ملفات وتقارير

أروقة "العدل الدولية" جبهة جديدة ضد "إسرائيل".. ما الذي تخشاه؟

خبير قانوني: دعوى جنوب أفريقيا تستند لأدلة قوية- الأناضول
في تطور مفاجئ، أعلن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي أن "إسرائيل" اتخذت قراراً استثنائياً بالمثول أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي لترد على دعوى جنوب أفريقيا التي تتهمها بـ"الإبادة الجماعية".

تفاصيل الدعوى
وكانت جنوب أفريقيا قدمت، الجمعة 29 كانون الأول/ ديسمبر طلبا لإقامة دعوى ضد "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية، على خلفية تورطها في أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين بقطاع غزة، وفق بيان للمحكمة ذاتها.

وطلبت من المحكمة مناقشة الأمر في الأيام المقبلة، وإصدار أمر قضائي مؤقت ضد "إسرائيل" يدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وبحسب الالتماس فإن هذه الخطوة ضرورية لحماية الفلسطينيين من مزيد من الضرر الذي لا يمكن إصلاحه.

وطالبت الدعوى أيضا أن تأمر المحكمة "إسرائيل" بالسماح للفلسطينيين الذين أُخرجوا من منازلهم في قطاع غزة بالعودة إليها، والتوقف عن حرمانهم من الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية، وضمان عدم قيام الإسرائيليين بالتحريض على الإبادة الجماعية ومعاقبة من يقومون بذلك، والسماح بإجراء تحقيق مستقل في تصرفاتها.

والطلب المؤلف من 84 صفحة، ينص على أن "الأفعال والتقصيرات التي قامت بها دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي اشتكت منها جنوب أفريقيا، هي إبادة جماعية في طابعها؛ لأنها تهدف إلى تدمير جزء كبير من المجموعة الوطنية والعنصرية والإثنية الفلسطينية"، في انتهاك لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1948.

لماذا امتثلت "إسرائيل" للطلب؟
يعود ذلك بشكل أساسي إلى طبيعة محكمة العدل الدولية وعلاقة الاحتلال الإسرائيلي بها.

فعلى عكس المحكمة الجنائية الدولية، فـ"إسرائيل" صادقت على معاهدة مناهضة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي تستمد محكمة العدل الدولية بموجبها سلطتها للنظر في الشكوى المرفوعة ضدها من جنوب أفريقيا. فيما "إسرائيل" ليست عضوا في اتفاقية روما التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية، ولذلك فهي لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية.

الأمر المهم الآخر هو أن نص المادة 53/1 من نظام المحكمة الأساسي ينص على أنه "إذا لم يمثل أحد الطرفين أمام المحكمة، أو لم يدافع عن قضيته، فإنه يجوز للطرف الآخر أن يطلب من المحكمة أن تقرر لصالح دعواه".. ما يعني أن دولة الاحتلال يمكن أن تخسر القضية ويحكم ضدها إذا لم تمتثل للمحكمة، لكن في حال حضورها فإنها يمكن أن تطيل أمد المحكمة إلى جانب إمكانية رد الدعوى.

ما الذي ستفعله "إسرائيل"؟

من جانبه قال رئيس هيئة الأمن القومي تساحي هنغبي، إن دولة الاحتلال، موقعة على ميثاق ضد الإبادة الجماعية، منذ عشرات السنين، ولن نقاطع المداولات.

وأضاف في تصريحات نقلتها صحفية يديعوت أحرونوت: "سنمتثل فيها ونصد الدعوى السخيفة التي تشكل فرية دم. لقد شهد الشعب اليهودي على جلدته اكثر من كل أمة أخرى ما هي الإبادة الجماعية، ستة ملايين من أبناء شعبنا ذبحوا بوحشية لا حد لها، وحشية مشابهة مورست ضد مواطني إسرائيل في مذبحة 7 أكتوبر. غير ان هذه المرة بوسعنا أن ندافع عن أنفسنا في وجه من يقومون علينا لابادتنا".

ولفتت الصحيفة إلى أن بنيامين نتنياهو، أجرى مباحثات في أعقاب دعوى جنوب أفريقيا، فضلا عن مداولات حثيثة جرت على مستويات عالية داخل أوساط الاحتلال، خلصت إلى الذهاب إلى محكمة العدل العليا، من أجل "إحباط الأمر الاحترازي الذي من شأنه فرض وقف إطلاق نار في غزة".

وشدد على أن إسرائيل في طريقها، لتجنيد الدول عبر ضغوط دبلوماسية، ضد جنوب أفريقيا، لإحباط الدعوى، غيرها أن الشخصية التي ستذهب للمحكمة غير معروفة حتى الآن.

الفرق بين محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية
من جانب آخر، فإن محكمة العدل الدولية هي هيئة قضائية دولية دائمة، تأسست عام 1945 بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وهي أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، وتختص بالفصل في النزاعات القانونية بين الدول، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.

فيما المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة جنائية دولية دائمة، تأسست عام 1998 بموجب اتفاقية روما. وهي تختص بمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم دولية، مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

والاختلاف الأساسي بين المحكمتين هو أن محكمة العدل الدولية تتمتع بسلطة النظر في النزاعات القانونية بين الدول، بينما تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بسلطة محاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم دولية.

كما أن لمحكمة العدل الدولية ولاية قضائية عالمية، حيث يمكنها النظر في النزاعات بين جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. أما المحكمة الجنائية الدولية، فليها ولاية قضائية إقليمية محدودة، حيث يمكنها محاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم دولية في الدول الأطراف في اتفاقية روما فقط.

ومن هنا فإن تجاهل محكمة العدل الدولية ليس بالأمر اليسير كتجاهل المحكمة الجنائية الدولية، خصوصا أن الاحتلال الإسرائيلي لم يوقع على اتفاقيتها.

ما الذي تخشاه "إسرائيل"
رغم أن صدور حكم إدانة لـ"دولة الاحتلال" بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين سيكون قاسيا جدا، إلا أن ما يهم سلطات الاحتلال في هذه المرحلة ليس هو ذاك، بل إمكانية أن تصدر محكمة العدل الدولية خلال بضعة أسابيع قرارا بإيقاف إطلاق النار في قطاع غزة.

كيف ذلك؟
تطالب دعوى جنوب أفريقيا المحكمة بإصدار أمر قضائي مؤقت ضد "إسرائيل" يدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة لأن هذه الخطوة ضرورية لحماية الفلسطينيين من مزيد من الضرر الذي لا يمكن إصلاحه...

ما يعني أن المحكمة ستنظر في هذا الطلب وإذا ما اقتنعت به فإنها ستصدر ذلك القرار الذي تخشاه "إسرائيل". هذا بالرغم من أن قرار المحكمة النهائي ربما سيستغرق سنوات. وهو ما تنص عليه المادة 41/1 من النظام الأساسي للمحكمة: "يكون للمحكمة سلطة أن تبين، إذا رأت أن الظروف تتطلب ذلك، أي تدابير مؤقتة ينبغي اتخاذها للحفاظ على الحقوق الخاصة بأي من الطرفين".

اتجاهات الدعوى
بحسب قانونيين، فإن عملية إثبات جريمة الإبادة الجماعية يكون صعبا في العادة لأنه يحتاج إلى ركنين أساسيين؛ النية وإجراءات على الأرض تعكس تلك النوايا وتثبتها.

أستاذ القانون الدولي ترستينو مارينلييو وصف دعوى جنوب أفريقيا بـ"التطور التاريخي"، ووصف الاتهامات ضد "إسرائيل" بالجسيمة، فهذه أول مرة يتم فيها رفع دعوى ضد "إسرائيل" بهذه الجريمة في محكمة العدل الدولية.

يؤكد مارينلييو في مقابلة مع قناة "الجزيرة" أن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا لها أسس متينة، مشيرا إلى أن المحكمة ستبدأ الإجراءات في الأسابيع القادمة، في كانون الثاني/ يناير أو شباط/ فبراير، وسيتم النظر بها في اللجنة المختصة في الإبادة الجماعية.

ورجح أن الدعوى قوية لأن هناك أدلة تقول إن "إسرائيل" تقف وراء عملية إبادة الفلسطينيين، ورغم أنه في العادة يكون هناك صعوبة في إثبات تهمة الإبادة الجماعية، لكن في حالة غزة فإن مسألة النية واضحة جدا، بحسب مارينلييو، وقال: "رأينا وسمعنا الكثير من البيانات والتصريحات لمسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين، تتحدث عن قتل الجميع في غزة ومحو غزة والتحدث عن الفلسطينيين وكأنهم حيوانات، وعلى الأرض هناك القتل الجماعي وقتل الرضع وتقييد حرية الشعب والظروف الإنسانية السيئة في قطاع غزة وقطع الماء والكهرباء والوقود والنزوح القسري".

القرار ملزم للدول التي صادقت على اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية و"إسرائيل" موقعة عليها.

من جهته يرى البروفيسور إلياف ليبليتش، خبير القانون الدولي بجامعة "تل أبيب" أن "التصريحات المتطرفة الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين يمكن اعتبارها دليلا على نية إيذاء السكان المدنيين في غزة".

مع ذلك فهو يعتقد أنه حتى مع تلك التصريحات فإنه "بشكل عام، من الصعب إثبات نية الإبادة الجماعية، لأنه لم يتم الإدلاء بتصريحات علنية بهذا المعنى أثناء القتال، لكن هذه التصريحات غير المسؤولة حول محو غزة ستتطلب من ’إسرائيل’ أن تشرح لماذا لا تعكس مثل هذه النية".

وأضاف ليبليتش بحسب ما نقلت عنه صحيفة "هآرتس" العبرية: "سيتعين على جنوب أفريقيا إثبات وجود علاقة سببية بين تصريحات السياسيين وتصرفات الجيش"، مشيرا إلى أنه "سيكون من الصعب القيام بذلك".

إلزامية قرارات المحكمة
تعتبر قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة ونهائية في ما يتعلق بالدول. ولمجلس الأمن الدولي السلطة، بناءً على طلب الدولة المتضررة، لتنفيذ تدابير خاصة لإنفاذ الحكم الصادر من محكمة العدل الدولية.

وبحسب الأستاذ مارينلييو فإن قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة.

لكن المشكلة تكمن في تنفيذ القرارات، وهي مهمة منوطة بمجلس الأمن الدولي وفق المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة.

وبحسب ليبليتش فإن إصدار قرار من المحكمة بإدانة "إسرائيل" أو حتى قرار بإيقاف العمليات العسكرية، "لا يعني أنه سيتم تنفيذه على الفور، ولكن إذا تقرر في حكم أو حتى أمر قضائي مؤقت أن هناك اشتباها بأن ’إسرائيل’ ترتكب إبادة جماعية، فإن عليك أن تفكر في ما سيقوله هذا للتاريخ، لذلك يجب أن يؤخذ هذا الإجراء على محمل الجد".

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع