صحافة دولية

كيف حوّل بشار الأسد كارثة الزلزال المدمر إلى "سلاح" في يده؟

قال الكاتبان إنه "رغم أنه لم يكن قادرا على تحقيق انتصارات في ساحة المعركة إلا أنه نجح في إجبار المدنيين في البلد من خلال استراتيجية بعيدة المدى "الركوع أو الجوع"- جيتي
تحدث باحثان في مقال بموقع "فورين أفيرز" عن استغلال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، كارثة الزلزال المدمر الذي وقع في بلده وتركيا مطلع شباط/ فبراير الماضي، لتحقيق مكاسب كبيرة.

الباحثان جيرميك كونينديك، مدير مؤسسة "ريفيوجي إنترناشونال" للاجئين، وجيسي ماركس، المحامي البارز للشرق الأوسط في المؤسسة ذاتها، قالا إن الأسد حول الكارثة إلى سلاح، وقالا إن العالم يستطيع مساعدة ضحايا كارثة الزلزال دون تقوية النظام.

وأضاف المقال الذي ترجمته "عربي21" أن الزلزالين في شمال غرب سوريا وتركيا في بداية شباط/ فبراير زادا من الأزمة الإنسانية، وقتلا الآلاف، وشردا مئات الآلاف، وهددا بتغيير ميزان القوة بطريقة لم يتوقعها أحد، فلطالما حاول الأسد معاقبة المدنيين كوسيلة لتحقيق أهداف الحرب التي شنها ضدهم, ويبدو أن الكارثة تساعده الآن.

ومن دون مساعدات ضخمة لسكان شمال سوريا الذين يعيشون في مناطق المعارضة بطريقة تساعد على التعافي من آثار الكارثة وإعادة بناء حياتهم، فإن الميزان قد ينحرف لصالح النظام.

وتاليا ترجمة المقال:
يجب على المانحين الدوليين لمساعدة سوريا على التعافي من الكارثة القيام بجهود جديدة لفتح معابر إنسانية لمناطق المعارضة والتأكيد أنهم لن يكونوا متواطئين في محاولات الأسد لاستخدام جهود التعافي لصالحه. وطالما استخدم الأسد المساعدات الإنسانية إلى سوريا كسلاح في الحرب واستعان بأساليب لإجبار المعارضة على الاستسلام.


الركوع أو الجوع
ورغم أنه لم يكن قادرا على تحقيق انتصارات في ساحة المعركة إلا أنه نجح في إجبار المدنيين في البلد من خلال استراتيجية بعيدة المدى "الركوع أو الجوع"، عبر حصار وقصف مستمر لمناطقهم والتحكم بمنافذ المساعدات الإنسانية لإخضاعهم. 

وجرب هذه الاستراتيجية في المراحل الأولى للحرب وقام بمحاصرة الأحياء والبلدات التي سيطر عليها المعارضون له وقصفهم من مناطق بعيدة وخنق المعابر الرئيسية لهم. وقادت هذه الأساليب التي لم تكن مكلفة للنظام إلى سحق المدنيين وسقطت معظم هذه المناطق في النهاية بيد النظام. واستخدم الأسد هذه الإستراتيجية في السنوات الماضية ضد المناطق التي تمكنت فيها المعارضة، وعبر الطرق الدبلوماسية والعسكرية.

وقام النظام مع روسيا باستخدام مجلس الأمن لمنع دخول المواد الإنسانية وحصرها في معبر واحد، وفرضا على المجلس إجراءات معقدة لتجديد السماح للمؤسسات الدولية نقل المواد الإغاثية إلى شمال- غرب سوريا.

ولا يسيطر الأسد على المعابر ما بين سوريا وتركيا ولكنه يعطي روسيا فرصة لممارسة معوقات دبلوماسية نيابة عنه. واستطاعت دمشق وموسكو معا منع تدفق المساعدات الإنسانية وجعل الحياة لا تطاق لسكان المناطق التي يسيطر المعارضون عليها.

ومنحت الهزات الأرضية النظام وروسيا فرصة للضغط على الجيوب المعارضة، لكن على المجتمع الدولي والمانحين عدم السماح لهما باستخدام الكارثة لصالحهما. وأصبح الدعم لعبة في يد الأسد، ومع أن الدعم الإغاثي تدفق لتركيا بعد الكارثة إلا أن ما وصل للمناطق المنكوبة في سوريا كان قليلا ، وما وصل تأخر نظرا للأضرار التي حدثت بسبب الزلزال أو العراقيل التي وضعها الأسد. وما وصل من دعم في الفترة الحرجة كان قليلا نظرا للضرر الذي أصاب الطرق للمعبر الوحيد المفتوح.

واعترف منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث بالتأخر في زيارة له إلى سوريا وأن المنظمة الدولية تخلت عن السوريين في شمال- غرب البلاد الذي شعروا بالإهمال وانتظار معونات لم تصل. ورفض النظام في البداية مرور المواد الإغاثية إلا من خلال دمشق، وبعد ضغوط دولية وشعور بأن هناك فرصة لإعادة التأهيل، وافق على معبرين من تركيا وبشكل مؤقت، لكن الموافقة جاءت بعد مرور المرحلة الحرجة من الإغاثة.

ولم يغير هذا من واقع أن شمال- غرب سوريا لا يزال منطقة نزاع نشطة، ولم يقدم النظام أو المعارضة أي مساعدة لوصول المساعدات بشكل كبير.

وأدت العراقيل لمنع المساعدات العاجلة التي تتبع كوارث طبيعية. ففي الوقت الذي تم فيه نشر مئات الفرق للبحث والإنقاذ في جنوب تركيا، لم يحدث شيء من هذا في سوريا، وأدى هذا إلى وفاة المئات الذين كان بالإمكان إنقاذهم.

وحاولت فرق الدفاع المدني أو الخوذ البيضاء إنقاذ ما تستطيع بدون جدوى نظرا لغياب المصادر والمعدات التي نشرت في الجانب الآخر من الحدود. وفي الوقت الذي يعمل فيه المجتمع الدولي على مساعدة السوريين، فعليه التغلب على العقبات التي منعته من المساعدة المباشرة وإلا سيظل سكان المنطقة تحت رحمة كارثة ستخرج عن السيطرة. وأعطت الكارثة النظام فرصة للإضرار بشمال سوريا بدون أن يسعى لحرب تقليدية أو التعرض لاتهامات بارتكاب جرائم حرب.

أزمة إنسانية
وفاقمت الكارثة أزمة إنسانية في المنطقة، وشردت الملايين الذين يعيشون في مخيمات مؤقتة ويعتمدون على المساعدة الإنسانية. وشردت الكارثة أكثر من 100.000 شخص وتهدد بتوسع وباء الكوليرا وتدمير المنشآت الصحية والبنى التحتية الباقية. ومنحت الكارثة الفرصة للحفاظ على الوضع القائم ومفاقمة الدمار الذي لم يكن بحاجة للقيام به ومنع إمكانية التعافي للبنى التحتية.

وفي غياب الجهود الدولية الشاملة للحد من مخاطر الكارثة يفيد النظام، في وقت اختفت فيه الكارثة بالمنطقة عن عناوين الأخبار وحتى المعبرين اللذين وافق الأسد وعلى مضض فتحهما لم تتم المصادقة عليهما رسميا في قرار مجلس الأمن الأخير.

ويشير الكاتبان أن الأثار السياسية لكل هذا واسعة، فقد تخلى الغرب والولايات المتحدة عن جهود التوصل لتسوية أو نقل للسلطة والذي يقتضي الإطاحة بالأسد، وفي الوقت نفسه، لا يريد الغرب منح الأسد نصرا حاسما. ولا تزال تركيا والجماعات الوكيلة عنها تحتل مناطق في شمال سوريا. وتقوم الولايات المتحدة بعمليات عسكرية في شمال- شرق سوريا، ولا يصل سوى الدعم القليل للمنظمات غير الحكومية الباقية في المنطقة.


مقايضة
وكانت النتيجة هي نزاع مجمد، يبتعد فيه منظور إزاحة الأسد عن السلطة، نظرا للدعم المستمر من روسيا والصين وإيران، ولكنه لا يستطيع استعادة المناطق الخارجة عن سيطرته بسبب غياب القوة الكافية، والنتيجة هي وضع سيء لسكان شمال- غرب سوريا. وعليه فالرهانات كبيرة لتحقيق التعافي من الكارثة، وفي أي عملية إعادة إعمار يتم التعاون بين الحكومات أو المؤسسات الحاكمة والدول المانحة. وفي هذه الحالة لا توجد رغبة لدى حكومة سوريا بإعمار مناطق المعارضة إلا إذا كانت مجرد مقايضة من أجل إعمار مناطق مهمة له مثل حلب.

وهناك إمكانية لهذه المقايضة بعد موافقة النظام على فتح معبرين الذي تصادف مع قرار أمريكا تخفيف العقوبات والسماح بوصول المساعدات الإنسانية. وتساعد المقايضة الضمنية الأسد بالفعل، مثل الدعم من الإمارات العربية المتحدة.

ويواجه المانحون الكبار نفس المشكلة في شمال-غرب سوريا والتعامل مع منظمات مصنفة كإرهابية مثل هيئة تحرير الشام. ومع أن هذه الجماعات توصلت لتسوية مؤقتة مع المجتمع المدني السوري إلا أنها لن تسمح لهؤلاء اللاعبين بالحصول على منفعة مادية من الدعم.

وتعتبر معضلة إعادة الإعمار جزءا من مشكلة أوسع، فلا أحد في المجتمع الدولي راغب في تقوية عناصر متشددة في شمال سوريا، وفي الوقت نفسه لا يريدون دعم نظام لكي يحقق نصرا حاسما. وفي غياب الدعم الشامل للإعمار في مناطق المعارضة وبمساعدة لا تتوقف من المجتمع الدولي، فالحل هو دعم الجماعات المدنية في المنطقة والتي عملت بموافقة تكتيكية من الجماعات المسلحة، وعلى الأمم المتحدة توفير المعرفة والمهارات واستغلال ما تم تحقيقه خلال عقد قبل كارثة الزلزال.

وبدعم من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والشتات السوري قامت الجماعات غير الحكومية ببناء العيادات الصحية والمعسكرات للنازحين. ومع أن معظم البنى التحتية دمرت إلا أن الجماعات المدنية تعرف ومن خبرة 12 عاما التكيف مع الوضع الجديد.

وعلى الأمم المتحدة التحرك سريعا وإصدار قرار بمجلس الأمن للمساعدة الإنسانية العاجلة واستخدام كل المعابر المتوفرة بما فيها تلك التي سمح بها النظام. وعلى الأمم المتحدة أن تضغط باتجاه وقف إطلاق النار حتى لا تتأثر عمليات الإغاثة وكذا الإصرار على عدم تدخل النظام في مناطق المعارضة. وفي حالة رفض روسيا التعاون، فيجب على مجلس الأمن التحرك وإعادة النظر بالأسس القانونية لقرارات المجلس المتعلقة بالمعابر.

وعلى الدول المانحة، الأوروبية وأمريكا والخليجية القيام بدورها من خلال التعهد بحزم مساعدات لشمال- غرب سوريا. وبعد مؤتمر عقد في بروكسل في 20 آذار/ مارس تم تخصيص 7.5 مليار دولار لكل من تركيا وسوريا، منها مليار دولار لسوريا. وعلى الدول المانحة مضاعفة استثماراتها في الجماعات السورية وتقوية قدراتها.

ويجب أن يحدث هذا بسرعة البرق. ومضى شهران على الزلزال، ويجب أن تبدأ المرحلة الحرجة للتعافي, ولو فشل المجتمع الدولي في التحرك والاستثمار لمساعدة البلد، فسيعاني الملايين من الناس، وسيكون الأسد المستفيد الأوحد.

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع