استبعد عدد من الخبراء والمحللين السياسيين من أن تسفر أي جهود للوساطة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ما لم تؤدي إلى وقف كامل لعدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وانسحاب قوات الاحتلال رغم انفتاح جميع الأطراف على أي مقترحات جادة.
وقالوا في تصريحات لـ"عربي21" إن: "فرص نجاح أي مقترحات
مصرية أو عربية أو إقليمية تبدو ضعيفة حتى الآن؛ لأنها لا تتجاوب بشكل كامل مع مطالب حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي التي تحقق مصالح الشعب الفلسطيني".
وعلى مدار الأيام الماضية، قدمت مصر، مقترحا من ثلاث مراحل لوقف العدوان في قطاع غزة، وذلك بالتزامن مع حراك سياسي واجتماعات مع الفصائل الفلسطينية في القاهرة، في مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، بحسب مصادر مصرية.
يتضمن المقترح بدء
هدنة إنسانية لمدة محددة لإطلاق سراح محتجزين إسرائيليين وأسرى فلسطينيين، وتدفق المساعدات الإنسانية على لقطاع المحاصر وإقامة حوار وطني فلسطيني، وتشكيل حكومة تكنوقراط تتولى الإشراف على قضايا الإغاثة الإنسانية، وملف إعادة الإعمار، والتمهيد لانتخابات عامة ورئاسية فلسطينية، وصولا إلى وقف كلي وشامل لإطلاق النار، وصفقة شاملة لتبادل الأسرى وانسحاباً إسرائيلياً من قطاع غزة، وتمكين النازحين من العودة.
في وقت سابق، قالت مصادر مصرية إن: "حركتي حماس والجهاد الإسلامي رفضتا اقتراحا مصريا بترك السيطرة على قطاع غزة مقابل وقف دائم لإطلاق النار، ورفضتا تقديم أي تنازلات بخلاف إطلاق سراح المزيد من المحتجزين".
وتصر حركة حماس على أنه لا
مفاوضات إلا بوقف "شامل للعدوان"، بينما تؤكد حركة الجهاد الإسلامي، على أن أي عملية تبادل الأسرى يجب أن ترتكز على مبدأ "الكل مقابل الكل"، أي إطلاق سراح جميع الأسرى الذين تحتجزهم حماس والجهاد في غزة، مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في إسرائيل.
في المقابل يردد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين
نتنياهو، على أن "الحرب في قطاع غزة بعيدة عن النهاية"، ونفى أمام نوابه ما وصفها بأنها "تكهنات إعلامية خاطئة" بأن حكومته قد تدعو إلى وقف القتال ضد القطاع.
وتواجه دولة الاحتلال ضغوطا في الداخل في ظل عدم قدرتها على استعادة المحتجزين أحياء لدى حركات المقاومة وعودتهم جثث، وارتفاع عدد قتلى الجنود إلى نحو 500 ما بين ضابط وجندي وآلاف المصابين منذ بدء عملية طوفان الأقصى.
المقترحات لا تتماشى مع استراتيجية المقاومة
بخصوص المقترح المصري، يقول السياسي المصري ورئيس لجنة فض المنازعات في شمال سيناء سابقا، حسام فوزي جبر، إن "المقترح المصري مرفوض لعدة أساب، الأول: أن النظام المصري ليس محل ثقة، ولا يتماشى مع استراتيجية أو مطالب حماس التي بنت عليها أهدافها وحددت مشروعها التحرري منذ عام 1986 وتحديدا المرحلة الثانية من المقترح المصري وهو عقد حوار وطني فلسطيني برعاية مصرية يهدف إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة تكنوقراط، في الوقت الذي تقف فيه السلطة أو أفراد منها مع الجانب الإسرائيلي ويطالبون بمحاسبة المقاومة".
وعن أسباب اشتراط المقاومة، أوضح لـ"عربي21": "موقف حماس هو موقف قوة وليس موقف ضعف، لعدة أمور بنت المقاومة استراتيجيتها عليها، أن جيش الاحتلال لا يقوى على طول المعارك، ثانيا، لا يتحمل الجيش الإسرائيلي قوة بأس المقاومة، ثالثا، تراهن المقاومة على الضغط الشعبي داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي على حكومة نتنياهو، رابعا، لا تستطيع الحكومة تحمل الخسائر الكبيرة في المعدات والجنود وعودة الأسرى جثث، أخيرا وفوق هذا كله أن الشعب الفلسطيني صامد وثابت ويؤيد المقاومة".
وقف العدوان لا للتهدئة
من جهته، يقول رئيس حملة التضامن مع فلسطيني في بريطانيا، كامل حواش، إن "الفصائل الفلسطينية تطالب بوقف العدوان وليس هدنة إنسانية، وما طرحه الجانب المصري هو من عدة مراحل تبدأ بهدنة ثم الحديث عمن يحكم غزة، ثم وقف إطلاق النار، وأعتقد أن ما تريده المقاومة والشعب الفلسطيني والعالم هو وقف إطلاق النار بشكل كامل".
وأضاف الكاتب والمحلل السياسي لـ"عربي21": "إذا كنا نتكلم عن أن هذا هو اليوم 81 من العدوان على غزة، لا تزال فصائل المقاومة تطلق صواريخ من كل مكان في أنحاء غزة على إسرائيل ولم تتوقف، وتهاجم الجنود الإسرائيليين على الأرض يعني أنها لم تضعف حتى لا تشترط في مفاوضاتها".
وأعرب حواش عن اعتقاده أن "المقاومة تتفاوض من منطلق قوة وليس ضعف، وأن من يتكبد خسائر مؤلمة ولا يتحملها هو الجانب الإسرائيلي، ولذلك يشترطون وقف العدوان نهائيا ومن ثم يتطرق الحديث عن إطلاق سراح الأسرى وتبييض السجون الإسرائيلية".
المقاومة تفرض شروطها
يرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية في مركز رؤية للتنمية السياسية في إسطنبول، صلاح الدين العواودة، "من الطبيعي أن ترفض حماس والجهاد الإسلامي المقترح المصري الذي يعني تسليم قطاع غزة لإسرائيل، وفكرة الاستسلام للكيان الصهيوني مرفوضة من قبل جميع مكونات الشعب الفلسطيني وإلا فيما كانت مقاومة الشعب الفلسطيني وحركات المقاومة منذ عقود".
وفي حديثه لـ"عربي21": أوضح أن "اتفاق الهدنة السابق لم يفضي إلى وقف لإطلاق النار، ولكن اليوم حكومة نتنياهو تتعرض لضغوط داخلية من أجل استعادة المحتجزين أحياء وليسوا جثث وعرفوا من التجربة أنه لا يمكن أن يعودوا أحياء إلا من خلال اتفاق مع المقاومة، وهو ما يسعى إليه نتياهو من خلال هدنة مؤقتة ثم يعود مجددا إلى عمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية وهو أمر مرفوض".
واعتبر العواودة أن "المقاومة تتحدث من موقع قوة، وهي في وضع مثالي للاقتتال، وتكبد الاحتلال خسائر لم يعد بمقدوره تحملها بسبب الخسائر الفادحة وجميع المحللين الإسرائيليين المعروفين يؤكدون أن استراتيجية الدمار في قطاع غزة فشلت، ولا يمكن من خلالها القضاء على حماس وهي مستمرة في القتال وأدائها يتطور، وحتى الآن لم يصل الاحتلال إلى مبتغاه".
ورأى أن "الحديث عن المرحلة الثالثة في الحرب، هو الاكتفاء بمنطقة عازلة على حدود قطاع غزة على طول الحدود الشمالية والشرقية تتمركز فيها قوات الاحتلال تشن من خلالها عمليات جراحية لأنها لا تستطيع أن تستمر في القتال وسط المدن والشوارع، ويجهل الاحتلال إمكانيات المقاومة الحقيقية سواء من ناحية العدة والعتاد وأنواع الأسلحة، المقاومة في وضع قوي فلماذا تقبل بالهزيمة، الحرب مع المقاومة لا يمكن حسمها بقتل المزيد من المدنيين، إذا لم تستطع الوصول إلى كل أماكن ارتكازها وتمركزها وأسلحتها وقادتها وغرف عملياتها فلن تستطيع هزيمتها".