يقال "كوّع الرجل" أي تراجع عن مساره، وغير اتجاهه أو مواقفه، و"كولك لفلان" أي تملق له وخطب وده، كلمات لن تجدها في معجم اللغة العربية، لكنها موجودة في القاموس الشعبي السوري، وأعيد استخدامها بكثرة مع سقوط نظام الرئيس المخلوع، بشار
الأسد.
وشهدت
سوريا
على مدار الأيّام الماضية تحولات عميقة في المشهدين الاجتماعي والسياسي، ولعب تبدل النظام دورا محوريا في إعادة تشكيل المواقف العامة تماشيا مع التحولات
الجارية. وبينما تبدو هذه التحولات ظاهرة في الحياة اليومية، فإنها تحمل دلالات
أعمق على مستوى السلوكيات الفردية والجماعية.
واستخدم
السوريون مصطلح "
التكويع" مع مشاهد تغيير عدد كبير من المؤثرين،
والفنانين، والإعلاميين، بل والسياسيين السوريين مواقفهم إثر سقوط النظام، وانتقل
من السير تجاه النظام عند أول "كوع" ليهرول نحو الثورة.
أما
"
الكولكة"، فهي رديف "التشبيح" عند أنصار النظام السابق، لكنها
تقال في حق من بدأ يتلمق النظام الجديد، حتى وإن لم يكن من أنصار النظام السابق،
لكن تصرفه يبقى في نظر البعض "مذموما".
"تكويع"
في كل الاتجاهات
وفور سقوط
النظام، سارع لاعبو كرة قدم سوريون لاستذكار المقاتل البارز في صفوف قوات المعارضة
عبد الباسط الساروت، الذي يعد أيقونة بارزة في الثورة التي اندلعت عام 2011، وكان
حارسا لمنتخب الشباب قبل الثورة.
وبعد فرار الأسد،
نشر نجوم المنتخب السوري عمر السومة، وعمر خريبين، ومحمود المواس صور الساروت.
وكشف المواس
كيف تم إجباره وآخرين من قبل مسؤولي الاتحاد باللعب في صفوف المنتخب الذي كان يمثل
النظام الساقط، أما السومة، فكان مؤيدا للثورة مع انطلاقتها، إلا أنه خضع لضغوطات
نظام الأسد، وعاد مصالحا إياه والتقى الأسد.
أما اللاعب
الدولي السابق، فراس الخطيب، فقد أشار إلى أنه أجبر على التقاط صورته الشهيرة مع
الأسد، وأنها أسوأ ما حدث في حياته، وإنه لا يتشرف بها.
وعلى الصعيد
الفني، نشر العديد من الفنانين السوريين صورا لعلم الثورة فور فرار الأسد إلى
موسكو، وتغنى بعضهم بـ"الحرية"، و"الدولة الجديدة"، و"أخلاق
الثوار"، ومن لم ينشر منهم صورة العلم، نشر قلبا بلون أخضر، في إشارة إلى
اللون الذي يستخدم في خرائط السيطرة على الأرض للدلالة على المعارضة.
وبين الفن والسياسة، نشر عارف الطويل الفنان، والنائب في البرلمان، منشورا تبرأ فيه من النظام السابق، وقال؛ إنه كان خائفا على بلده، لكن الهروب غير المشرف للأسد فاجأه.
وعلق بشار الجعفري، سفير نظام الأسد، بعد هروب الأسد قائلاً: "إن انهيار منظومة الفساد خلال أيام يشهد على عدم شعبية هذه المنظومة".
وتراجع
إعلاميون بارزون عن تأييد النظام بعد دقائق قليلة من سقوطه، وكأن شيئا لم يكن،
أشهرهم الإعلامي شادي حلوة الذي كان يتباهى بنشر صوره مع رموز النظام، لا سيما
العسكريون منهم، ومقابلاته الأشهر كانت مع سهيل الحسن، الذراع التي كان يبطش بها
الأسد بمعارضيه.
ونفى حلوة أن
يكون "كوّع" وفضل أن يعتذر من السوريين، مبررا موقفه بأن هروب الأسد لم
يكن مشرفا، ولم يترك لأحد حجة لتأييده.
أما الإعلامية كنانة علوش فأعلنت دعمها لسوريا الحرة، وكتبت عبر صفحتها على فيسبوك: "صباح الخير" مع قلب أخضر يرمز لعلم الثورة السورية.
وبين "التكويع" و"الكولكة"، يطالب البعض بعدم وصف أنصار النظام السابق بالنفاق، بل تفهم أنه كان ممنوعا عليهم التعبير عن أنفسهم، لكنهم فور سقوطه، انطلقت ألسنتهم بحقيقة ما في قلوبهم.