يواصل الاحتلال
الإسرائيلي استهداف المنظمات الأممية وموظفيها في قطاع
غزة، إذ تعرضت مقار ومراكز تعليمية تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين (
الأونروا) للقصف، مما أدى إلى استشهاد مئات من موظفي الوكالة، وفقاً لتقارير أممية.
كما شهدت الأسابيع الأخيرة هجمات لفظية من سياسيين إسرائيليين تجاه مسؤولي الأمم المتحدة، بمن فيهم الأمين العام أنطونيو
غوتيريش، في إطار محاولات لإضعاف دور المنظمة في المنطقة.
ويأتي هذا التصعيد وسط تواصل غارات الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث تزايدت الضغوط على المؤسسات الدولية لضمان حماية موظفيها ووقف الاستهداف الذي يعيق جهودها الإنسانية في القطاع.
استهداف غوتيريش
وتقوم السلطات الإسرائيلية بمنع عدة بعثات تابعة لوكالة الأونروا في المنطقة، متهمة الوكالة بأنها "امتداد لحماس" و"منظمة تعمل ضد إسرائيل". وامتدت الانتقادات الإسرائيلية إلى اتهام الأمم المتحدة بمعاداة السامية، مستهدفة الأمين العام أنطونيو غوتيريش، إذ وصف مسؤولون إسرائيليون المنظمة الأممية بأنها "كيان معادٍ لإسرائيل ومعادٍ للسامية" تحت قيادته.
كما اعتبرت حكومة الاحتلال دعوات غوتيريش لوقف إطلاق النار في غزة "دعماً لحماس"، إلى أن أعلنت في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أن غوتيريش "شخص غير مرغوب فيه" ومنعته من دخول إسرائيل.
ولم يسلم مقررو الأمم المتحدة من الاستهداف الإسرائيلي، حيث أعلنت المقررة الأممية الخاصة المعنية بفلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، عن تلقيها تهديدات عقب إصدارها تقريرًا بعنوان "تشريح الإبادة الجماعية"، أشارت فيه إلى وجود أدلة تدعو للاعتقاد بأن إسرائيل قد تكون تجاوزت عتبة ارتكاب "إبادة جماعية" ضد الفلسطينيين في غزة.
منع المقررين الأمميين
وفي خطوة تصعيدية، منعت الحكومة الإسرائيلية ألبانيز من دخول الأراضي المحتلة، وألغت تأشيرة منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في فلسطين، لين هاستينغز. كما وافق الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون يهدف إلى إنهاء أنشطة وكالة الأونروا في المنطقة.
وأكد كبير مديري التواصل في وكالة "الأونروا"، جوناثان فاولر، أن موظفي الأمم المتحدة يتعرضون لاستهدافات إسرائيلية متكررة لفظيًا وجسديًا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وأوضح فاولر أن هذه الاعتداءات تؤثر بشكل كبير على قدرة العاملين على أداء مهامهم، وتلقي بظلالها على الحالة النفسية للموظفين.
وأشار إلى أن "الأونروا" كانت تمتلك قبل بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة فريقًا يضم نحو 13 ألف موظف، أغلبهم في قطاع التعليم.
ومع بداية حرب الإبادة اضطرت الأونروا بحسب فاولر إلى وقف الأنشطة التعليمية في غزة، وتحويل مدارسها إلى ملاجئ للنازحين بفعل الهجمات الإسرائيلية.
من 13 ألفا إلى 5 آلاف موظف
وأضاف: "لقد تأثر أو تضرر ما يقرب من 200 من مبانينا بسبب الحرب، وقُتل أكثر من 560 شخصا لجأوا إلى مبانينا، وانخفض عدد عاملينا في غزة من 13 ألفا إلى 5 آلاف". وأكد المسؤول الأممي استشهاد أكثر من 230 فردا من عاملي الأونروا في غزة منذ بداية حرب الإبادة.
وقال: "قتل الكثير منهم مع عائلاتهم في أثناء أداء واجبهم. هذه مأساة، وأريد أن أؤكد أن هذا العدد من القتلى بين الموظفين في غزة هو أكبر عدد من القتلى في تاريخ الأمم المتحدة. إنه أمر غير مسبوق على الإطلاق".
أفاد كبير مديري التواصل في الأونروا، بأن مقتل زملائه أثر بشكل مباشر على عمليات الإغاثة في غزة، حيث منعت السلطات الإسرائيلية موظفي الوكالة من نقل وتوزيع المساعدات الإنسانية في القطاع.
وردًا على الاتهامات الإسرائيلية للأونروا، وصفها فاولر بأنها "بلا أساس تمامًا"، مشيرًا إلى أن الأمم المتحدة منحت الأونروا تفويضًا منذ عام 1949 لإغاثة الفلسطينيين، مؤكدًا: "استمرارنا في عملنا على مدى 75 عامًا يعكس عدم التوصل لحل عادل ودائم للقضية". كما شدد فاولر على أن تصور الوكالة كجهة تعمل ضد مصالح إسرائيل هو "خاطئ تمامًا".
نعمل لصالح الإنسان
وأكد جوناثان فاولر، أن الوكالة لا تعمل لصالح أي دولة أو ضدها، بل تلتزم بدورها كمنظمة إنسانية وتنموية. وأوضح أن مسؤولية الأنشطة الإغاثية والتنموية في الأراضي الفلسطينية المحتلة تقع على عاتق إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، خاصة بعد أن قُيدت قدرة الأونروا على أداء هذه المهام.
وأشار فاولر إلى قرار الكنيست الإسرائيلي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بحظر أنشطة الأونروا في الأراضي الفلسطينية، معبرًا عن قلقه العميق من أن يؤدي ذلك إلى توقف عمليات المساعدات الدولية في غزة، حيث وصف الأونروا بأنها "العمود الفقري" لهذه العمليات.
وقال: "لا توجد وكالة أخرى يمكنها أن تحل محل الأونروا". ودعا إلى ضرورة تراجع الاحتلال عن حظر الوكالة والحفاظ على نشاطها الإنساني، مؤكدًا على أهمية إنهاء الحرب المستمرة في غزة لضمان استمرار الدعم الإنساني للمدنيين.
وصمة عار
أكد المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، ينس لاركه، تعرض عمال الإغاثة الإنسانية، وخصوصًا موظفي الأونروا، لهجمات غير مسبوقة في غزة.
وأشار إلى أن الهجمات الإسرائيلية أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 239 من موظفي الأونروا، وذكر أن بعضهم تعرض للاعتقال والتعذيب، ما اعتبره انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي الذي يضمن حماية العاملين في المجال الإنساني.
وأوضح لاركه أن أكثر من ثلثي منشآت الأونروا تضررت أو دُمرت، كما تم استخدام بعض مرافقها لأغراض عسكرية من قبل الجيش الإسرائيلي، مشددًا على أن هذه الهجمات تتعارض مع مبادئ الحياد والاستقلالية التي يعمل بها موظفو الإغاثة في المنطقة بهدف تخفيف معاناة المدنيين.
ووصف لاركه الاعتداءات المستمرة على عمال الإغاثة بـ"وصمة عار"، داعيًا المجتمع الدولي إلى التدخل لوقف هذا العنف وضمان المساءلة. وأشار إلى تصاعد الاستهداف اللفظي لعمال الإغاثة عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية، مؤكدًا أن هذا العداء يعزز بيئة الكراهية وغير مقبول.
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وبدعم أمريكي، يشن الاحتلال الإسرائيلي عمليات عسكرية في غزة أسفرت عن استشهاد وإصابة أكثر من 147 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، مع فقدان أكثر من 10 آلاف شخص، ودمار واسع النطاق ومجاعة أدت إلى وفاة عشرات الأطفال وكبار السن، مما يشكل واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية عالميًا.