صحافة دولية

هل يندم نتنياهو على دعم ترامب في حال عاد الأخير إلى البيت الأبيض؟

التقرير شدد على أن "إسرائيل" ستكون عرضة للخطر في ظل إدارة ترامب- الأناضول
شدد تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، على افتراض رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحصول على دعم الولايات المتحدة في حربه سواء وصل المرشح الجمهوري دونالد ترامب أو منافسته الديمقراطية كامالا هاريس إلى البيت الأبيض.

وقالت المجلة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتطلع لفوز الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية المقررة الأسبوع القادم، ولكنه قد يندم على هذا.

وأضافت أنه من المرجح أن لا تكون إدارة ثانية لترامب متعاطفة مع "إسرائيل" كما كان الحال عليه في الفترة الأولى.

وأشار التقرير إلى أن استطلاعات الرأي تضع ترامب مع المرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس، كامالا هاريس في نسب متقاربة. ولو كانت الانتخابات مقتصرة على الإسرائيليين، فإن ترامب يكتب خطاب تنصيبه كرئيس الآن لأن "إسرائيل" هي بلد ترامب والمؤيد الأول له هو رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.

ومع ذلك، فإن سجل ترامب، وشخصيته المتقلبة وتصريحاته العامة حول إسرائيل أثناء الحملة الانتخابية لا تدعم هذا الحماس المفرط له. ويقول إن الحرب التي تخوضها إسرائيل منذ العام الماضي جعلتها أكثر اعتمادا على أمريكا وأكثر من أي وقت مضى. ومنذ حرب أكتوبر عام 1973. وهي بحاجة لدعم كامل من الرئيس المقبل للولايات المتحدة أيا كان. ولكن نتنياهو يبدو مستعدا لإدارة ظهره لمرشح ووضع كل رهاناته في مرشح تتناقض غرائزه السياسية مع مصالح إسرائيل، وفقا للمجلة.


وبحسب التقرير، فلطالما شعر نتنياهو بالراحة في التعامل مع الجمهوريين أكثر من الديمقراطيين. ففي عام 2012، دعم المرشح الجمهوري ميت رومني ضد الرئيس في حينه باراك أوباما. واستقبل نتنياهو رومني كرجل دولة عندما زار "إسرائيل" في تموز/يوليو من ذلك العام. وظهر نتنياهو بدون أن يعرف في إعلان لحملة رومني يهاجم أوباما.

ومع أنه مارس الحذر في الجولتين الأخيرتين من الانتخابات إلا أنه عاد إلى لعبة التفضيل.

وذكرت المجلة أن الأمر بدأ بنوع من المصالحة، بعد غضب ترامب من نتنياهو على تهنئته بايدن بالفوز في انتخابات 2020، وقرر مقاطعته حيث لم يتحدث الرجلان خلال السنوات الماضية. وفي مقابلة مع مجلة "تايم" في نيسان/أبريل الماضي حمل ترامب نتنياهو مسؤولية الإخفاقات التي مكنت حماس من شن هجوم على إسرائيل في 7  تشرين الأول/أكتوبر عام 2023. وكان ذلك انتقادا حادا لزعيم إسرائيلي رفض قبول أي مسؤولية عن الفشل الأمني.

وكسر نتنياهو الجليد مع ترامب في تموز/يوليو الماضي بزيارة قام بها إلى مقر إقامة ترامب في مار- إي- لاغو بفلوريدا. وتحدثا عدة مرات على الهاتف. ومهما كانت رؤية كل منهما عن الآخر، فكلاهما يعتقد أنه من المفيد سياسيا الظهور بمظهر الأصدقاء والحلفاء، بحسب التقرير.

ويدعم الإسرائيليون ترامب في حملته الانتخابية ضد هاريس وبنسبة 66% مقابل 17%، وذلك حسب استطلاع أجرته القناة الإسرائيلية "12"، فيما قالت نسبة 17% أخرى إنها لا تدري. وبالمقارنة مع هذه النتيجة وجدت دراسة استطلاعية لمركز غالوب شاركت فيها 43 دولة وبدون إسرائيل أن نسبة 54% فضلت هاريس وأكثر  من نسبة داعمي ترامب.

وحتى صربيا وهنغاريا، الدولتان الأكثر دعما لترامب في أوروبا، فإن النسبة لم تتعد 49% في صربيا و59% في هنغاريا. وربما كان دعم الإسرائيلي العادي لترامب نابعا من أن هاريس غير معروفة له. ولم ينسحب امتنان الكثير من الإسرائيليين لبايدن وما قدمه لإسرائيل على نائبته.

إلا أن شعبية ترامب، وفقا للتقرير، تعود في الغالب إلى ولايته الأولى عندما نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان وانسحب من الاتفاق النووي الإيراني ورعى ما عرفت باتفاقيات إبراهيم التي أدت لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ومجموعة من الدول العربية.

وتم نسيان مقترح ترامب لخطة سلام دعت إلى إقامة دولة فلسطينية من نوع ما ووقفه لخطط نتنياهو ضم جزء من الضفة الغربية، على ما يبدو. 

قالت المجلة، إن الإسرائيليين على ما يبدو يميلون للتعامل مع اللفتات الإيجابية من ترامب على أنها تعبير عن حبه لإسرائيل. إلا أن السجل لا يؤكد ذلك تماما، فقد قام ترامب بزيارة واحدة فقط إلى إسرائيل خلال فترة ولايته كرئيس.

أضافت أنه على النقيض من ذلك، سافر بايدن إلى إسرائيل مرتين، بما في ذلك في الأيام الأولى من الحرب ضد غزة، في عرض قوي وشخصي للدعم بعد أيام من هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وفي وقت مبكر من حملته الانتخابية عام 2016، أخطأ ترامب في  نقاط حديثه المؤيدة لإسرائيل وأخبر محاورا في شبكة "سي إن إن" أنه فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، "يحب أن يكون محايدا إذا كان ذلك ممكنا". ومع أنه صحح نفسه بسرعة بعدما أدرك الخطأ، لكن من الآمن أن نفترض أن هذا يعبر عن الطبيعة الغريزية والمندفعة له.

وفي حملته الحالية، قدم ترامب رسائل مختلطة وغامضة أحيانا، من المواقف بشأن إسرائيل وفيما يتعلق بالقضايا الأكثر إلحاحا التي تواجهها، وهي حماس في غزة وحزب الله في لبنان وإيران.



ففي الأشهر القليلة الأولى من الحرب بين إسرائيل وحماس، تحدث ترامب إلى نتنياهو عن ضرورة "إنهاء حربك" و"إنهائها بسرعة". وفي مناظرة أيلول/سبتمبر مع هاريس، قال: "سأنهي الأمر بسرعة". وتحرك في الفترة الأخيرة قليلا في اتجاه دعم العمليات العسكرية، وقال لنتنياهو في مكالمة هاتفية: "افعل ما يجب عليك فعله".

لكن ترامب لم يتحدث أبدا عن "النصر الكامل"، والذي يقول نتنياهو إنه هدف إسرائيل. وقد نقل عن مستشاري ترامب قولهم إنه من المحتمل جدا أن يتبع ترامب نهج بايدن بالضغط على إسرائيل للموافقة على وقف إطلاق النار واتفاقية الأسرى. وبما أن ترامب يبدو حريصا على تتويج إنجازه في اتفاقيات إبراهيم باتفاق بين إسرائيل والسعودية، فقد يجد نتنياهو نفسه تحت ضغط من إدارة ترامب لتلبية المطالب السعودية بالتقدم نحو إقامة الدولة الفلسطينية.

أما بالنسبة لإيران، فقد قالت المجلة إن ترامب أبدى موقفا متصلبا منها، لكن ليس الموقف الذي يريده نتنياهو. وتحدث ترامب عن تكثيف حملته "أقصى ضغط" على طهران. ويعني هذا فرض عقوبات اقتصادية قاسية وليس الحرب.

ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن أحد المستشارين له وقبل فترة قصيرة: "بشكل عام، لديه نفور كبير من الحرب". وهذا يشير إلى النظرة العامة الأوسع لترامب والتي لا تتوافق بشكل جيد مع المصالح الإسرائيلية.

ويشك ترامب في الحلفاء، وبخاصة أولئك الذين لا يدفعون كلفة الدفاع عن أنفسهم. ومن المؤكد أنه لا يحب العمل في إطار متعدد من القوى والتحالفات، وفقا للتقرير.

وذكرت المجلة أنه في كل هذه المجالات، ستكون إسرائيل عرضة للخطر في ظل إدارة ترامب. وربما كانت إسرائيل حليفا جيدا للولايات المتحدة في الماضي، نعم، تلقت إسرائيل مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية ولم تدفع مقابلها إلا أنها على الأقل لم تطلب  من أمريكا إرسال قوات للدفاع عنها. وكثيرا ما خدم الجيش الإسرائيلي القوي المصالح الأمريكية، إلا أن الحرب مع حماس والصراعات الموازية مع حزب الله وإيران غيرت من هذه الديناميكية.

وبحسب دراسة أجراها معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون، أنفقت الولايات المتحدة حتى 30 أيلول/سبتمبر 2024  ما لا يقل عن 22.7 مليار دولار على المساعدات العسكرية المباشرة لإسرائيل والعمليات الأمريكية ذات الصلة في المنطقة.

ومنذ ذلك الحين، ارتفع الثمن، حيث قدمت واشنطن المزيد من المساعدة وسط هجمات متبادلة بين إسرائيل وإيران. وإلى جانب المساعدات المالية، أرسلت الولايات المتحدة  عدة مرات، حاملات طائرات إضافية وطائرات مقاتلة وقوات إلى المنطقة. وفي وقت سابق من الشهر الماضي، أرسلت نظام دفاع صاروخي باليستي من طراز "ثاد" إلى إسرائيل و100 جندي لتشغيله والمساعدة في سد الثغرات بالدفاعات الجوية الإسرائيلية.

كما كانت الولايات المتحدة تزود إسرائيل بكميات هائلة من الأسلحة التي لا يمكن الحصول عليها من أي دولة أخرى أو إنتاجها في الداخل. ولإبراز إيمانه بالتحالفات والتعددية، نظم بايدن مرتين تحالفا من القوى الغربية والعربية لمساعدة إسرائيل عندما شنت إيران هجمات صاروخية ضدها.

وفي النهاية سيتوقف القتال، وفقا للتقرير، ولكن من المرجح أن يظل اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة كبيرا في المستقبل القريب. ويفترض المخططون الإسرائيليون أن إسرائيل ستضطر إلى زيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير في السنوات المقبلة، وهي التكاليف التي قد تكافح لتغطيتها وبخاصة إذا تباطأ النمو الاقتصادي.

وقالت المجلة إنه في حال رد المدافعون عن ترامب بالقول إن إسرائيل هي حالة خاصة، فعلى النقيض من الحلفاء الآخرين، تتمتع إسرائيل بقاعدة انتخابية محلية في الولايات المتحدة بين المسيحيين الإنجيليين والعديد من اليهود. وفي الحزب الجمهوري، يعد دعم إسرائيل شرطا أساسيا. ولكن هل سيكون هذا كافيا؟

لن يضطر ترامب أبدا إلى مواجهة الناخبين مرة أخرى إذا فاز الأسبوع المقبل ويمكنه أن يفعل ما يحلو له. ربما يكون هو ونتنياهو قد تصالحا الآن لأنهما يحتاجان إلى بعضهما البعض سياسيا، لكن ترامب ليس من النوع الذي يغفر أو يتسامح ولا يتعامل مع التحدي باستخفاف.

وإذا اصطدم الاثنان بشأن إيران أو السياسة الفلسطينية أو شروط التطبيع مع السعودية فقد تنهار الصداقة بسهولة، حسب التقرير.

وقالت المجلة إن فريق ترامب في السياسة الخارجية سيضم عددا من أنصار "أمريكا أولا" أو ماغا (لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) وربما كانوا ممن يحبون "إسرائيل" لكنهم يكرهون توريط الولايات المتحدة في حروب الشرق الأوسط الأبدية، حتى عندما تكون إسرائيل طرفا.

ويركز عدد من مستشاريه الذين يدافعون عن سياسة خارجية أمريكية أكثر نشاطا على الصين. ومثل إدارة بايدن، يرون إيران ثانوية ولا يريدون تخصيص الموارد لمواجهة تهديدها.

وذكر التقرير أن نتنياهو من المفترض أن يكون أكثر حسابية وبراغماتية من الإسرائيليين العاديين الذين يدعمون ترامب بشكل غريزي.

وقد يستنتج رئيس وزراء الاحتلال أنه لا يستطيع تحمل إغضاب ترامب وافتراض أنه إذا فازت هاريس فسوف تتصرف مثل بايدن وتستمر في دعم إسرائيل على الرغم من العلاقات المتوترة بينهما. وبغض النظر عمن سيفوز، فعلى الأرجح أن تكون السنوات الأربع القادمة من العلاقات الإسرائيلية- الأمريكية أكثر اضطرابا من تلك التي كانت في رئاسة بايدن، وفقا للتقرير.

لفت التقرير إلى أن بايدن كان صديقا حقيقيا لإسرائيل وكان مستعدا لقطع المسافة كلها من أجل مساعدتها في أزمة وبتكلفة سياسية كبيرة. ومن غير المرجح أن يفعل ساكن الأبيض القادم - سواء ترامب أو هاريس - الشيء نفسه.