مدونات

هل حان وقت التحالف بين مصر وإيران؟

السيسي والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان- الرئاسة المصرية
ظلت مصر وإيران غالبا في حالة عداء، تجلى هذا في عدد من المواقف، من أشهرها تكفير ابن تيمية لحاكم الدولة الإلخانية في إيران محمود غازان، وتحالف المماليك والعثمانيين ضد الفرس في معركة قلديران، وحديثا تسمية أحد أكبر شوارع طهران باسم خالد الإسلامبولي الذي اغتال الرئيس المصري أنور السادات، ومنذ عقود لا يوجد تمثيل دبلوماسي مباشر بين مصر وإيران.

لكن هل يتغير هذا الوضع مع التطورات الأخيرة؟ لنحاول النظر للموقف العسكري من زاوية مختلفة.

منذ إعلان تأسيس الجمهورية العربية المتحدة عام 1958 اعتبرت مصر أن الجيش السوري هو جيش مصر الأول، أما الجيشان المصريان فسُميا بالجيش الثاني والجيش الثالث، ولا زالت هذه الأسماء تستعمل حتى الآن رغم تفكك الجمهورية العربية المتحدة. ولعل هذا ما يفسر موقف الجيش المصري العنيف من الرئيس د. محمد مرسي حين أعلن تأييده للثورة على بشار، فمثل هذا في المفهوم الاستراتيجي المصري ينظر له كحرب داخلية، فجيوش مصر وسوريا لا يُسمح لها أن تقاتل ضد بعضها، ثقافة الشعبين والعقيدة العسكرية للجيشين لا تسمح بهذا.

بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد، أعلنت الحكومة المصرية عدم الاعتراف بالوضع الراهن في سوريا، ولم تتعامل مع النظام الجديد، وهو تصرف طبيعي لارتباط الجيشين ببعضهما، ولكراهية النظام المصري الشديدة للتوجهات الإسلامية في مجال السياسة عموما، خاصة إن كانت مسلحة كما هو حال هيئة تحرير الشام.

لكن الوضع صار أكثر تعقيدا، الرئيس الأمريكي أعلن في حملته الانتخابية تأييده لتوسعة حدود الكيان، وهو ما يعني بالضرورة ضم الضفة الغربية وقطاع غزة لأراضي الكيان وعدم اعتبارها أراض محتلة، مما سينعكس على السكان الموجودين هناك ويسمح للكيان بطردهم، أهل غزة لمصر وأهل الضفة للأردن.

وبالطبع، هذه الخطوة مرفوضة تماما في كل من مصر والأردن، اللذان لا تقبل شعوبهما أو حكوماتهما تكرار نكبة عام 1948 مرة أخرى، خاصة بعد كل الدم الفلسطيني الذي سال في معركة طوفان الأقصى.

لكن هناك عاملا أهم يمنع حدوث هذا الإجراء الإجرامي، وهو محور المقاومة.

لقد تعرض المحور لضربة شديدة بسقوط نظام بشار الأسد، وانقطع لأول مرة منذ عقدين خط الإمداد بين إيران وحزب الله، والذي يتم منه بصورة ما تهريب السلاح الإيراني لحركة حماس، كما هو متداول. لكن مع هذا، فوجود قيادة إيرانية قوية ممثلة في المرشد آية الله الخامنئي، يمنع الكيان من اتخاذ الإجراءات المطلوبة لتحقيق حلم نتنياهو الكبير في فرض سيطرته على كامل أراضي الضفة وغزة. لا بد إذن من التخلص من إيران أولا.

في نفس الوقت، تنظر مصر والأردن لما يحدث برعب، فلأول مرة منذ عقود تجد مصر نفسها في مواجهة عسكرية مع الكيان، صحيح أن الكيان لم يهاجم الأراضي المصرية (بعد)، لكن طرد الفلسطينيين من غزة بعد كل ما حدث لهم من مذابح وجرائم إجراء لن يقف له المصريون مكتوفي الأيدي، فمصر لا تريد وجود حركات مسلحة في سيناء، وبالطبع لا تريد سيطرة عسكرية للكيان على سيناء، والحكومة العسكرية في مصر شرعيتها الأساسية في انتصار حرب رمضان على الكيان، هذا الميزان الدقيق لا يمكن أن تغامر الحكومة المصرية باللعب فيه وإلا فإن الثمن سيكون فادحا.

من الواضح الآن أن الكيان قد استنفد حاجته من حكم الرئيس السيسي الذي أدت سياساته لإضعاف مصر اقتصاديا بشكل كبير، ورغم أن وجود حكم إسلامي في سوريا ليس في صالح الكيان، إلا أن حالة الفوضى التي وقعت بعد سقوط نظام بشار الأسد قد أخرجت سوريا من المواجهة لسنوات قادمة، ولعل الكيان يريد ثورة كهذه ضد نظام السيسي، يسقط بعدها ويفقد الجيش السيطرة، وحينها لن يكون هناك أي حاجز يقف أمام طرد الفلسطينيين من غزة لسيناء وتكرار النكبة.

وفي ظل ضيق الخيارات المتاحة، فإن تصاعد حالة العداء بين مصر والكيان يدفع مصر بوضوح في اتجاه إيران، والحلف الروسي الصيني. السبب؟ طالما بقيت إيران قوية، فطرد الفلسطينيين من غزة من الصعب حدوثه.

لكن كيف يمكن لمصر مساعدة إيران دون استفزاز ولي الأمر الأمريكي؟ هذا هو سؤال المليون الذي لا يعرف أحد إجابته حتى الآن، لكن لو وجد الجيش المصري أن الحماية الأمريكية عنه قد تمت التضحية بها لإرضاء اللوبي الصهيوني بالولايات المتحدة، وهو أمر وارد جدا في ظل سيطرة الجناح الصهيوني المتشدد في الحزب الجمهوري على الإدارة القادمة بعد أيام، فإن تصاعد النبرة العدائية تجاه مصر على لسان عدد من المسؤولين الصهاينة مؤخرا في ظل استمرار الاحتكاك بسبب وجود قوات صهيونية في محور فيلادلفيا، قد يدفع بمصر للمعسكر الإيراني، فلن يوجد حينها حليف سواه.

ولو حدث هذا، وهو أمر ذو احتمالية غير قليلة، فإن الخريطة السياسية للشرق الأوسط قد تشهد زلزالا عنيفا.