مع طي صفحة نظام البعث السوري٬ ورئيسه المخلوع
بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر الجاري، بعد سنوات من القتل والتعذيب والتهجير للشعب السوري، شهدت المنطقة سلسلة من التحولات السياسية، داخلياً وخارجياً، كان أبرزها في
لبنان الذي تأثّر لعقود بسياسات النظام السوري.
على مدار أكثر من 50 عامًا من حكم آل "الأسد"، شكلت العلاقة بين لبنان وسوريا مسرحًا متغيرًا بين التحالف والتوتر، حيث لعب النظام الحاكم في
سوريا دورًا محوريًا في هذه العلاقة، التي تخللتها فصول من التدخل العسكري منذ بداية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975.
وتضمنت هذه الفصول مرحلة "اتفاق الطائف" عام 1990، حيث تولت سوريا الإشراف على تطبيقه، وصولاً إلى مرحلة الانسحاب السوري من لبنان عام 2005. بالإضافة إلى ذلك، شهدت العلاقة بين البلدين محطات عديدة ومهمة أثرت في مسارها.
وبعد انهيار نظام البعث، وجد حلفاؤه اللبنانيون أنفسهم في موقف سياسي حرج، حيث بدأ بعضهم في إعادة تموضعهم داخل الخارطة السياسية الجديدة. وشهدت الساحة اللبنانية تصريحات مفاجئة من سياسيين وإعلاميين، كانوا حتى وقت قريب يُعتبرون من أبرز داعمي الأسد، إلا أنهم تحولوا الآن إلى انتقاد سياساته ومهاجمته، سعياً للتكيف مع المتغيرات الإقليمية.
ونجحت المعارضة السورية المسلحة في إنهاء حكم المخلوع بشار الأسد بعد سلسلة معارك انطلقت من ريف حلب وصولاً إلى العاصمة دمشق، لتُطوى بذلك صفحة حكم عائلة الأسد الذي استمر لما يقرب من خمسة عقود.
وئام وهاب.. أول القافزين
من أبرز الشخصيات التي انقلبت على النظام السوري بعد سنوات من دعمه، رئيس حزب التوحيد العربي، الوزير اللبناني السابق وئام وهاب. ففي مقابلاته التلفزيونية، وجه وهاب انتقادات حادة للأسد، متهماً إياه بالهروب إلى روسيا دون أي مقاومة تذكر.
كما أشار إلى انتشار معامل تصنيع الكبتاغون في سوريا، واصفاً ذلك بأنه "غلطة كبيرة" ومسألة "لا أخلاقية"، مؤكداً أن الحل لم يكن ممكناً في ظل حكم الأسد.
اعتبر وهاب أن محور الممانعة انتهى فعلياً مع اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وأمين عام حزب الله حسن نصر الله، موجهاً نصيحة للشيعة بالدخول في مسار التطبيع والسلام مع الاحتلال الإسرائيلي.
لكنه تراجع عما قاله في منشور عبر صفحته على منصة "إكس"، موضحاً: "لم أتحدث عن التطبيع، بل قلت بأن الشيعة أعطوا فلسطين أغلى ما يملكون وفي طليعتهم السيد، فرد الإخوان وتركيا بإسقاط سوريا لقطع الطريق لذا قلت إن الأمة لا تريد أن تقاتل فرتبوا أموركم حتى لا تستمروا في دفع الثمن".
جميل السيد: "الأسد مجرم"
من جهة أخرى، وصف النائب جميل السيد، المعروف بعلاقاته الوثيقة بالنظام السوري وبشار الأسد شخصياً، الأسد بالمجرم بعد سقوطه.
في منشور له على منصة "إكس"، قال السيد: "من سخرية القدر أن قادة ميليشيات لبنانية خطفوا وقتلوا وذبحوا واعتقلوا وعذبوا وهجّروا الآلاف.. يخرجون اليوم مستنكرين جرائم النظام في سوريا. عندما ينتقد مجرمٌ مجرماً آخر، فهذا لا يجعله بريئاً، بل يجعلهما متساويين في الإجرام".
وفي منشور آخر، قال النائب اللبناني: "انتهت الحرب وانتصر المعارضون، بينما الخاسرون أطلقوا تصريحات إيجابية نحو النظام الجديد (...) وكأنها لعبة كرة قدم، مع فارق أن الكرة هنا بشرية. رحم الله من مات شهيداً أو قتيلاً، وإلى مباريات أخرى".
طلال أرسلان يحترم إرادة الشعب
أكد رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، طلال أرسلان، المعروف بعلاقته الوثيقة مع النظام السوري، في حديث صحفي على احترامه "قرار وإرادة الشعب السوري وطموحه للتغيير". وشدد أرسلان على أهمية وحدة الأراضي السورية ومنع الانزلاق إلى الفوضى أو التقسيم، داعياً إلى تحرير سوريا من الجيوش الإقليمية والدولية المتصارعة.
الإعلاميون يغيرون مواقفهم
شهدت الساحة اللبنانية تغييرات ملحوظة في مواقف بعض الإعلاميين. على سبيل المثال، وصفت الصحفية غدي فرنسيس بشار الأسد في تغريدة بـ"الوريث الغبي المجرم"، وقالت: "الأسد أو نحرق البلد... نفذ هذا الشعار بحذافيره، أحرق البلد وكذب على الجميع: الإمارات، السعودية، إيران، روسيا، والمقاومة".
عبّر الإعلامي سالم زهران عن موقفه بتهكم في حديث إعلامي، قائلاً: "إذا كان بشار الجعفري ورئيس الحكومة ووزير العدل ووزير الأوقاف سعداء، فلماذا أحزن أنا؟".
في مقابلة، قال الإعلامي فادي بودية: "بدأ الناس يلقون باللوم على حزب الله وإيران وروسيا، حلفاء النظام السوري، رغم أن هؤلاء الحلفاء لا يقاتلون عن النظام إلا عند الضرورة. الشعب السوري كان يستقبل هذا التغيير، والجيش السوري لم يقاتل، والقيادة السورية التزمت الصمت المريب".
ويذكر أن السفارة السورية في بيروت رفعت، الثلاثاء الماضي، علم الثورة السورية الأخضر المزين بثلاث نجمات، بدلاً من العلم الذي كان يعتمده نظام المخلوع السابق بشار الأسد.