ملفات وتقارير

خبير عسكري يكشف لـ "عربي21" تكتيك المقاومة للتصدي للاحتلال خلال عام كامل

المقاومة واجهت هجمات تستهدف قياداتها ومواقعها واستطاعت الثبات - جيتي
على مدار العام، استمر صمود المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي رغم التفوق العسكري والتكنولوجي الكبير للأخير، وأثبتت فصائل المقاومة قدرتها على التصدي للتحديات والظروف الصعبة والإمكانيات التي فرضتها الحرب على قطاع غزة منذ اندلاعها في السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023.

واعتمدت المقاومة على استراتيجيات مبتكرة لتعويض الفارق التكنولوجي والعسكري الهائل مع الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى تكتيكات تتناسب مع قدراتها المحلية مما سمح لها بإلحاق خسائر بجيش الاحتلال الإسرائيلي واستنزاف موارده. 

وفي المقابل، واجهت المقاومة هجمات متكررة تستهدف قياداتها ومواقعها، ومع ذلك استطاعت الاستمرار في إثبات حضورها وصمودها بفضل تكتيكاتها والدعم الشعبي ما أدى إلى تغير في توازنات القوة الإقليمية.

وحاورت "عربي21" الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور نضال أبو زيد لتسأله كيف صمدت المقاومة خلال عام من الحرب والعدوان عليها، استجمع فيها الاحتلال الإسرائيلي جل إمكانياته العسكرية والمخابراتية هو وحلفاؤه.




إنجاز "هشم" العدو 

وفي البداية أكد الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور نضال أبو زيد، أنه منذ بداية العمليات العسكرية في السابع من تشرين الأول / أكتوبر نجحت المقاومة في تحقيق الإنجاز الكبير نتيجة التصميم والإرادة التي قامت بها تجاه العدو الصهيوني، التي تولدت لدى المقاومة نتيجة الانتهاكات والخطاب المتطرف لحكومة نتنياهو.

وبالتالي دفعت تلك الانتهاكات المقاومة لتنفيذ عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر التي شاهدنا بكل أركانها من تكامل، واستطاعت من خلال المقاومة أن تخترق منظومات الإنذار المبكر للاحتلال، والمنظومات الإلكترونية والفنية التي قام بها الاحتلال وبالتالي كان هناك اختيار موفق من قبل المقاومة في التوقيت زمانا ومكانا. 

وأشار أبو زيد إلى أن المقاومة نجحت في أن تخترق غلاف قطاع غزة في ذلك اليوم واستطاعت الوصول إلى قلب النقاط الموجودة في غلاف قطاع غزة وقيادة فرقة غزة وتحقيق هدف استراتيجي لها وهو كسر الإرادة الإسرائيلية، وكسر وتهشيم "التابو" الموجود منذ 76 عاما وهو أنه الجيش الذي لا يقهر، ولذلك بدأ الاحتلال يخطط ويفكر بكيفية الانتقام.

وبدأ الاحتلال الإسرائيلي بالعملية العسكرية الانتقامية، بمنطق المنتصر، حيث دخل بكتلة نارية كبيرة ظنا منه أن العملية العسكرية قد تنتهي خلال أيام. ووقع حينها الاحتلال في خطأ تكتيكي استراتيجي، عندما قال إنه سينهي العملية العسكرية خلال مدة قصيرة ثم ما لبثنا أن لاحظنا أن الاحتلال بدأ في إطالة العملية العسكرية.

وتابع الخبير العسكري والاستراتيجي، أن المقاومة نجحت في جر الاحتلال إلى أطول فترة زمنية ممكنة اعتمدت فيها على الزمان والمكان ومعتمدة بها على جر الاحتلال إلى حالات الطقس السيئة حينها وكان ذلك مع نهاية شهر تشرين الأول / أكتوبر.




مأزق العمليات البرية 
بعد ذلك تجاوزت المقاومة النقطة الصعبة وهي القصف الجوي ثم أدخلت الاحتلال في مأزق العمليات البرية منذ الـ 27 من تشرين الأول / أكتوبر ثم دخل الاحتلال بهذه العمليات من مناطق بيت لاهيا وبيت حانون واستطاع الوصول إلى مناطق اعتقد المتابع والمراقب حينها أن المقاومة قد ذابت وغابت عن الساحة وعن الميدان، إلا أن المقاومة يبدو كانت تتبع تكتيكات وخطط لها سابقا من منطلق عسكري. 

وأوضح أبو زيد أن المقاومة حينها كانت تذهب بعيدا باتجاه تكتيكات عسكرية احترافية لما يعرف بالحروب غير المتكافئة، وقامت بوضع تخطيط مركزي وتنفيذه، ذهب الاحتلال ودخل، ثم ما لبث أن بدأ يصطدم بالمقاومة، ويبدو أن المقاومة حينها ذهبت بابتكار تكتيكات حروب العصابات. 

وأضاف الخبير العسكري والاستراتيجي أن المقاومة، قامت بمبادلة الأرض أو مبادلة الجغرافية مقابل الخسائر، بأن أعطت الاحتلال جغرافية ومساحة أدخلته داخل الأحياء السكنية، ثم أوقعت فيه الخسائر، حينها بدأ الاحتلال يفكر بتمديد العملية العسكرية لعدة أسابيع بدلا من أيام كما كان يعلن. 

واتبع الاحتلال الإسرائيلي سياسة إعلامية كونه منتصرا بعدها وتقدم وخطط، حينها ظن المراقب والمتابع أن المقاومة قد أفلت أو أفل نجمها وذهبت بعيدا، أو أن المقاومة قد ذهبت إلا أنها حينها كانت تبدل وتغير في تكتيكاتها حيث نجحت بجر الاحتلال إلى داخل الأزقة والأحياء والطرق الضيقة حتى استطاعت من خلال ذلك زج الاحتلال بمأزق الخسائر. 

وتابع أبو زيد أنه حينها تعرضت فرقة المدرعات 162 لخسائر كبيرة، وتورطت في مأزق غزة المدينة بعد ذلك ذهب الاحتلال باتجاه مجمع الشفاء وظن البعض من جديد أن المقاومة قد ذابت واختفت. 

أكد الخبير العسكري والاستراتيجي أن المقاومة كانت تتبع تكتيكا عرف في حروب العصابات وهو الكومون التكتيكي فكانت تكمن لفترات من الزمن تعطي الاحتلال مجالا ليقوم بتصريحات إعلامية بأنه قام بالقضاء على المقاومة من جديد، وشن عمليات تحمل رسائل سياسية بتكذيب، زيف الرواية الإسرائيلية. 


الماكنة الإعلامية للمقاومة 
قال أبو زيد إن المقاومة بدأت تبتكر الماكنة الإعلامية "بدأنا نشاهد المقاطع المصورة وبدأنا نشاهد استراتيجية النقطة صفر، واستهداف الدبابات وبدأنا نسمع بالقاذف الياسين 105 واستهداف آليات ودبابات الاحتلال حتى بدأت الخسائر تتعاظم في جيش الاحتلال".

وأضاف أن الاحتلال الإسرائيلي بدأ حينها يفكر بتغيير تكتيكاته، وذهب بعيدا وحاول التوجه إلى مناطق الشرق والتحدث عن المرحلة الثانية. 

تكتيكات محترفة 
وتابع أن المقاومة دفعت حينها باتجاه قواتها أو باتجاه عناصرها بأن بدأنا نشاهد أن تكتيكات المقاومة بدأت تكون أكثر احترافا، وبدأت توقع خسارة بقوات الاحتلال مستخدمة بذلك الأنفاق، في الوقت الذي ذهب فيه الاحتلال بدفع من الجانب الأمريكي إلى محاولات الهدنة ووقف إطلاق النار. 

وأضاف أبو زيد أن الاحتلال انتقل إلى عمليات عسكرية بثلاث فرق متنوعة، رأس الحربة فيها كانت فرقة المظلية 98، وخسر في خان يونس وانسحب منها أكثر من مرة ثم بعد ذلك لوح بورقة رفح حتى يستطيع الضغط على المقاومة وابتزازها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وأشار الخبير العسكري والاستراتيجي إلى أن هذا التكتيك لم ينجح، ثم بعد ذلك ذهب إلى رفح بزج فرقة كاملة وهي فرقة المدرعات 162 رأس الحربة فيها كان اللواء المدرع 401، ثم زج بعد ذلك بإسناد أيضا للفرقة المدرعة وهو إسناد فرقة المظلية 98، وعزز ذلك بلواء الكوماندوز، ولم تنجح أي عملية عسكرية في رفح بل على العكس تورط في رفح رغم أنه حاول التغني بنصر صوري. 

وأكمل أبو زيد أن الاحتلال حين وصل إلى معبر رفح بعد ذلك ذهب بعيدا بمحاولة التلويح والضغط العسكري باستخدام كتلة نارية جوية، وبعد ذلك انتقل إلى عمليات استخبارية، حاول الوصول إلى الهيكل التنظيمي والبنية التنظيمية للمقاومة إلا أنه لم ينجح أيضا في كل هذه التكتيكات.

وقال: "ومؤخرا ذهب الاحتلال الإسرائيلي باتجاه فتح الجبهة الشمالية ونقل الثقة للعسكري إلى الجبهة الشمالية مع حزب الله في محاولة منه دعائية إعلامية ليقول إنني سحبت القوات من قطاع غزة حتى أذهب فيها إلى مواجهة عسكرية مع حزب الله إلا أنه في المنطق العسكري لا يستطيع الذهاب لفتح جبهة جديدة وجبهة غزة لم تستقر لذلك". 

وأضاف الخبير العسكري والاستراتيجي أنه يعتقد أن كل ما حدث هو محاولة للخروج من مأزق قطاع غزة الذي أوقعته فيه المقاومة.


تكتيكات المقاومة 

وأكد الخبير العسكري والاستراتيجي أن المقاومة اتبعت تكتيكات عديدة أهمها تكتيكات الاستخبارات المضادة التي نجحت من خلالها بتجريد الاحتلال من محاولات الاستخبارات الهجومية والوصول إلى القيادات أو الوصول إلى ما يعرف بالأهداف عالية القيمة أو حتى الوصول لأهداف الصيد الثمين، وهو أسلوب تكتيكي جديد يتبعه الاحتلال منذ استلام مدير الاستخبارات العسكرية الجديد الجنرال شلومي بيندر.

واختتم الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد لقاءه قائلا: "فبعد عام من العمليات العسكرية على قطاع غزة هل نجح الاحتلال بتحرير الأسرى؟، لم ينجح بتحرير الأسرى إلا بالتفاوض، ولم ينجح بتجريد حماس من قوتها ولم ينجح بخلق واقع عملي جديد في قطاع غزة، بل على العكس نجحت المقاومة بتجريد الاحتلال من قوته وتهشيم الصورة النمطية لجيش الاحتلال".