صحافة إسرائيلية

قلق إسرائيلي من تبعات الهجرات اليهودية المعاكسة على دولة الاحتلال

زادت الهجرة العكسية داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي في العام الماضي - الأناضول
تواصل المحافل الإسرائيلية التحذير من هجرة الأدمغة، ورحيل الشباب من الدولة، التي ملأت عناوين الصحف في الآونة الأخيرة، وتشير لزيادة الهجرة العكسية، مما زاد من الأصوات التي تطالب الحكومة والوكالة اليهودية بأن تحافظا على الاتصال مع المهاجرين خارج الدولة، وإثارة اهتمامهم، من وقت لآخر، بالعودة، مع توفير فرص العمل لهم، واستثمار الموارد لاستقطاب الجيل الأصغر سناً، خشية العواقب الخطيرة لعدم عودتهم.

أكدت رئيسة جمعية "إسرائيل من أجل النقب"٬ إستير لوزاتو، أنه "على مدى السنوات المائة والخمسين الماضية، ومنذ بداية الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة، نشأت ظاهرة الهجرة إليها، والانحدار منها، المسماة حالياً بـ"الهجرة العكسية"، وتركزت الدوافع الرئيسية لمن غادروا الدولة في الأسباب الاقتصادية والشخصية والمهنية وغيرها".

وأضافت في مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته "عربي21" أن "اليوم يضاف اعتبار آخر لدى المهاجرين الإسرائيليين يتمثل بإصابتهم بخيبة الأمل من المشروع الصهيوني، كما حصل خلال الهجرتين الأولى والثانية أوائل القرن العشرين، ثم استمرت الظاهرة بعد إنشاء دولة الاحتلال، وظهرت معالمها البارزة في حقبة الستينيات قبل حرب 1967 المسماة فترة "الركود المحبط"، حيث شهدت الدولة موجة من الانحدار والهجرة العكسية، وهو ما تكرر بعد حرب 1973، نظرا لصدمة الحرب، وفقدان الثقة في القيادة، والأزمة الاقتصادية".

وأشارت إلى أنه "في الثمانينيات دفع ارتفاع التضخم كثيرا من الإسرائيليين للبحث عن الاستقرار الاقتصادي خارج الدولة، كما دفعت حرب لبنان الأولى 1982 بهم إلى المنفى، خاصة من بين النخبة الاجتماعية والثقافية، وفي التسعينيات رغم موجة الهجرة الكبيرة من الاتحاد السوفييتي السابق نحو دولة الاحتلال، لكن العديد من اليهود غادروها إلى كندا وأماكن أخرى، وفي حقبة انتفاضة الأقصى أوائل القرن الحادي والعشرين، وتحت تأثيرها، ازداد الانحدار والهجرة العكسية، التي باتت ظاهرة مرافقة لليهود، وجزءًا لا يتجزأ من التاريخ الصهيوني".

وأكدت أنه "ستكون هناك دائمًا تكاليف وتقلبات في نطاق الهجرة لدولة الاحتلال، ومغادرتها، رغم أن عدد سكانها اليوم يشهد نمواً أكثر ثباتاً، ويعد معدل الزيادة الطبيعية، وحجم الهجرة إليها، حسب عدد المهاجرين، من أعلى المعدلات في العالم، وبحلول نهاية 2024، قُدِّر عدد سكانها بـ10.027 مليون نسمة، 76.9% يهود، و21% فلسطينيون، و2.1% آخرون".

وأكدت أن "الأطباء وشركات التكنولوجيا الفائقة لسان حالهم "امسكوني"، وإلا فإنهم سيغادرون الدولة، مما يجعل من التهديدات الموجهة ضدهم سلاحا ليس فعالا، رغم تزايدها خلال فترة الانقلاب القانوني، وتحولت من التهديدات الضمنية إلى التهديدات الصريحة، ورغم أسفنا على كل إسرائيلي يغادر الدولة، لكن يجوز لأي منهم أن يهاجر لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، دون أن نحول هذا لأداة للتهديد والضغط".

وأوضحت أن "تركيز المهاجرين من الدولة على فئات خبراء التكنولوجيا العالية والطب أمر مؤسف، لأن دولة الاحتلال استثمرت العديد من الموارد الهائلة في تطوير هذه البنية التحتية التكنولوجية والطبية، مما جعلها واحدة من أكثر دول العالم تقدماً فيها، مما يثير قدرا كبيرا من القلق في تركيز المهاجرين على هذه الفئة النوعية، وكذا الحال بالنسبة لضباط الاستخبارات الذين هددوا بأنهم سيتركون الجيش، ويغادروا الدولة، إذا أُجبروا على الانتقال للنقب بعد نقل قواعدهم العسكرية للجنوب".

وأكدت أنه "لا يجوز أن نصل لحالة يعلن فيها الإسرائيليون غير الراضين عن سياسة معينة، أو عن قرار حكومي ما، أنهم سيغادرون الدولة، بغض النظر عن الحجة التي يروّجونها، لأنها لا تصمد، بما فيها ارتفاع تكلفة المعيشة، وشروط الرواتب، وهنا يمكن الحديث بكثير من الصراحة على أن تراجع الاقتصاد الإسرائيلي هو السبب وراء زيادة الهجرة العكسية، مع أنه يقف حاليًا على مستويات عديدة فوق الاقتصادات الغربية، التي تعاني نقصاً بمحركات النمو، ونقص الإبداع، والتضخم، والهجرة التي تخلق ضغوطًا اقتصادية هائلة".

وأشارت إلى أن "ما يروجه المغادرون للدولة من ذرائع اقتصادية ومعيشية لتبرير هجرتهم يتعارض مع ما حققته الدولة على مدى العقود الثلاثة الماضية من ارتفاع اقتصادها إلى قمة الدول الغربية، ومواصلة ريادتها في الابتكار التكنولوجي والنمو، حتى في 2024، عام الحرب ونزع الشرعية العالمية، كان وضعها أفضل بما لا يقاس من وضع الدول الغربية الرائدة في جميع المؤشرات الاقتصادية: الناتج المحلي الإجمالي، نصيب الفرد، النمو، العجز، نسبة الدين، مما يجعل إيراد الأسباب الاقتصادية للهجرة العكسية أمرا مفاجئاً".

وخلصت إلى القول إن "تفكير الإسرائيليين في الهجرة العكسية من الدولة في هذه الأيام، في ظل موجة معاداتهم وكراهية الدولة المشتعلة في العالم، أمر غير مقبول، رغم ما تشهده من انقسام سياسي واجتماعي، لا سيما وأن نتيجتها الفورية تتمثل في كونها خطوة جذرية نحو انفصال المهاجرين للخارج عن العائلة والأصدقاء والمحيط المباشر، وفي بعض الحالات لا تصبح هناك طريق للعودة".

 وأضافت أن "الهجرة العكسية أو الانحدار تعني فشلا تربويا وأخلاقيا، والرد يتمثل بتعزيز الهوية اليهودية والارتباط بالأرض، واستخلاص الدروس من الانقسام الاجتماعي المتعمق في السنوات الأخيرة، واتخاذ إجراءات للحد من الخطاب الانقسامي والتحريضي بين الإسرائيليين، وعدم السماح للقوى المتطرفة بجرّهم لصراعات داخلية خطيرة".