قالت صحيفة "
واشنطن بوست" إن
الاتحاد الأوروبي يتحرك نحو تخفيف
العقوبات التي فرضت على النظام السوري السابق، فيما ينظر إليه بأنه تحول كبير في السياسة الأوروبية من
سوريا.
وأشارت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، إلى أن الدول الأوروبية عازمة للموافقة على تخفيف العقوبات على سوريا كوسيلة لدعم التحول السياسي في البلاد والتأثير على قادتها الجدد وتقليص نفوذ روسيا في المنطقة، بحسب خمسة دبلوماسيين أوروبيين ووثيقتين داخليتين اطلعت عليهما صحيفة "واشنطن بوست".
وقال الدبلوماسيون الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، إنه من المتوقع التوصل إلى اتفاق سياسي بشأن رفع العقوبات - تدريجيا، طالما أثبتت السلطات الجديدة بأنها تحترم حقوق المرأة وتشملها والأقليات العرقية والدينية في حكم البلاد، وهو ما سيتم تقريره عندما يجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل في بروكسل.
وقالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي٬ كايا كالاس، في تعليقات لصحيفة "واشنطن بوست" حول الجهود المبذولة للحصول على موافقة الدول الأعضاء السبعة والعشرين في الكتلة: "يجب أن يكون النهج خطوة بخطوة، بمعنى أن تخفيف العقوبات مرتبط بالتطورات الإيجابية" و "إذا رأينا أن العكس يحدث، فيجب أن يكون الاتحاد الأوروبي مستعدا للتراجع، هذا هو نفوذنا".
وسيكون تخفيف العقوبات بمثابة تحول كبير في السياسة من سوريا، وسيقدم دفعة للاقتصاد السوري المتضرر مع سعي البلاد إلى إعادة البناء بعد أكثر من 13 عاما من الحرب. ومن الممكن أيضا أن يعزز هذا القرار
الشرعية الدولية للحكام الجدد في سوريا، بقيادة هيئة تحرير الشام، المجموعة التي قادت الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد الشهر الماضي، حسب التقرير.
ووفقا لإحدى الوثيقتين فإن شطب هيئة تحرير الشام التي كانت تابعة مرة للقاعدة، من قائمة المنظمات الإرهابية سيناقش في مرحلة متأخرة مع الحلفاء وبناء على خريطة طريق مقترحة نوقشت في جلسات مغلقة.
وسوف يعتمد هذا القرار على "تقييمنا المشترك" لهيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع، المعروف سابقا باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، وعلى "التطور على الأرض في سوريا"، حسبما ورد في الوثيقة.
وكان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد قطعا العلاقات الدبلوماسية مع دمشق في عام 2011 بعد حملة الأسد الوحشية ضد المحتجين السلميين على حكمه خلال انتفاضات الربيع العربي.
وأدت العقوبات الغربية التي فرضت بعد ذلك إلى خنق صناعة النفط السورية وتقييد التجارة والاستثمار وتجميد أصول البنك المركزي السوري في الخارج. إلا أنه ومنذ سقوط الأسد، كانت هناك خطوات مبدئية لإعادة العلاقات مع النظام الجديد، وزيارات إلى دمشق من قبل وزيري الخارجية الفرنسي والألمانية وإعلان الولايات المتحدة عن تخفيف محدود للعقوبات الأمريكية ومتعلقة بتسليم المساعدات الإنسانية.
وأصدرت وزارة الخزانة الأمريكية ترخيصا عاما لمدة ستة أشهر يسمح بمجموعة من المعاملات مع دمشق ويمنح المنظمات الإنسانية رخصة لتقديم خدمات مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء. كما يسمح بإجراء معاملات معينة مع الحكومة السورية دون خوف من العقوبات، مثل مبيعات الطاقة.
وتقول الصحيفة، إن المقترح الأوروبي يمكن أن يذهب أبعد من الخطوات الأمريكية، وتخفيف العقوبات على الطاقة والكهرباء والنقل وبعض المعاملات المصرفية. أما القيود المفروضة على تصدير الأسلحة والعقوبات المفروضة على الأشخاص المرتبطين بنظام الأسد فستظل قائمة.
وترى مجموعة أوراسيا أن "تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا يمكن أن يسهم في فتح المجال أمام مليارات الدولارات من المساعدات والاستثمارات"، لإعادة الإعمار التي تقدر تكلفتها بما لا يقل عن 250 مليار دولار.
وتقول الصحيفة إن الخطة الأوروبية قيد المناقشة طرحتها في الأصل كل من ألمانيا وفرنسا وهولندا، وإسبانيا، وفنلندا، والدنمارك.
وقال دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي، إن هناك الآن بين الكتلة "اتفاقا واسعا على ماذا؟ وبعض الاختلاف حول كيفية عمل ذلك، وخاصة فيما يتعلق بالسرعة والطموح". وتحتاج الخطة إلى مناقشة جدول زمني ومعايير المراقبة وآلية إعادة فرض العقوبات المحتملة إذا لم تم خرق شروط الاتحاد الأوروبي.
وأضاف الدبلوماسي أن الهدف "هو الاحتفاظ بالنفوذ على السلطات السورية حتى لا تتراجع في المستقبل عن الديمقراطية والشمولية وحقوق الأقليات والمرأة".
وتعلق الصحيفة أن الكثير من السوريين يشعرون بالاستياء من استمرار العقوبات التي ساهمت في إضعاف نظام الرعاية الصحية والقطاعات الأخرى. وبينما تتقرب "هيئة تحرير الشام" إلى القوى الغربية، قالت إنها ستحمي جميع المجتمعات السورية، وقالت في الوقت نفسه إن استمرار العقوبات يشكل عقبة أمام التعافي.
وقال وزير الخارجية السوري الجديد أسعد حسن الشيباني هذا الأسبوع في منتدى دافوس إن العقوبات "موروثة" من أيام نظام الأسد وهي تعمل الآن "ضد الشعب السوري". وقال إن "رفعها هي مفتاح استقرار سوريا".
وتحدد وثيقة خريطة الطريق عدة أسباب تجعل من تخفيف العقوبات في مصلحة أوروبا. ومن بين هذه الأسباب أن الاتحاد الأوروبي لديه فرصة لمواجهة نفوذ الجهات الفاعلة الأخرى، أي روسيا، الداعم الرئيسي للأسد والتي تعرضت طموحاتها بالمنطقة لضربة قوية الآن.
وفي حين سحب الكرملين بعض الأصول العسكرية في سوريا، سعت روسيا إلى التفاوض للاحتفاظ بقواعدها هناك، مع أن مستقبلها غير واضح.
وقال الشرع لقناة "العربية" في أواخر الشهر الماضي إن سوريا لا تزال لديها مصلحة في التعاون مع "ثاني أقوى دولة في العالم". وقالت كالاس إن خسارة روسيا لقواعدها في سوريا "من شأنه أن يقلل من قدرة الكرملين على إحداث الفوضى في المنطقة".
وهناك سبب آخر لتخفيف العقوبات ورد في الوثيقتين وهو أن التعافي وإعادة الإعمار من شأنهما أن يشجعا ملايين من اللاجئين السوريين الذين بحثوا عن اللجوء في أوروبا للعودة. وتوقفت العديد من الدول الأوروبية عن معالجة طلبات اللجوء بعد سقوط الأسد وهي الآن تراقب لترى كيف ستتطور الأمور.
وفي حين أن تخفيف العقوبات من شأنه أن يساعد السوريين، فإن "أحد الأهداف الواضحة هو استقرار سوريا حتى يتسنى البدء في إعادة بعض الناس"، كما يقول حايد حايد، وهو كاتب سوري وزميل في تشاتام هاوس. و"يمكنهم القول إن الوضع هناك آمن وأن الوضع تحسن".
وبالإضافة إلى العقوبات، فإن الوثيقة الثانية، التي أعدتها الذراع السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي، تحدد الخطوات الرامية إلى تعزيز المساعدات الإنسانية والنظر في السماح للاجئين السوريين الذين يعيشون في أوروبا بالسفر ذهابا وإيابا خلال مرحلة انتقالية ــ أطلق عليها "زيارات الذهاب والمشاهدة".
وتعلق الصحيفة أن الحرب دمرت العملة السورية وتركت معظم بنيتها التحتية في حالة دمار، ووضعت ما يقرب من 90% من السكان على حافة الفقر.
وقال حايد إن تخفيف العقوبات "سيكون له تأثير مباشر على حياة السوريين وبخاصة عندما يتعلق الأمر بإرسال أو تلقي الأموال عبر النظام المصرفي الرسمي". و"لم يكن هذا خيارا لسنوات عديدة، كما أنه سيؤثر على قدرة العديد من المنظمات على العمل هناك". وقال إن "الإشارات الجيدة من الاتحاد الأوروبي" يمكن أن تحفز الاستثمار أيضا. إلا أن التعافي الاقتصادي سوف يعتمد على المدى الطويل عل رفع العقوبات الولايات المتحدة".
وقال مسؤول أمريكي مطلع، بحسب التقرير، إن سياسة عقوبات منسقة تجاه سوريا تمت مناقشتها بين إدارة بايدن والحكومات الأوروبية، ولكن ليس مع إدارة ترامب، التي لا تزال منشغلة في تعيين الأشخاص بوزارة الخزانة.