ملفات وتقارير

السلطات المصرية تشطب أسماء المئات من قوائم الإرهاب.. ما القصة؟

هناك تضارب في حقيقة عدد المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين- الأناضول
في سابقة لم تحدث منذ انقلاب 2013 الذي تبعه اعتقال وتوقيف وحبس ومنع آلاف المصريين من السفر والتصرف في أموالهم، أعلنت النيابة العامة المصرية، عن رفع أسماء 716 مصريا من قوائم الإرهاب والكيانات الإرهابية دفعة واحدة.

وأكد بيان صادر عن النيابة العامة، الأحد، أنه جار مراجعة موقف باقي المدرجين على تلك القوائم؛ وذلك تمهيدا لرفع من يثبت توقف نشاطه.

وقالت النيابة العامة إن الأمر جاء في إطار توجه الدولة بمراجعة موقف المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابين، مشيرة إلى أنها كلفت الجهات الأمنية بإجراء التحريات تمهيدا لرفع كل من يثبت توقف نشاطه من تلك القوائم، وأن محكمة الجنايات أجابت طلبها برفع تلك الأسماء من القائمة.



وفي السياق، حرصت فضائية "إكسترا نيوز" الإخبارية المحلية، على التأكيد على أن "استبعاد 716 اسما من قوائم الإرهاب دفعة واحدة لأول مرة هو في إطار توجيه السيسي"، مشيرة بخبر عاجل إلى أن السيسي، "حريص على أبنائه ويفتح لهم صفحة جديدة للانخراط في المجتمع مواطنين صالحين يحافظون على بلدهم ويعيشون في أمان على أرضها".

"غموض الأسماء وتساؤلات"
ولأنه وحتى كتابة هذه السطور لم يتم الإعلان عن الأسماء الـ716، فإن هناك ترقبا شديدا لنشرها في الجريدة الرسمية لمعرفة أهم الأسماء لقراءة الحدث في إطاره، وقراءة ما قد يتبعه من قرارات أخرى باستبعاد أعداد جديدة من تلك القوائم، وفق بعض المعلقين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وذهب البعض لطرح التساؤل: هل القرار يشير إلى احتمال عقد مصالحة وطنية بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين، وهل يحق للأسماء المرفوعة من قوائم الإرهاب استعادة أموالهم والسفر للخارج والعمل السياسي والاجتماعي والحقوقي والترشح للانتخابات؟

وجاءت قرارات الإدراج في قوائم الكيانات الإرهابية، وفقا لقانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين الصادر عام 2015، وكانت تصدرها محاكم الجنايات، وترتب عليها مصادرة جوازات السفر وعدم تجديدها، والمنع من مغادرة البلاد وترقب الوصول، وتجميد الأصول المالية، وعدم تولي الوظائف العامة أو النيابية، بل والوقف عن العمل.

ولكن القانون ينص على أنه مع قرار رفع الأسماء من تلك القوائم، يُعاد الوضع إلى ما كان عليه، مع استرجاع الأموال والحقوق السياسية والاجتماعية، وذلك بمجرد تنفيذ القرار واعتباره ساريا بنشره في الجريدة الرسمية المصرية.

وأوضح المحامي الحقوقي أحمد أبوالعلا ماضي، لـ"مدى مصر"، أن المعتاد تقدم الأفراد بطلبات للنيابة لرفع أسمائهم لتقوم بدورها بطلب رفع أسماء فرد أو فردين في المرة الواحدة بعد التحريات، ملمحا إلى أن النيابة هنا هي التي حددت القائمة التي أرسلتها ل محكمة الجنايات.

وهناك تضارب في حقيقة عدد المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، حيث كان عدد المدرجين على قوائم الإرهاب قد بلغ 1526 شخصا وقياديا بجماعة الإخوان عام 2018، فيما تشير بعض الإحصائيات إلى أن العدد يفوق الـ4 آلاف شخص، حيث تم إدراج أعداد أخرى في 2020.

وفي آب/ أغسطس الماضي، أكدت وحدة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في مصر، أن عدد المدرجين على قوائم الإرهاب وصل إلى 4408 مصرييين.

وسبق هذا القرار، في آذار/ مارس الماضي، حفظ السلطات القضائية المصرية التحقيقات بقضية "التمويل الأجنبي" لمنظمات المجتمع المدني، مع 75 من الجمعيات الأهلية العاملة في مصر و43 حقوقيا شملتهم تحقيقات دامت 12 عاما.

وهو القرار الذي لاقى ترحيبا حقوقيا، لكن ربطه البعض حينها بقرار الاتحاد الأوروبي منح مصر قروضا بنحو 12 مليار دولار على دفعات لعدة سنوات، قبل قرار رفع التحفظ بأيام.

كذلك وفي أيار/ مايو الماضي، ألغت محكمة النقض المصرية، قرار محكمة الجنايات إدراج لاعب الأهلي المصري لكرة القدم محمد أبوتريكة بقوائم الإرهاب، وقررت إعادة النظر في قضيته.

"آمال ما بعد القرار"
وفي قراءته، لقرار السلطات المصرية الجديد برفع أسماء 716 من قوائم الإرهاب، قال المحامي المصري عاطف عواد: "أمام هذا التطور الحاصل لا نملك بأي حال إلا أن نشيد بهذا القرار مهما كانت دوافعه".

السياسي والبرلماني المصري السابق، أضاف لـ"عربي21": "أما عن القراءة القانونية للقرار؛ فليس للقانون هنا محل حيث أن إدراج هذه الأسماء والكيانات شابها العشوائية بعيدا عن الشروط القانونية".

وأعرب عواد، عن "أمله في أن تكون هناك إرادة حقيقية بلا أي ضغوط خارجية، وبمعنى أدق بيدي لا بيد عمرو، ونأمل أن تسارع النيابة في النظر بوضع باقي المدرجين".

وتابع: "كما نأمل من السلطة أن تتحلى بالإرادة السياسية للمصالحة الوطنية، وفتح ملف سجناء الرأي".

وختم قائلا: "لم يجن الوطن من هذا الانقسام سوى العزوف العام عن المشاركة السياسية والمجتمعية الحقيقية؛ والتي هي بالأساس إحدى ركائز الحكم الرشيد".

"خطوة للمصالحة"
وفي رؤيته، وصف المحامي المصري أسعد هيكل، القرار بـ"المفاجئ"، معتبرا أنه "بادرة جيدة من النظام، لطي صفحة الماضي، ويمكن اعتباره خطوة نحو وضع أطر مصالحة وطنية شاملة بين جميع المصريين، والتي تأخر البدء فيها منذ عام 2014، كاستحقاق دستوري نصت عليه المادة 241 من الدستور".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "لكننا ننتظر ونترقب عدة خطوات أخرى، أهمها إخلاء سبيل المحبوسين على ذمة قضايا رأي وسياسة، كما نأمل أيضا في إعطاء القوي المعارضة حقها في العمل السياسي، وإطلاق الحريات، وبدء حياة سياسية جديدة، تقوم على مشاركة كافة قوى المجتمع في العمل السياسي".

وأوضح أن ذلك "سواء بتشكيل حكومة ائتلاف تضم سياسيين من مختلف التيارات، وكذلك انتخاب برلمان يمثل الشعب تمثيلا حقيقيا؛ لتعود الحياة السياسية لمصر، وتعود مصر لقوتها ومكانتها".

ويعتقد هيكل، أن "كل هذا مرهون بخطوات أخري من جانب النظام، مازلنا نتطلع إليها، هذا بصرف النظر عن أي ضغوط أو مساعدات خارجية".

"لا يمكن الوثوق به"
من جانبه، قال الباحث في التربية السياسية يحيى سعد: "لاشك أن من كان اسمه مدرجا بتلك القوائم سيتلقى هذا القرار بارتياح، إذ من الطبيعي أن يفرح المظلوم بكف الظلم عنه وتبرئته من تهمة لا يعرف هو نفسه، لماذا أُلصقت به من الأساس".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "هناك أمرين يصعب تجاهلهما"، موضحا أن الأول، هو أننا "أمام نظام لا يمكن الوثوق بتصرفاته ولا بقراراته، فقد اعتاد الشعب منه الخداع والمناورة والكذب وتوظيف كافة الأوراق لصالح بقائه في السلطة دون مبدأ ولا عهد ولا ذمة".

وأضاف: "ولا يُستبعد أن تكون هذه الخطوة مغازلة لدول خارجية من أجل الحصول على بعض المساعدات المالية أو لتجميل صورته في الملف الحقوقي، ولصرف الأنظار عن جرائمه في مجال حقوق الإنسان، خاصة بعد مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية الخميس الماضي، ضد نتنياهو وغالانت (رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير حربه السابق)".

الأمر الثاني، وفق رؤية سعد، هو أن "منظومة العدالة بمصر منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، مرهونة بالقرار السياسي، وتفتقد للنزاهة والاستقلالية والإجراءات العادلة".

وأضاف أن "هؤلاء الذين ألصقت بهم تهم الإرهاب طوال السنوات الماضية ثم ألغيت فجأة لم يكونوا يوما من الأيام إرهابيين، ولم تشهد بذلك صحائفهم الجنائية ولا توجهاتهم الفكرية، فضلا عما لحق بهم وأسرهم من أضرار مادية ومعنوية بسبب تلك التهمة الباطلة".

"حال الدولة المنبوذة"
وقال السياسي والناشط المصري ورئيس "المنظمة المصرية لحقوق الإنسان" سابقا، هشام قاسم: "المسألة وصلت لوضع خطير"، موضحا أنه "عام 2015، وفي آخر مقال أرسلته لموقع (المصري اليوم) للنشر، حذرت من مسألة القمع هذه، ومن تبعاتها الخارجية، ومن أن مصر تسير في اتجاه ما يسمى بالدولة المنبوذة".

أمين عام التيار الليبرالي الذي يضم في عضويته 3 أحزاب، أضاف لـ"عربي21"، أنه "رغم أنه لا أحد في الخارج يأخذ ضدك إجراء رغم وضع الملف الحقوقي السيئ، ولكن هذا الوضع يقلل من مكانة الدولة وقدرتها على التعامل، وبالتالي الاستفادة من المجتمع الدولي".

وأكد أن "الموقع الجيوسياسي للدولة المصرية لا يجعل دول العالم تتجاهلها أو تسقطها من حساباتها وتجعل القوى العظمى تتعامل معها؛ ولكن هذا نتيجية وضعها الجيوسياسي وليس نتيجة سياساتها ولا وضعها الاقتصادي".

ولفت إلى أن "السيسي أوصل نفسه إلى أن يُنظر له بهكذا نظرة"، مبينا أنه "في ندوة استضافتها واشنطن مؤخرا، تحدث أشهر معارض روسي عن 1300 معارض محبوس، وتكلمت أنا عن ما بين 60 إلى 100 ألف مصري محبوس".

وتساءل: "ما الذي حققه النظام مقابل كل هذه الأعداد من المعتقلين سوى سمعة سيئة؟"، ملمحا إلى أن "السيسي، ومنذ عدة سنوات يغيب عن اجتماعات الأمم المتحدة السنوية في نيويورك، فهل فعل القمع شيئا أفاد نظامه؟، على العكس الوضع مأزوم، ويبكي علنا أمام قيادات الجيش".

وأشار إلى أن "قراره اليوم بحق 716 مصريا، دفع المصريين للتساؤل: هل مرة واحدة اكتشفتم أنهم أصبحوا غير إرهابيين؟، والتساؤل ثانيا عن أعداد من تبقوا بتلك القوائم؟".

ومضي يؤكد أن "القرار يشير إلى أن النظام في مأزق، ومنظره سيء"، مبينا أنه "في مفاوضات صندوق النقد الدولي مع مصر حول قرض المليارات الثمانية تعد هذه من عوامل تقليل أو دعم موقف مصر".

ولم يتوقع قاسم أن "يتبع هذا القرار دعم مالي من الاتحاد الأوروبي مثلا، قائلا: "هو يحاول فقط أن يكون وضعه مقبول مع المطبات الكثيرة التي تحدث وألا تتسبب إحدى الأزمات في القضاء عليه، خاصة مع تصنيفه كدولة منبوذة.. وأشك في أن يدعوه دونالد ترامب للبيت الأبيض".

"إشادة وتشكيك وأمنيات"
القرار، وصفه مؤيدون للنظام في تصريحات صحفية، بينهم رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، بأنه "يعكس إرادة سياسية حقيقية لإحداث تغيير في قضايا الحريات وحقوق الإنسان"، فيما اعتبر لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب طارق رضوان، بأنها "خطوة نحو تعزيز الأمن والاستقرار".

على الجانب الآخر، يتشكك معارضون في صدق نوايا النظام من الأمر، معربين في الوقت ذاته عن آمالهم بتحقيق انفراجة حقوقية.

وفي تعليقه، قال المستشار السابق لوزير الاستثمار المصري الدكتور سمير الوسيمي إن "أي قرار أو خطوة لحلحلة المشهد الوطني وبوادر إصلاح أو مصالحة وطنية وإفراج عن معتقلين ومسجونين ومطاردين ومبعدين وممنوعين من العودة لبلدانهم حتى لو مجرد بوادر نثمنها".

وفي بث مباشر عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أكد "هذه الجهود نقبل بها شريطة الاتسام بالجدية، وأن ينتج عنها مخرجات أهمها الإفراج عن المسجونين بعد 12 عاما، وإعادة الهدوء والاستقرار للوطن"، مبينا أن "كثيرا من أزماتنا سببها هذه الحالة"، داعيا السلطة والمجتمع والمعارضة للتعاون.

وقال عضو مجلس النواب المصري النائب هيثم الحريري: "أتمني أن تحتفل مصر يوما ما بإغلاق هذا الملف، وما ترتب عليه من مآسي وكوارث وتدمير أسر وعائلات".

وقال السياسي المصري والبرلماني السابق الدكتور ثروت نافع: "خبر رفع أسماء أبرياء من قوائم الإرهاب لا يجب السخرية منه إلا المستفيدين من بقاء الوضع على ماهو عليه"، واصفا إياه بأنه "عمل محمود".

وكتب الصحفي جمال سلطان، منتقدا وضع النيابة والمحاكم المصرية مئات المصريين على قوائم الإرهاب بطلب من الأمن الوطني دون أي مستند ولا دليل، لكنه خلص للقول: "أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا".

وأكد الكاتب الصحفي أحمد حسن بكر، أن "حكم الجنايات برفع أسماء هؤلاء الأبرياء يعتبر كاشفا عن حقبة مظلمة وظالمة لأبرياء الوطن، لفقت فيها التهم بعيدا عن القانون".

وطرح عدة تساؤلات منها: "على أى أساس تم حبس هؤلاء، ووصمهم بالإرهاب طيلة السنوات الماضية، ومن سيعوض هؤلاء عن فترات حبسهم ظلما، وضياع مستقبلهم، ومستقبل أسرهم؟، وماذا عن عشرات الآلاف من الأبرياء بالسجون والمعتقلات؟".
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع