قضايا وآراء

عبد الرحمن القرضاوي.. مَن شَراه ومَن اشتراه

"جزاء بضعة أبيات من الشعر، نصر بها المظلومين والمقهورين، وحط بها من شأن الظالمين والمستبدين"- فيسبوك
ما من أحد مهتم بالشأن العام وحقوق الإنسان، إلا وتابع مراحل عملية "الخطف المسلح" التي تعرض لها الشاعر المناضل، المصري- التركي عبد الرحمن يوسف القرضاوي، في لبنان، على أيدي قوات الأمن اللبنانية التي انصاعت بدورها لأوامر "عليا" تتصادم (كليا وجذريا) مع القانون اللبناني، والقانون الدولي، ومدونة حقوق الإنسان الأممية، وجعلت من الوزراء اللبنانيين، في نظر المراقبين، مجرد مجموعة من "النخاسين" المتاجرين بالبشر!

لبنان الذي عجز على مدى عامين ونيف (أكثر من 800 يوم) عن تنصيب رئيس للجمهورية، قررت حكومته (في أقل من ساعة) بيع القرضاوي لحاكم دولة الإمارات محمد بن زايد، مقابل وعود ما.. وسواء كانت هذه الوعود تتعلق بالإعمار، والاستثمار، والمساعدات العينية، والبقاء في السلطة، أو في صورة "عمولات شخصية" دخلت جيوب الموافقين على إبرام "الصفقة- العار"، كما يتردد، فإن هذه الجريمة المركبة (القانونية الأخلاقية الإنسانية) ستكون (يوما ما) سببا في جر كل من وافق عليها، وساهم في تمريرها إلى محاكم أوروبية، وعلى رأسهم رئيس وزارة تصريف الأعمال المنصرف نجيب ميقاتي..

هذه الجريمة المركبة (القانونية الأخلاقية الإنسانية) ستكون (يوما ما) سببا في جر كل من وافق عليها، وساهم في تمريرها إلى محاكم أوروبية، وعلى رأسهم رئيس وزارة تصريف الأعمال المنصرف نجيب ميقاتي

لا أظن أن ابن زايد سيفي بما وعد به "النخاسين اللبنانيين"، بعد ذهاب ميقاتي على إثر "الكف القانوني" الذي سددته السعودية للإمارات في لبنان؛ إذ لم يحصل ميقاتي إلا على تسعة أصوات، مقابل 85 صوتا ذهبت لمنافسه نواف سلام؛ رئيس الوزراء الجديد.. أما الرئيس المنتخب جوزيف عون، فقد ترددت أنباء عن أن وجهته الخارجية الأولى ستكون السعودية، واللبيبُ بالإشارةِ يفهمُ!

النخاس المصري!

في سابقة لم أسمع بمثلها، باعت سلطة الانقلاب في مصر مواطنا مصريا لكفيلها الظبياني؛ للتنكيل به، ولا أقول لمحاكمته، فلا قضاء مستقلا في هذا البلد، ولا قانون يساوي بين البشر، وإنما هناك "جلاوزة"، منهم من يجلس على منصة القضاء، ومنهم من يرتدي لباس الشرطة، يأتمرون بأمر شخص واحد هو محمد بن زايد، العدلُ ما يراه عدلا، والأمن ما يظنه أمنا!

ولِمَ لا تبيع سلطة الانقلاب المصريين، وقد باعت (ولا تزال تبيع) أرضهم، وتاريخهم، وأصولهم، وشواطئهم، وموانئهم، وأمنهم، وسيادتهم. وقد وصف الجنرال المنقلب ياسر جلال مصر، من قبل، مصر بـ"العاهرة" التي "كشفت ضهرها، وعرَّت كتفها"؟! وصفٌ لا يمكن (بأي حال) أن يصدر عن حاكم ينتمي (بأي قدر) إلى هذا البلد.. بل وصفٌ لا يصدر إلا عن عدو شامت، أو متآمر خائن، أو عديم المروءة والشرف؟!

الآن، يقبع عبد الرحمن القرضاوي في قبو مظلم ضيق بالإمارات، يُصب عليه العذاب صبّا، جزاء بضعة أبيات من الشعر، نصر بها المظلومين والمقهورين، وحط بها من شأن الظالمين والمستبدين، لا أكثر ولا أقل.. يحدث ذلك، في بلد لا تربط القرضاوي به أي صلة؛ فهو لا يقيم على أرضه، ولا يحمل جنسيته، ولم يرتكب جُرما بحق مواطنيه! فأي ظلم أكبر من هذا؟

يقبع عبد الرحمن القرضاوي في قبو مظلم ضيق بالإمارات، يُصب عليه العذاب صبّا، جزاء بضعة أبيات من الشعر، نصر بها المظلومين والمقهورين، وحط بها من شأن الظالمين والمستبدين، لا أكثر ولا أقل.. يحدث ذلك، في بلد لا تربط القرضاوي به أي صلة؛ فهو لا يقيم على أرضه، ولا يحمل جنسيته، ولم يرتكب جُرما بحق مواطنيه! فأي ظلم أكبر من هذا؟

إن هذه الخسة والبلطجة والخروج على كل الأعراف والقوانين، تجعل الشباب يكفر بكل وسائل التعبير والتغيير إلا "القوة"، غير آبه بالتبعات! تلك القوة التي دحرت الاحتلال الأمريكي في أفغانستان، ومن قبله الاحتلال السوفييتي.. وتلك التي أطاحت بنظام آل الأسد، أقدم وأعتى وأبشع نظام فاشي عربي، في العصر الحديث.. فلا غرابة (إذن) أن يظهر الشاب المصري أحمد المنصور متوعدا ياسر جلال بالثبور وعظائم الأمور، وعيدا لا يخلو من الإهانة والتوبيخ، لاقى صدى واسعا بين الشباب، وكأنه يقول لياسر جلال ومن على شاكلته من الحكام العرب: لم تعجبكم سلمية الإخوان، ولم تطيقوا هجاء القرضاوي، واتهمتم كل معارض لكم بـ"الإرهاب"، فليس لكم إلا "القوة"!

ماذا عن تركيا؟

صب كُثْرٌ جام غضبهم ولعناتهم على تركيا والرئيس أردوغان، بزعم أن تركيا "باعت" القرضاوي، وفي أحسن الأحوال "تخلت عنه". وقد ساعد في تنامي الشعور بالسخط والغضب على تركيا وأردوغان، عدمُ صدور أي تصريح رسمي عن الدولة التركية بشأن عملية "الخطف المسلح" التي تعرض لها القرضاوي، على الأراضي اللبنانية..

معظم أصحاب نظرية "البيع والتخلي" هم (بالأساس) لديهم موقف سلبي من تركيا عموما، ومن الرئيس أردوغان على وجه الخصوص، وقد وجدوا في "عملية خطف" القرضاوي فرصة جديدة؛ للنيل من تركيا وأردوغان على السواء.. أما من يعرف سياسة تركيا، وقِيَم أردوغان الحاكمة، أو يحسن الظن بهما على الأقل، فيعلم أن تركيا وأردوغان لم يفرطا (يوما) في مستجير بهما، على الإطلاق.. باستثناء حالة الشاب المصري محمد عبد الحفيظ الذي تم ترحيله إلى مصر من مطار إسطنبول بطريق الخطأ، وقد تمت محاسبة مرتكبي هذا الخطأ الجسيم..

كثيرة هي الحالات التي تعرض أصحابها (المصريون) ممن يحملون الجنسية التركية للاحتجاز في بعض الدول العربية؛ بغرض تسليمهم إلى مصر، وتدخلت السلطات التركية في كل مرة، والرئيس أردوغان إذا اقتضى الأمر، وتم إعاقة وإبطال ترحيلهم إلى مصر، وعادوا إلى تركيا بسلام.. وفي كل مرة، لم تعلن تركيا عن مساعيها لإطلاق سراح حاملي جنسيتها من المصريين، ومنع تسليمهم إلى سلطة ياسر جلال الانقلابية في مصر..

يعني هذا، أن تركيا لم تتخلَّ عن مواطنها عبد الرحمن يوسف القرضاوي، منذ لحظة "اختطافه" في لبنان، وقامت (على الفور) بكل ما يلزم من مساعٍ دبلوماسية، وإجراءات قانونية، واتصالات شخصية؛ للحيلولة دون تسليمه لمحمد بن زايد أو لسلطة الانقلاب في مصر.. غير أن غياب القانون في لبنان، والفساد الذي عشش في نفوس بعض المسؤولين هناك، حالا دون استعادة القرضاوي! فماذا تصنع تركيا أو الرئيس أردوغان إزاء بلد لا قانون فيه، ولا أخلاق لدى بعض النافذين من مسؤوليه؟!

إن نجاح محمد بن زايد في "خطف" القرضاوي، لا يعني أن القضية قد انتهت بالنسبة لتركيا أو الرئيس أردوغان، بل العكس هو الصحيح.. سيخرج عبد الرحمن القرضاوي (عاجلا أو آجلا) من ظلمات ابن زايد، بحول الله وقوته أولا، ثم بالتزام تركيا (الدولة والقيادة) بالقيام بواجباتها نحو من استجار بها، وحصل على جنسيتها، وحمل جوازها، وبات له حقوق المواطنة عليها، وقد حدث ذلك مرارا كما أسلفت..

كلمة أخيرة..

أرجو من المصريين حاملي جواز السفر التركي ألا يزوروا أيا من البلاد العربية التي ترعى الثورة المضادة، أو التي نجحت فيها الثورة المضادة، أو التي تدعم النظم العربية المستبدة، أو التي تعادي الإسلام وتحاربه.. والله المستعان.

x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com