لم نكن بحاجة لسماع وزير المالية
الإسرائيلي بتسلئيل
سموتريتش وهو ينكر وجود الشعب
الفلسطيني، ويعرض خارطة لإسرائيل الكبرى، تشمل فلسطين التاريخية والأردن، ولا لرؤية تمرير قانون يلغي "فك الارتباط" بما يتيح إسرائيل إعادة المستوطنين للمستوطنات التي أخليت في عام 2005 في شمال الضفة الغربية، حتى ندرك أن هذه الحكومة العنصرية المتطرفة لأقصى الحدود لا توجد أي أرضية سياسية للتعامل معها ولا ينبغي أن تُمنح أي فرصة لحوار بدون أفق أو معنى ولا حتى مجرد الجلوس مع ممثليها في أي محفل إقليمي أو دولي، فهذا سيكون بمثابة مكافأة لها على مواقفها وجرائمها التي فاقت كل الحدود وتجاوزت كل الخطوط الحمر.
ما قام به سموتريتش في الواقع هو ترجمة لبرنامج حكومته الذي يقول بدون أي مواربة أن فلسطين التاريخية هي حق حصري لليهود، وعملياً هي لا تعترف بوجود الشعب الفلسطيني وتمارس العربدة الوقحة والمجرمة على كل المستويات، فهي تقتل بدم بارد وبشكل مقصود ومنهجي ومكثف أعداداً كبيرة من المواطنين الفلسطينيين (حوالي 90 مواطناً منذ بداية العام)، وتقوم بالاجتياحات شبه اليومية، وتعتقل وتهدم البيوت والمنشآت الفلسطينية، وتغير الوضع السياسي والقانوني للمستوطنات على طريق الضم الزاحف لمناطق (ج). ونحن نتصرف وكأن شيئاً لا يحدث، نكرر تصريحات الإدانة والشجب، ونطالب المجتمع الدولي بمقاطعة بنيامين نتنياهو ووزرائه، ثم نذهب لنجلس معهم في العقبة وشرم الشيخ.
وتصدر البيانات المكررة والتي ينكر مضمونها المسؤولون الإسرائيليون، وتسير الأمور على نفس الوتيرة بدون أي موقف جدي يتعامل مع تغيرات جذرية غاية في الخطورة، وتنسف كل الأسس التي قامت عليها العلاقات الفلسطينية- الإسرائيلية. فلا اتفاق "أوسلو" قائم ولا المرجعيات الدولية، بما فيها قرارات مجلس الأمن و"خارطة الطريق" ومبادرة السلام العربية، معترف بها أو تشكل قاعدة لأي حوار أو نقاش.
والغريب أن قسماً كبيراً من الفلسطينيين يتابعون ما يجري داخل إسرائيل وخاصة عملية الاحتجاج الآخذة في التصاعد، والتي قد تتحول إلى حرب أهلية إذا لم تتراجع حكومة نتنياهو عن "الإصلاحات القضائية" التي تعتزم تنفيذها، وهم يفركون أياديهم جذلاً بما يمكن أن يؤدي لانهيار النظام السياسي في إسرائيل، وكأن واقعنا أفضل ويمكننا أن نستفيد من شيء يحدث داخل إسرائيل أو حتى من تحولات كونية كبيرة تحدثها الحرب الأوكرانية في النظام العالمي.
فنحن كمن يعيش خارج التاريخ، منقسمون على أنفسنا في كيانين منفصلين، ولا توجد لنا قيادة سياسية واحدة وفاعلة تقود الشعب. وشعبنا يعيش حالة إحباط ويأس شديدين، ويحاول أخذ زمام الأمور بيديه عبر حركة مقاومة ارتجالية مكلفة للغاية في ظل عدم وجود من يأخذه إلى بر الأمان، ويوجهه نحو الطريق الأقصر للوصول إلى أهدافه.
من المخجل فعلاً أن تفشل قياداتنا في إجراء عملية انتخابات ديمقراطية بعد مرور سبعة عشر عاماً على آخر انتخابات عامة جرت في فلسطين. مع العلم أنها باتت تمثل الطريق الأنسب لتحقيق الوحدة الوطنية وتجديد مؤسساتنا وعودة الحياة الديمقراطية لدينا بما في ذلك الفصل بين السلطات وتحقيق الشفافية والرقابة والمحاسبة، والقضاء على الفساد الذي أصبح يسيطر على الحياة الفلسطينية بكل تفاصيلها في الضفة الغربية وفي قطاع غزة.
وإذا كانت حركة الاحتجاج في إسرائيل عنوانها هو منع الانقلاب على السلطة القضائية وتكريس سيطرة السلطة التنفيذية عليها لتحقيق مصالح الفئة الحاكمة، وعلى هذا العنوان يمكن أن تنهار الدولة، فماذا مع الذي يجري لدينا حيث لم تعد هناك لا سلطات تشريعية ولا قضائية؟! أليس جديراً بنا أن نتعمق فيما يجري لدينا ونرى إلى أي درك وصلنا، وهل بالإمكان إنقاذ أنفسنا ووضع قضيتنا على الأجندة الدولية في ظل المتغيرات الهائلة التي تحدث في هذا الكون؟ أم أننا وصلنا فعلاً إلى مرحلة اللا عودة ولم يتبق سوى انتظار الانهيار التام والفوضى المطلقة؟
في الواقع، نحن في حالة ضياع كاملة، بلا بوصلة وبلا طريق للخلاص. والخلاصة مزيد من الضعف والهوان ومن عربده الاحتلال وعصابات المستوطنين الذين باتوا يتحكمون في إسرائيل ويقودونها نحو نهايتها على ما يبدو.
حتى لو انهارت إسرائيل، وهذا لا يزال مبكراً حتى في ظل الصراع الداخلي الخطير والذي يصفه البعض بالوجودي، لن يستفيد الشعب الفلسطيني في حال بقي مشتتاً ومنقسماً على نفسه وضائعاً بدون قيادة واحدة وبرنامج واحد. وجل ما يمكن أن يحدث هو وجود مجتمَعَين منقسمَين ومتصارعَين إلى أجل غير مسمى. وحتى المجتمع الدولي الذي يتخاذل في وجه العدوان الإسرائيلي وجرائم الحرب التي ترتكبها الدولة الصهيونية المارقة، عندما يقرر أن يعمل ضد إسرائيل بسبب التحولات الدكتاتورية التي تشهدها، وربما حالة الانقسام اللاحقة، لن يجد مؤسسة فلسطينية واحدة قادرة على قيادة الشعب الفلسطيني في كل الأراضي الفلسطينية. فالصراع على الكعكة الهزيلة يُنهك المشروع الوطني ويدمره، وحالنا ليس أفضل من حال عدونا الذي ينهشه الخلاف على طبيعة الحكم والدولة.
(
الأيام الفلسطينية)