مقابلات

مستشار سابق بالأمم المتحدة لـ"عربي21": إعمار قطاع غزة قضية سياسية بامتياز

مأمون بسيسو أكد أن الأمم المتحدة تتجنب استخدام مصطلح التعويض في عملية إعادة الإعمار- الأناضول
أكد المستشار السابق للأمم المتحدة لإعمار قطاع غزة والرئيس السابق للفريق الوطني الفلسطيني لإعمار غزة التابع للحكومة الفلسطينية، مأمون بسيسو، أن "عملية إعادة إعمار قطاع غزة أصبحت للأسف قضية سياسية بامتياز، وباتت مرتبطة بشكل وثيق بمستقبل غزة السياسي".

وقال بسيسو، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إن "هناك اشتراطا سياسيا لدى الدول المانحة بأنها لن تقدم الدعم المالي للإعمار إلا بعد أن تضمن توفر الاستقرار في قطاع غزة وعدم نشوب حرب جديدة تُدمّر مُجدّدا كل ما سيتم إعماره".

ولفت إلى أن "الأمم المتحدة تتجنب استخدام مصطلح التعويض في عملية إعادة الإعمار؛ لأن القوانين الدولية تنص على أن الذي تسبّب في الدمار هو المُلزم بالتعويض، ولذلك فإن المؤسسات الدولية تتحدث عن تقديم مساعدات للناس ومنح للإعمار، وتقول إنها تساعد وتساهم في دعم جهود الاستقرار والسلام في المنطقة العربية، وخاصة في فلسطين".

وأوضح بسيسو أنه "تم وضع العديد من السيناريوهات المختلفة لليوم التالي في غزة، ولا يمكن الجزم بما سيحدث لأن الأحداث تتطور بشكل دراماتيكي، مضيفا أن "هناك 25 سيناريو لليوم التالي في غزة، وهذه السيناريوهات تُدرس من وراء الكواليس في القاهرة والدوحة وإسطنبول بشكل غير مُعلن".

وإلى نص الحوار الخاص مع "عربي21":

كيف تنظرون إلى عملية إعادة إعمار قطاع غزة بعد انتهاء الحرب؟ وهل هذه العملية المرتقبة ستكون مختلفة عن غيرها من عمليات إعادة الإعمار السابقة؟

دون أدنى شك، هذا العدوان الذي قارب العام يختلف بشكل جذري عن سلسة العدوان السابقة، وذلك نظرا لحجم الضحايا وحجم الدمار المهول والفترة الزمنية التي ستتجاوز العام، ووفقا لأحدث التقديرات فإن كلفة الإعمار تصل إلى 80 مليار دولار.

وفي الخسائر البشرية، لدينا أكثر من 150 ألف ضحية من المدنيين ما بين شهيد ومفقود وجريح، وهناك 1.9 مليون نازح (90% من سكان غزة)، ويواجه مليون شخص مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، وهناك  دمار كبير طال الوحدات السكنية والمنشآت الاقتصادية والبنية التحتية والطرق، وأكثر من 60% من المباني السكنية تدمرت،  وأكثر من 80% من المرافق التجارية تدمرت، وأكثر من 65% من إجمالي شبكة الطرق تدمرت. لذلك فإن من الطبيعي أن العملية المرتقبة للإعمار ستكون مختلفة وبشكل جذري عن جميع التجارب السابقة.

ومن الناحية الفنية، هناك تغييرات في مفهوم إعادة الإعمار عند الفلسطينيين، وينبغي تركيز الإعمار على تعزيز الصمود والاستدامة والتنمية الشمولية والمشاركة، فضلا عن ضرورة تعزيز دور المجتمع المدني، وتعزيز جهود القطاع الخاص.

وهناك جهود أخرى غير الجهود المعروفة حاليا، والجميع ينتظر نهاية الحرب حتى نعلم مَن هو المسؤول عن إدارة الإعمار، هل السلطة الفلسطينية منفردة ستقوم بالإعمار أم هل ستقوم جهات أخرى بالإعمار؟

ولقد اقترحنا ضرورة وجود هيكلية جديدة ومختلفة لعملية الإعمار، وهي قيد النقاش والدراسة، والسؤال الأصعب: ما هي آلية الإعمار المتوقعة؟، فنحن لدينا نحو 40 مليون طن من الركام، وإذا تمت معالجتها في الآلية السابقة فسنحتاج إلى 10 أعوام، وعملية الإعمار تنتظر موقف الأطراف السياسية والفاعلة في المشهد.

هل هناك جهود تُبذل في هذا الإطار حاليا؟ وكيف سيتم تعويض الأسر المتضررة؟

منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي، باشرت الأمم المتحدة وباقي المؤسسات الدولية تدخلات كثيرة وعديدة مستمرة، ويتم التركيز حاليا على المساعدات الإنسانية الإغاثية الطارئة وتوفير مستلزمات الحياة الأساسية من طعام ومياه ومسكن مؤقت عبارة عن خيام، إضافة إلى الحد الأدنى من الخدمات الصحية، آخذين بعين الاعتبار أن الاحتلال يعيق بشكل كبير جهود المؤسسات الدولية، ويتم التحكم من قِبل الاحتلال في كل ما يدخل قطاع غزة.

لكن من المبكر لأوانه الحديث الآن عن تعويض الناس عن الأضرار، وذلك لحين انتهاء الحرب بشكل كامل.

وحتى هذه اللحظة، لا توجد تعهدات رسمية مُلزمة من أي مؤسسات دولية بخصوص ملف الإعمار، حتى قطر التي ضخت سابقا أكثر من مليار دولار في الإعمار لا تزال تنتظر القرار النهائي حتى الآن، والانتظار سيد الموقف.

ما هي الأولويات العاجلة لإعادة الإعمار في قطاع غزة من وجهة نظرك؟

الأولوية الأولى هي إنقاذ ما تبقي من أرواح ووقف الحرب، ويلي ذلك تقديم الخدمات الأساسية المنقذة للحياة وتشمل المياه والطعام والمأوى المؤقت، ثم يلي ذلك تقديم الخدمات الأساسية من حيث الخدمات الصحية وإزالة النفايات والركام، وإعادة ترميم البنية التحتية والطرق والكهرباء، وتقديم خدمات الاتصالات والإنترنت، واستئناف التعليم. من المهم تقديم خدمات الدعم النفسي لكل الناس وخصوصا الأطفال الذين تعرّضوا لصدمات عصبية كبيرة نتيجة الحرب.

ما بعد الحرب هناك مرحلة أولى يتم التركيز فيها على تقديم الإغاثة الإنسانية الطارئة، ويلي ذلك مرحلة التعافي المبكر، وبعد هذا تأتي عملية الإعمار الشامل، والتي ستستغرق سنوات طويلة للأسف.

هل عملية إعادة الإعمار مرتبطة بالحلول السياسية للقضية الفلسطينية أم لا؟

عملية إعادة الإعمار للأسف أصبحت قضية سياسية بامتياز، ولذلك إعمار غزة مرتبط بشكل وثيق بمستقبل قطاع غزة السياسي، وهذا اشتراط سياسي لدى الدول المانحة أنها لن تقدم الدعم المالي للإعمار إلا بعد أن تضمن توفر الاستقرار في قطاع غزة وعدم نشوب حرب جديدة تُدمّر مُجدّدا كل ما سيتم إعماره. وهنا أشير إلى أن هناك مؤسسات دولية عانت من الإحباط في الملف الفلسطيني؛ جراء استمرار الانقسام السياسي الفلسطيني.

كيف ترى موقف المؤسسات الدولية عامة، والسلطة الفلسطينية خاصة، من آلية إعادة الإعمار؟

المؤسسات الدولية على اختلافها، وخصوصا الأمم المتحدة، تبذل جهودا كبيرة تتعلق بالإغاثة والإعمار، وهذا ما تقوم إسرائيل بتعطيله، وقد وضعت إسرائيل قيودا كبيرة على عمليات الأونروا، وقامت بتدمير العديد من مقراتها ومنعتها من العمل، واستهدفت موظفي الأونروا وقتلت منهم عدد كبير يزيد على الـ224 موظفا، إضافة إلى تدمير المدارس وتدمير المراكز الصحية الخاصة بالأونروا.

السلطة الفلسطينية ليست في وضع مثالي؛ فهي أيضا مُستهدفة ومُحاصرة، والسلطة الفلسطينية تتحمل المسؤولية الكاملة عن عملية الإعمار بغزة باعتبارها الجهة الشرعية الوحيدة المُعترف بها دوليا، وبالتالي فإنه تم تأسيس الفريق الوطني لإعمار غزة ليكون مؤسسة مستقلة الآن.

السلطة الفلسطينية أعلنت عن التزامها بالمشاركة في عملية الإعمار وقدّمت خطة للقمة العربية الأخيرة التي انعقدت في البحرين، وكذلك قدّمت أكثر من خطة للإعمار، وهي في نقاش مستمر مع المانحين. ومؤخرا أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني رؤية الحكومة الفلسطينية لإعمار غزة بإنشاء صندوق ائتماني تحت إدارة البنك الدولي لاستقطاب أموال المانحين، كذلك سيتم إنشاء هيئة فنية مستقلة لإدارة ملف إعمار غزة بإشراف من السلطة الفلسطينية والمؤسسات الدولية المانحة.

في الواقع، المؤسسات الدولية الآن تنتظر موقف السلطة الفلسطينية من آلية إعادة الإعمار، والسؤال: هل ستقع السلطة الفلسطينية مرة أخرى في خطيئة كبرى وتوافق على نفس الآلية السابقة؟، وبالتالي تقتل أي بوادر للإعمار؟، وحديثنا اليوم مع المؤسسات الدولية؛ فنحن في حوار دائم معهم، ونبحث عن حل سياسي مُستدام، لأن أي عملية إعمار غزة في غياب حل سياسي مُستدام هي مجرد عبث لا طائل منه، رغم أنه يتكرر بشكل دائم.

كيف تنظرون إلى موقف "إسرائيل" المحتمل من عملية إعادة إعمار غزة؟

جرت العادة وفي كل الاعتداءات السابقة أن إسرائيل ستعيق عملية الإعمار حتى تتحول غزة إلى بؤرة من البؤس والمعاناة. آلية الإعمار السابقة جعلت إسرائيل المتحكم في دخول مواد البناء واشتراط موافقة إسرائيلية مسبقة على مشاريع الإعمار في غزة، لذلك فإن من المتوقع أن تضع إسرائيل عراقيل كثيرة تبطئ من عملية إعادة الإعمار، وهذا ما ترفضه المؤسسات الدولية.

والبعض يسأل: هل ستتوجّه إسرائيل نحو الإنعاش الاقتصادي لغزة وتقديم بديل اقتصادي مزدهر لغزة حتى يبتعدوا عن العنصرية في القطاع أم ستتعاظم المعاناة في غزة حتى تكون درسا لما يحدث في الضفة الغربية؟

لماذا تتجنب الأمم المتحدة استخدام مصطلح التعويض في عملية إعادة الإعمار؟

بحسب القوانين الدولية، فإن الذي تسبّب في الدمار هو المُلزم بالتعويض. وفي هذه الحالة إسرائيل التي دمّرت وهي مُلزمة من الناحية القانونية بتعويض أهالي غزة وتحمل تكاليف إعادة الإعمار، لكن إسرائيل تزعم أن ما تقوم به هو دفاع عن النفس حتى تتهرب من التزاماتها القانونية.

المؤسسات الدولية ترفض مبدأ التعويض حتى لا يتم تحميلها مسؤولية الدمار، وحتى لا يكون التعويض إلزاميا بحقها، ولذلك تتحدث المؤسسات الدولية عن تقديم مساعدات للناس ومنح للإعمار، وتقول إنها تساعد وتساهم في دعم جهود الاستقرار والسلام في المنطقة العربية، وخاصة في فلسطين.

هل ترى أن هناك إجراءات قانونية يمكن اتخاذها ضد "إسرائيل" لتعويض الأضرار الناتجة عن الحرب؟

اللجوء إلى المؤسسات الدولية مثل محكمتي "العدل الدولية" و"الجنايات الدولية"، مع العلم أن إسرائيل تدعي أنها في حالة دفاع عن النفس حتى تتنصل من مسؤولياتها.

برأيكم، ما هي السيناريوهات المختلفة لليوم التالي في غزة بعد انتهاء الحرب؟

تم وضع العديد من السيناريوهات المختلفة، ولا يمكن الجزم بما سيحدث لأن الأحداث تتطور بشكل دراماتيكي. ويمكن القول إن هناك 25 سيناريو لليوم التالي في غزة، وهذه السيناريوهات تُدرس من وراء الكواليس في القاهرة والدوحة وإسطنبول بشكل غير مُعلن.