سياسة عربية

قبل 39 عاما.. سليمان خاطر أول مصري يطلق الرصاص على "كامب ديفيد"

دفعت الحكومة المصرية تعويضات لعائلات القتلى الإسرائيليين وحكمت على خاطر بالمؤبد- صحف مصرية
في 5 تشرين الأول/ أكتوبر، تحل ذكرى العملية التي نفذها المجند في الجيش المصري، سليمان خاطر، الذي قام بقتل عدد من الإسرائيليين الذين عبروا الحدود المصرية.

وأثارت هذه الحادثة جدلاً كبيرًا وأدت إلى اعتقال خاطر ومحاكمته، لتنتهي بوفاته الغامضة داخل السجن الحربي، ما ترك تساؤلات مستمرة حول ملابسات وفاته وأحداث تلك العملية.

وتعود أحداث الواقعة إلى 5 تشرين الأول/ أكتوبر 1985، أثناء تأدية سليمان خاطر لنوبة حراسته المعتادة في منطقة رأس برقة بجنوب سيناء، عندما فوجئ بمحاولة مجموعة من الإسرائيليين تسلق الهضبة التي تقع عليها نقطة حراسته. وبعد أن أطلق رصاصات تحذيرية دون استجابة لإبعادهم، اضطر إلى فتح النار عليهم.


وتمت محاكمة سليمان عسكريًا، وخلال التحقيقات، أوضح أن هؤلاء المستوطنين قد دخلوا الأراضي المصرية دون ترخيص، ورفضوا الانصياع لتحذيراته.

وُلد سليمان خاطر في عام 1961 بقرية "إكياد البحرية" بمحافظة الشرقية، وكان الأصغر بين إخوته.


الأرض لا تشرب الدماء
وقبل 15 عاماً من الواقعة، كان خاطر طفلاً شاهداً على المجزرة الدموية في مدرسة "بحر البقر"، وهو المشهد الذي ظل محفوراً في ذاكرته. لاحقاً، أصبح الجندي الذي أطلق أول وآخر رصاصة مصرية على الإسرائيليين منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر والاحتلال الإسرائيلي عام 1979.


في رواية شقيقة سليمان خاطر عن الواقعة، خلال لقاء تلفزيوني سابق، ذكرت أن "سليمان هرع بسرعة فور سماعه بالحادث، وعاد في حالة ذهول من هول المشهد الذي شاهده".

 وأوضحت أنه "لم يتمكن من النوم تلك الليلة"، متأثراً بما رآه من آثار الهجوم الإسرائيلي على مدرسة "بحر البقر"، والذي خلف عشرات الضحايا من الأطفال.

ثم تطوع خاطر في قوات الأمن المركزي التابعة للشرطة المصرية، وبعد توقيع اتفاقية "كامب ديفيد"، تم تعيينه قائداً للنقطة 46 التابعة لقوات الأمن المركزي في منطقة رأس برقة بسيناء.

وفقاً لشروط الاتفاقية، انسحبت القوات العسكرية الإسرائيلية تدريجياً، وسلمت هذه النقاط للشرطة المصرية بحد أدنى من التسليح، مع ترك المناطق الحدودية خالية من المعدات العسكرية الثقيلة.


"أنا مكلف بحماية الحدود"
وفي يوم الحادثة، أطلق الجندي الرصاص حين حاولت مجموعة إسرائيلية، وفقاً لأقوال خاطر في التحقيقات، التسلل إلى الأراضي المصرية. والمجموعة كانت تضم "نساءً عاريات وأطفالاً ورجالاً"، ورغم التحذيرات، فإنهم لم يتراجعوا، ما دفع خاطر إلى إطلاق النار عليهم.

وأثناء التحقيقات، قال سليمان خاطر في دفاعه: "أنا رجل واقف في خدمتي وأقوم بواجبي، ولدي أجهزة ومعدات لا يجب أن يراها أحد. الجبل من أصله ممنوع أن يصعد عليه أي شخص سواء كان مصرياً أو أجنبياً". تصريحات خاطر أكدت على التزامه بأداء واجبه العسكري في حماية حدود مصر، خاصة في منطقة حساسة مثل سيناء بعد اتفاقية "كامب ديفيد".

وتساءل خاطر قائلاً للمحقق: "أنتم قلتم ممنوع ليه؟ قولوا لنا نسيبهم وإحنا نسيبهم". وعندما سأله المحقق: "لماذا يا سليمان تصر على تعمير سلاحك؟"، أجاب خاطر: "لأن الذي يحب سلاحه يحب وطنه، والذي يهمل سلاحه يهمل وطنه".

وعندما تم سؤاله عن سبب حفظه لرقم سلاحه، رد سليمان: "لأني أحبه كما أحب كلمة مصر تماماً".

"لا أخشى الموت"
وقبل صدور الحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة في 28 ديسمبر/ كانون الأول 1985، قال سليمان: "لا أخشى الموت ولا أرهبه، إنه قضاء الله وقدره، لكنني أخشى أن يؤثر الحكم الصادر ضدي على زملائي ويصيبهم بالخوف ويقتل فيهم وطنيتهم".


وبعد صدور الحكم، علق قائلاً: "هذا الحكم ليس ضدي، بل هو حكم ضد مصر، لأني جندي مصري قمت بواجبي".

فور إعلان الحكومة عن وفاة سليمان خاطر داخل محبسه منتحرا، خرجت مظاهرات شعبية تندد بما وصفته باغتياله. وقاد طلاب الجامعات والمدارس الثانوية المظاهرات مرددين هتافات مثل: "الشعب هياخد التار.. الصهيوني ده غدار"، و"سليمان قالها في سينا.. قال مطالبنا وقال أمانينا"، و"سليمان خاطر يا شرقاوي.. دمك فينا هيفضل راوي"، و"سليمان خاطر قالها قوية.. الرصاص حل قضية"، و"سليمان خاطر مات مقتول.. مات علشان مقدرش يخون".

وفي عام 1989 دفعت الحكومة المصرية تعويضات لعائلات القتلى الإسرائيليين تقدر بنحو 500 ألف دولار في مجملها.

في شباط/ فبراير 2018، عُرضت مسرحية بعنوان "سليمان خاطر" في نادي الصيد بالقاهرة، والتي تناولت قصة الجندي المصري سليمان خاطر. وعقب العرض، تم القبض على كاتب المسرحية والمخرج، حيث قضت محكمة عسكرية بحبسهما لمدة شهرين مع إيقاف التنفيذ. وأشارت وزيرة الثقافة آنذاك إلى أن المسرحية لم تحصل على موافقة الرقابة الفنية قبل عرضها.