التسليم من جباليا وخان يونس ومخيم الشاطئ والميناء في مدينة غزة، ومن أنقاض بيت السنوار، السلاح الإسرائيلي الذي كان يحمله مرافقو الأسرى وغنموه في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العظيم.

الحالة الصحية الجيدة التي خرج بها الأسرى، والعدد الكبير لانتشار رجال المقاومة في كل التفاصيل، يؤكد أن المقاومة جندت عشرات الآلاف من الشباب في أثناء العدوان، الذي استمر خمسة عشر شهرا، حسب اعتراف العدو.. وغيرها كثير.

رمزية كشف المقاومة عن استشهاد بعض أبرز قادتها، ومنهم محمد الضيف، جاء ليؤكد أن المقاومة كالشجرة؛ كلما سقط منها غصن تنبت أغصانا، وهذا حال الشعب الفلسطيني منذ مئة عام.

كلها أثبتت أن المقاومة انتصرت كما يقول الخبراء الدوليون: "القوي مهزوم إذا لم ينتصر في الحرب، والضعيف منتصر إذا لم يُهزم".

طبعا ثمة من ينطبق عليه مثل من لا يعجبه العجب "يطلِع في اللسان عظم". ولا يرى في كل هذا المشهد الأسطوري المقاوم إلا الدمار والخراب الذي خلفه العدوان الوحشي. لكأن شعبا في التاريخ تحرر من دون تضحيات ولم يقدم قوافل الشهداء؟!

شعب قدم كل هذه التضحيات، وظل صامدا في أرضه، عاد إلى أنقاض بيته في شمال غزة فرحا حاملا خيمته وكرامته ومقاومته.

هذا ما لا يفهمه ترامب. وإن كان يريد تحقيق السلام، فبدل أن يفكر في تهجير أهل غزة، ليختصر الطريق ويرحل الستة ملايين إسرائيلي؛ فكلهم يحملون جوازات سفر بلدانهم التي جاؤوا منها واحتلوا فلسطين، وإن لم يفعل، فإن هذا الكيان يتفكك من تلقاء ساكنيه المحتلين.

الدستور الأردنية