كتاب عربي 21

هل يمكن أن تلتقي إيران مع إسرائيل ضد تركيا في سوريا؟

إيران تأخذ خيار التعاون مع واشنطن في سوريا ضد تركيا بعين الاعتبار على غرار التعاون الذي أنشأته مع واشنطن في أفغانستان والعراق، وحقيقة إيران وإسرائيل تريدان أيضا الهدف نفسه لأسباب مختلفة.. (الأناضول)
عندما أطاح الثوّار في سوريا بنظام الأسد، نسفوا بذلك هيكلا عمل الإيرانيون على بنائه منذ ما يقارب النصف قرن، وأتاح لهم اختراق العالم العربي وبث الطائفية والفرقة والخلاف والاقتتال والدمار في المنطقة، حيث تحوّلت سوريا إلى منصّة انطلاق لمشروعهم التوسّعي تحت شعار مقاومة إسرائيل وإخراج الأمريكيين من المنطقة.

وعليه، ليس هناك مبالغة في القول؛ إنّ إيران كانت أكبر الخاسرين في سوريا بعد أن كانت سياساتها قد أدّت إلى تدمير البلاد بشكل كامل، وقتل قرابة مليون سوري، وتشريد أكثر من نصف سكّان البلاد، حوالي 12 مليون في كل أنحاء الأرض. لكن، بدلا من أن يعترفوا بالهزيمة، ويعيدوا التفكير في سياساتهم، ويتصالحوا مع الشعب السوري، ويعتذروا عن مجازرهم ويعوّضوا السوريين، بدؤوا بالبحث سريعا عن طرق لتخريب المرحلة الانتقالية في سوريا، ودفعها إلى مزيد من الخراب.

المشكلة أنّهم لم يخفوا ذلك كما ناقشتُ في المقال السابق في عربي 21، لكن الجديد انّهم يريدون أن يكون التخريب مشتركا بالتعاون مع الولايات المتّحدة ومع إسرائيل بالتعبيّة، كي يعيد ترميم العلاقة ويحمي نظامهم بعد أن انهارت استراتيجية الدفاع المتقدّم التي كانوا يتّبعونها. ويقترح الإيرانيون حاليا أن يتم دعم الأقليات في سوريا، مع تحديد المكّون الكردي المسلّح كهدف؛ لأنّه يرتبط بكل من أمريكا وإسرائيل، وباستطاعة مثل هذا الدعم للمليشيات الكردية الإرهابية، أن يؤمّن كذلك أجندة مشتركة لإيران مع الولايات المتّحدة ضد تركيا.

إنّ إيران كانت أكبر الخاسرين في سوريا، بعد أن كانت سياساتها قد أدّت إلى تدمير البلاد بشكل كامل، وقتل قرابة مليون سوري، وتشريد أكثر من نصف سكّان البلاد، حوالي 12 مليون في كل أنحاء الأرض.
ولكن وكما هو معلوم، فقد شدّد ترامب خلال دورته السابقة على ضرورة انسحاب القوات الامريكية من سوريا، وهو يرى أنّ دعم هذه المليشيات الكردية الانفصالية أمر غير صائب وغير مجد، ويقوّض المصالح المشتركة مع دولة قوية في المنطقة كتركيا. ولأنّ التوقعات تشير إلى أنّ ترامب لا يزال متمسكا بموقفه، وأنّه سيسير في هذا الاتجاه ما أن يستلم السلطة في هذه الدورة، عملت مليشيات "واي بي جي" الكردية حثيثا للبحث عن كفيل آخر، وقد تقاطع ذلك مع جهود إسرائيل وإيران لتقويض موقع ودور تركيا.

 ولذلك، فقد تواصلت إسرائيل مع المليشيات الكردية منذ العام 2019 على الأقل، وذلك وفقا لتصريح نائب وزير الخارجية الإسرائيلية آنذاك تزيبي هاتوفلي، متزامنة مع تعهد من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بدعم المليشيات الكردية في وجه ما أسماه الغزو التركي. وبخصوص إيران، كشف وزير الدفاع التركي يشار جولّير في مقابلة مع صحيفة ملييت التركية في أيار/ مايو 2024، عن أنّ بلاده كانت تزود إيران بأماكن وجود عناصر حزب العمّال الكردستاني، عند تنفيذهم عمليات في تركيا وعبورهم إلى الجانب الإيراني، وذلك من أجل استهدافهم، لكنّ طهران كانت تمتنع عن الاستهداف متذرّعة بأنّه لا يوجد مقاتلون على أراضيها في الأماكن التي تم تحديدها، إلى أن فاجأهم الجانب التركي بصور جوّية لاحقا، تثبت بطلان الادعاءات الإيرانية.

بعد الإطاحة بنظام الأسد في شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، تسارعت وتيرة التصريحات الإسرائيلية الداعمة للمليشيات الكردية والمهاجمة لتركيا، وكان ذلك مؤشرا على أن الجانب الإسرائيلي سيتولى مهمة دعم المليشيات الكردية في حال انسحاب القوات الأمريكية، حتى إنّ اللوبي الإسرائيلي مارس نفوذه مؤخرا، مما دفع أعضاء من الكونغرس بإعداد مشروع قانون، ينص على سلسلة من العقوبات التي يمكن فرضها على تركيا، في حال فكّرت في اغتنام الفرصة ومهاجمة المليشيات الكردية.

وبموازاة ذلك، خرج مهدي خان علي زادة، وهو مسؤول إيراني يشغل منصب مدير موقع قناة "برس تي في" الحكومية، ووسائل التواصل الاجتماعي التابعة له، والمستشار الأول للرئيس التنفيذي للقناة، ليقول؛ إنّه "يجب على إيران أن تتعاون مع الولايات المتحدة في سوريا، تماما كما فعلت من قبل في العراق، وذلك من خلال دعم وحدات حماية الشعب الكردية مليشيات "واي بي جي" الإرهابية". سأله المذيع عندها: "ضدّ من؟"، فأجاب مهدي: "ضد تركيا".

مثل هذا المقترح، هدفه إضعاف سوريا الجديدة ما بعد الأسد، من خلال توظيف واستخدام ودعم الأقليات، وتقويض دور ونفوذ تركيا الإقليمي. المسؤول الإيراني ليس لديه حرج في أن يقول ذلك بشكل علني، فبعد أن كانوا ولا زالوا يدعمون الطائفية والمذهبية والعنصرية علنا من خلال بعض الأقليات المذهبية، يفعلون الشيء نفسه الآن باستخدام الأقليات العرقيّة.

المقطع التلفزيوني الخاص بمهدي، تمّ تداوله على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي العربية والتركية على وجه الخصوص، ما دفع الإعلامي الإيراني علي زادة إلى القول في تغريدة له؛ إنّ هذا التصريح أعطى خصوم إيران دليلا إضافيا لاتهام إيران وقائدها بالنفاق، ودليلا إضافيا على أنّ إيران تتعاون مع أمريكا لضرب الحكومات الإقليمية، في وقت يدعو قائدها إلى الوحدة الإسلامية وإلى إخراج أمريكا من المنطقة، مشيرا إلى أنّ تصريحات كهذه، تحرق مصالح إيران وتجعلها دولة مكروهة بشكل أكبر في الإقليم، ناصحا المسؤولين الإيرانيين أن يناقشوا مثل هذه الأمور خلف الأبواب المغلقة، وفي مراكز الأبحاث والدوائر الخاصة، وليس على التلفزيونات.

لكن في الأول من كانون الثاني/ يناير 2025، تم بث مقابلة متلفزة أخرى مع محمد حسين عادلي، وهو سياسي إيراني ودبلوماسي سابق، وخبير اقتصادي، وأستاذ جامعي، قال فيها؛ إنّه" خلال الـ20 عاما الماضية، كان لدينا (إيران) خلافات مع الولايات المتّحدة الأمريكية في المنطقة، لكن كان لدينا أيضا مصالح مشتركة مثيرة للاهتمام مع الولايات المتّحدة الأمريكية، كإسقاط نظام طالبان في أفغانستان وصدّام في العراق، الأمر الذي أفضى إلى نوع من التعاون. لذلك، نحن لدينا اليوم الكثير من المصالح المشتركة مع الولايات المتّحدة في المنطقة. يضيف عادلي: "خذ في عين الاعتبار أنّ العلاقة بين إيران والولايات المتّحدة الامريكية قد تمّ اخذها كرهينة من قبل عدد من اللاعبين الإقليميين والدوليين، ويجب علينا ألا ندع هؤلاء اللاعبين يحدّدون شكل ودرجة العلاقة التي تربط بين إيران والولايات المتّحدة الأمريكية".

بعد الإطاحة بنظام الأسد في شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، تسارعت وتيرة التصريحات الإسرائيلية الداعمة للمليشيات الكردية والمهاجمة لتركيا، وكان ذلك مؤشرا على أن الجانب الإسرائيلي سيتولى مهمة دعم المليشيات الكردية في حال انسحاب القوات الأمريكية.
في 3 كانون الثاني/ يناير، قالت صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية؛ إن وزير الخارجية، جدعون ساعر، أجرى محادثة هاتفية مستفيضة مع مسؤولة العلاقات الخارجية في القوات التي تقودها مليشيات "واي بي جي" الكردية، إلهام أحمد. وخلال محادثاتهما، ادّعت إلهام أنّ هناك اعتقالات تعسفية بحق الأكراد وإعداما لمواطنين أكراد من قبل الحكومة السورية الجديدة، على حد زعمها. وأشارت الصحيفة، إلى أن الحوار بين إسرائيل وهذه المليشيات موجود منذ فترة، لكنه بات أقوى بعد سقوط نظام الأسد.

وبالتوازي مع التنسيق الإسرائيلي، نشرت تقارير إعلامية في 5 كانون الثاني/ يناير خبر لقاء قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآني مع المدعو مظلوم عبدي، قائد مليشيات "واي بي جي" الكردية المنضوية تحت قسد، التي تعد فرعا من حزب العمّال الكردستاني الإرهابي،  وذلك في السليمانية في العراق.

تبع ذلك تعليق متلفز لنائب وزير خارجية إسرائيل في 7 كانون الثاني/ ينابر 2025، قال المسؤول الإسرائيلي فيه؛ إنّ على المجتمع الدولي أن يجعل مطلب حماية الأقليات في سوريا على رأس المطالب في أثناء لقائهم مع قادة سوريا الجدد. وبالنسبة إلى الأكراد، أشار الوزير الإسرائيلي إلى أنّه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ تركيا تحتل 15% من شمال سوريا، وأنّ للأتراك مليشياتهم، وهم يهاجمون الأكراد واستقلاليتهم ويقتلونهم ويقصفونهم. على المجتمع الدولي أنّ يدعو تركيا إلى وقف هذا العدوان والقتل.

ما يمكن استنتاجه من كل هذا، هو أنّ إيران تأخذ خيار التعاون مع واشنطن في سوريا ضد تركيا بعين الاعتبار، على غرار التعاون الذي أنشأته مع واشنطن في أفغانستان والعراق، وحقيقة إيران وإسرائيل تريدان أيضا الهدف نفسه لأسباب مختلفة، يعني أنّ تقاطع المصالح بينهما قائم، والإجماع على دعم مليشيات "وا بي جي" هو بمنزلة عامل ميسّر لهذا التقاطع تماما، كما كان عليه الأمر في محاربة "الإرهاب". هل ستنجحان في ذلك؟ سؤال سيبقى مفتوحا إلى حين.