ملفات وتقارير

بعد اعتقال القرضاوي.. ما سر عداء الإمارات لمعارضي السيسي؟

الإمارات تواصل عمليات التضييق على المعارضين المصريين والناشطين المناهضين للسيسي- الأناضول
ظلت فكرة المصريين عن الإمارات هي الوجه البشوش للشيخ زايد بن سلطان، الذي يحمل اسمه أحد أرقى أحياء غرب العاصمة المصرية القاهرة، إلا أن تلك الصورة غبرها دعم حكام أبوظبي للانقلاب العسكري الذي قادة رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، وكانت شريكا في وأد أول تجربة ديمقراطية لأول رئيس مدني مصري، الراحل محمد مرسي.

وتواصل الإمارات عمليات التضييق على المعارضين المصريين والناشطين المناهضين لحكم السيسي، والرافضين لسياساته، في وقائع كان آخرها طلب أبوظبي من لبنان تسليم الشاعر والناشط المصري عبدالرحمن يوسف القرضاوي، لها ومحاكمته بتهم ارتكاب أعمال من شأنها إثارة وتكدير الأمن العام.

والخميس، أكدت أبوظبي استلامها نجل الداعية الإسلامي الراحل الشيخ يوسف القرضاوي من لبنان، وتوجيه تهمة له بارتكاب أعمال من شأنها إثارة وتكدير الأمن العام، وسط مخاوف من "هيومن رايتس ووتش"، بمواجهته محاكمة جائرة وخطرا حقيقيا بالتعرض لانتهاكات أخرى، بما في ذلك التعذيب.


وكانت السلطات اللبنانية قد اعتقلت القرضاوي في 28 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لدى عودته من سوريا، بناء على مذكرة توقيف صادرة بحقه في مصر، وطلب توقيف آخر صدر في 30 ديسمبر من الإمارات.

تلك الأحداث تأتي عقب زيارة قام بها القرضاوي للعاصمة السورية دمشق بعد هروب الرئيس المخلوع بشار الأسد، إلى روسيا في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وتولي أحمد الشرع رئيس "هيئة تحرير الشام"، الحكم في خطوة لا ترضي العديد من الدول العربية وبينها مصر وحليفتيها الإمارات والسعودية.

"اعتراف تأخر 6 سنوات"
وفي الأثناء، اعترف الدكتور محمد محسوب وزير الشؤون القانونية والبرلمانية المصري في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، بأن واقعة توقيفه في إيطاليا آب/ أغسطس 2018، ومحاولة اختطافه والتي انتهت بإطلاق سراح روما له ورفضها طلب النظام المصري ترحيله إلى القاهرة، كانت بتدخل إماراتي.

محسوب وعبر موقع "إكس"، أكد أنه آثر ألا يفصح عن ذلك في حينه، مشيرا إلى أن واقعة القرضاوي الابن، تكشف أن القيادة الحالية للإمارات الشقيقة لا تتوقف عن تبني سياسة غير حكيمة في مواجهة ثورات الربيع العربي، التي لو فكروا بعقل وحكمة لأدركوا أنها ستكون طوق نجاة للمنطقة مما يعصف بها".

وقال إن "اختطاف عبدالرحمن يوسف، إضافة جديدة لتاريخ من السياسات الخاطئة، والتي أوحت لكثيرين بأن البعض لا يرجو لمصر إلا أن تكون دولة مريضة، للاستيلاء على مرافقها وقطاعاتها الاقتصادية بأثمان بخسة".

وأكد أنهم "لا يدكون أن قيمتهم تعلو واستثماراتهم تزدهر فيما لو كانت مصر قوية، حرة، ديمقراطية، تعلو فيها الحقوق، ويتراجع عنها الفساد، ولا تمد يدها لأحد إلا بالخير".

وكرر، حديثه قائلا إن "السياسة الحالية لقيادة دولة الإمارات الشقيقة، لا تأتي من رؤية حكيمة بل تستند لمخاوف وهمية حول تصدير ثورات، دون فهم لاختلاف الظروف والبيئات، وتنبعث من أحلام التوسع والنفوذ والهيمنة، لا تراعي النتائج والمآلات".

"الخوف من الربيع"
وفي ذات سياق حديث محسوب، رأى الباحث المصري هشام جعفر، أن الهدف من القبض على عبدالرحمن القرضاوي في لبنان وترحيله إلى الإمارات، "هو القضاء على كل ما تحمله لحظة هروب الأسد من دلالة لاستعادة روح الربيع العربي بالمنطقة".

‏ رئيس مؤسسة مدى للتنمية الإعلامية، وكبير مستشاري المركز الإقليمي للوساطة والحوار، أضاف عبر صفحته على "فيسبوك": "أقول وأكرر أن سؤال التغيير في المنطقة لا يزال مطروحا، ولم يتقدم أحد لتقديم إجابة عليه، وأول العاجزين هو الثورات المضادة".



ودعا نشطاء إلى "تدشين حملة لمقاطعة للإمارات، عبر وسائل التواصل الإجتماعي سواء للمنتجات أو السياحة أو النوادي الرياضية، مع التعريف بجرائم النظام الإماراتي وانتهاك حقوق الإنسان".

"عربي21"، تحدثت إلى سياسيين ونشطاء عن سر عداء الإمارات للناشطين والمعارضين المصريين، وحول ما إذا كان ذلك العداء بسبب دورهم في كشف نواياها وخططها في مصر والاستيلاء على مرافقها وقطاعاتها الاقتصادية بأثمان بخسة، مشيرين إلى أن مخاوفها من تصدير ثورات الربيع العربي إليها من سوريا ومصر تدفعها لفعل الكثير.

"السر في أجندتها"
ومن وجهة نظر حقوقية، قال الحقوقي المصري خلف بيومي، لـ"عربي21": "تعتبر الإمارات أشد الدول عداء لثورات الربيع العربي؛ وساهمت في أفعالها بصور متعددة".

ويعتقد مدير "مركز الشهاب لحقوق الإنسان"، أن "سر عدائها يرجع لأجندتها الخاصة بقتل كل حراك عربي يخلق الريادة للدول، وخاصة مصر، في وقت أصبحت تتحكم فيه بنفوذها المادي في تلك الدول".

وأكد أن "ذلك العداء يزداد مع زيادة فضح مخططها وخاصة الرامي للتطبيع مع إسرائيل"، ملمحا إلى أن "معارضين كثرا عانوا من ملاحقة دولة الإمارات داخليا وخارجيا، وصدرت الأحكام على مصريين بالسجن لمجرد انتمائهم السياسي".

وأوضح بيومي، أنه "لم تكن ملاحقة عبدالرحمن يوسف خارجيا، هي الأولى، فقد سبقت ملاحقة الدكتور محمد محسوب بإيطاليا، وحاولت الضغط لتسليمه لولا رفض روما ذلك".

"رعب خليجي"
وفي رؤيته، قال الحقوقي والإعلامي المصري هيثم أبوخليل: "دعني أذكر بلقاء لوفد من المجلس الثوري المصري في كانون الثاني/ يناير 2015، في واشنطن حينها أكدت لهم الخارجية الأمريكية أن واشنطن والإدارة الأمريكية لم يكن لها دور ودخل في الانقلاب العسكري منتصف 2013، والذي حدث كان بترتيب سعودي إماراتي".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "وفي النهاية ربما كان هناك تنسيق مع الجيش الأمريكي الذي كان على تواصل دائم مع السيسي".

وانتقل للحديث عن الخوف من تصدير الثورات، مؤكدا أنه "يمثل رعبا خليجيا، وكل بلد يقاومه بطريقته، فهناك من يحتويه وهناك من يُظهر له العداء السافر".

ولفت إلى أن "الأنظمة الهشة لا تتحمل أن يحصل الشعب المصري وأكبر دولة عربية سكانا على الحرية والديمقراطية، ورئيس مدني ينزل للصلاة مع الناس، ويطلق نداءات مثل (لبيك غزة)، و(لبيك سوريا)، وغيرها".

وبين أن "الخليج لم يكن ليتحمل ذلك الحديث؛ لأنه كما أن الثورات عدوى فإن رياح الديمقراطية وتقديم نموذج حي لديمقراطية على الأرض يصنع مشكلة كبيرة لهم".

وشدد على أنهم "يريدون مصر منهارة تُباع قطعة قطعة؛ حتى يقولوا لشعوبهم: انظروا لا نريد أن نصبح مثل تلك الدول التي تعاني مشاكل وأزمات، وانظروا لما وصلت له مصر، ولديكم حاكم من العائلات الحاكمة اصبروا عليه".

وخلص أبوخليل، للقول: "إذن مشكلة الإمارات ليست مع النشطاء المصريين فقط؛ بل مع كل صوت ومع كل من يفرد ظهره مهما كانت جنسيته وديانته، وفي النهاية هم دعاة تطبيع مجرمون وأدوات لقمع الشعوب في بلدانها".

"استراتيجية الإمارات"
وفي قراءته السياسية، قال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح المنير: "ما حدث مع القرضاوي الابن، يعكس عداء الإمارات للناشطين المصريين كجزء من استراتيجيتها الأوسع بمواجهة ثورات الربيع العربي، التي تمثل تهديدا مباشرا للنظم الاستبدادية".

المنير، أوضح لـ"عربي21"، أن "الإمارات تنظر للنشاط السياسي المصري المعارض، خاصة الذي يدعو للديمقراطية والتغيير، على أنه خطر يمتد لحدودها، إذ تخشى من انتقال العدوى الثورية وفق نظرية الدومينو السياسية".

وأضاف: "بالمقارنة، نجد الإمارات اتبعت سياسات مشابهة تجاه ناشطين من تونس، ليبيا، واليمن، حيث إنها دعمت قوى مضادة للثورات، مثل دعم حفتر ليبيا وقيس سعيّد تونس"، مبينا أن "هذه السياسات تُظهر أن الإمارات لا تستهدف المعارضين المصريين فقط، بل تسعى لتثبيت حكم استبدادي شامل بالمنطقة وإن كان اهتمامها بمصر أكبر نظرا لمركزيتها وأهميتها في العالم العربي".

"المعارضون وكشف نوايا الإمارات"
يعتقد الباحث المصري أن "المعارضين المصريين كشفوا العديد من الملفات التي أحرجت الإمارات ليس في مصر فحسب، ولكن في كل الوطن العربي؛ فهي من موّلت ودعمت (حركة تمرد) عام 2013، ونسقت مع السيسي للانقلاب على الرئيس مرسي، وتدخلت في السودان وليبيا وتونس، وأخذت على عاتقها إجهاض الربيع العربي".

وألمح إلى "تدخلاتها بالاقتصاد المصري وزيادة مساحة نفوذها وسيطرتها على القرار السياسي والسيادي بمصر ما شغل المعارضين المصريين مع استحواذها على قطاعات حيوية بأثمان متدنية، كاستحواذ "موانئ دبي" على منافذ استراتيجية مصرية".


"وشراء أصول تابعة للدولة بأسعار أقل من قيمتها السوقية، مثلما حدث مع الشركة الوطنية للبترول، ومشروع رأس الحكمة الكعكة الكبيرة التي حصلت عليها بأثمان بخسة".

ويرى أن "تسليط الضوء على هذه التحركات أدى لزيادة القلق الإماراتي من النشاط المعارض، خصوصا مع تزايد الضغط الدولي على ممارساتها"، مبينا أن "مثل هذه الإفصاحات تؤكد أن نشاط المعارضين يهدد صورتها كحليف استراتيجي موثوق للغرب، فسجلها لدى منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية يندى له الجبين".

"سجل الإمارات في توقيف المعارضين"
وقال المنير إن "للإمارات تاريخا واضحا بتوقيف المعارضين المصريين وتسليمهم، وواقعة عبدالرحمن يوسف تكشف كيف تحولت أبوظبي لنموذج عصابات المافيا وليس الدول المحترمة في تجاهل تام للمواثيق الدولية المتعلقة بحماية الحقوق الإنسانية، وكذلك دورها في توقيف محسوب بإيطاليا عام 2018".

وأكد أن "الإمارات تعتمد بهذه السياسات على قوتها الاقتصادية للتأثير على الدول المضيفة للمعارضين، عبر اتفاقيات اقتصادية، واستثمارات مباشرة، وشراء للذمم".

وأشار المنير، إلى أن مخاوف الإمارات من تصدير الثورات تتجلى في عدة مظاهر، هي: "اعتمادها على نموذج اقتصادي ريعي واستقرار سياسي مستند لغياب المعارضة، وهو نموذج معرض للاهتزاز مع أي حراك شعبي".

وكذلك "قمع المعارضة لديها، كما حدث مع أعضاء "جمعية الإصلاح الإماراتية" من اعتقال وسجن لمطالبتهم بالإصلاح السياسي"، وأيضا "دعم الأنظمة الديكتاتورية بمصر وتونس وغيرهما ضمن استراتيجية وقائية لمنع انتقال الفكر الثوري لمواطنيها".

وقال إنه "بالمقارنة مع دول خليجية أخرى مثل قطر، التي تبنت موقفا داعما للربيع العربي، يمكن رؤية الفارق الواضح بين نموذج الإمارات القمعي ونموذج قطر الأكثر انفتاحا؛ وهي الآن تحاول استيعاب ما حدث بسوريا وامتصاص صدمة سقوط بشّار حتى تعيد ترتيب أوراقها لتحريك الثورة المضادة هناك، كما فعلت بدول الربيع العربي".

ويرى الباحث المصري، أن "هذه السياسات العدائية للشعوب العربية ستعمق عزلتها الشعبية بالمنطقة، وتزيد من التوترات الدولية مع تنامي الانتقادات الموجهة لسجلها الحقوقي، كما أن اعتمادها على قوتها الاقتصادية لا يمكن أن يستمر مع التقلبات الاقتصادية العالمية مما يؤدي لانكماش دورها الإقليمي إذا تراجعت قدرتها الاقتصادية والسياسية على دعم الأنظمة الاستبدادية".

وفي نهاية حديثه أعلن المنير، عن تضامنه مع الشاعر عبدالرحمن يوسف مطالبا السلطات الإماراتية بـ"الإفراج الفوري عنه، والانحياز لخيارات الشعوب، وأن تعلم أن التسلط والتجبر نهايته معروفة في التاريخ".

"مظلة الكيان المحتل"
وفي تقديره، قال القيادي بحزب "الحرية والعدالة" المصري الحاكم سابقا، محمد سودان: "الإمارات كانت 7 جزر متفرقة باسم (إمارات الساحل المتصالح) وتحت وصاية بريطانيا التي تركتها عام 1968، ‏ليقرر حكامها في شباط/ فبراير 1972، إنشاء وحدة فيدرالية باسم الإمارات العربية المتحدة، ويحكم آل راشد دبي وآل نهيان أبوظبي".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد السياسي المصري أن "حكام الامارات استبدلوا الوصاية البريطانية بوصاية صهيونية، فأصبحت مشاريعها السياسية والاقتصادية تسير تحت هذه المظلة".

ويرى أن أسباب عداء الإمارات للربيع العربي ولأي صوت معارض للحكام المستبدين بالمنطقة، هي أن "معظم حكام العالم العربي الآن يسيرون تحت مظلة ووصاية الكيان المحتل، ولو أعلنوا عكس ذلك".

وأوضح أنه "بالتالي أية فرصة لتغيير هذه السياسة والنهج تضر بمشروع الكيان المحتل بالمنطقة، وأبوظبي تعتبر نفسها الشريك الأعظم للكيان، وهناك أعداد كبيرة من اليهود والصهاينة حصلوا على جنسيتها، ويتحركون بها وكأنهم من العرب".


ولفت إلى أن "مشروع (إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات) قائم، وأية معارضة للأنظمة العربية الآن ستؤثر على استقرار حكم الحكام الخاضعين للكيان، وتؤثر سلبا على إجراءات ومراحل تنفيذ المشروع".

ويرى سودان، أن "تسليم عبدالرحمن القرضاوي للإمارات، فرصة ذهبية وصلتهم بسهولة غير متوقعة، خاصة وأنه شاعر مفوه، ومعارض صريح للأنظمة العربية المستبدة والمطبعة وأيضا الكيان المحتل، وإسكات صوته مطلوب منهما خاصة بعد مجازر الاحتلال الدموية في غزة وصمت جل الحكام العرب صمت القبور وتعاون أغلبهم بحصار أهلنا بالقطاع دعما للكيان المحتل".

وأشار إلى أن "مخاوف الإمارات من تصدير ثورات الربيع العربي إليها تأتي في ظل رغبتها ورغبة الكيان المحتل بأن تكون المنطقة خاملة بلا حراك خاضعة للحكام المنبطحين لإسرائيل وأمريكا، وانتقال عدوى الثورات من بلد لأخرى يُفسد مراحل تنفيذ المشروع الأكبر ويطيل مدة تنفيذه، وبالتالي فإن وأد هذه المشاريع في بدايتها مطلب الكيان ومن يسبح بفضائه".

وختم السياسي المصري بالقول: "هناك قائمة رسمية أصدرتها الإمارات بأسماء بعض المعارضين لنظامها من الإماراتيين وجنسيات أخرى ومنهم مصريون وسوريون، وتضم العديد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين".