التّفريق بين النّقد وبين التهجم لغاياتٍ أبعدَ من الشّخصيّة المستهدفة؛ فمن حقّ الجميع دون استثناء نقد أفكار ابن تيمية، بل من حقّهم السّعي في نقضها ما دام ذلك في مضمار التّدافع الفكريّ، ولكنّ الافتراء السياسي الذي يلبس ثوب الفنون تارةً وثوب محاربة التطرف تارةً أخرى؛ فهو لا يستهدفُ ابن تيمية بل هو ستارٌ لحربٍ على أصول الأفكار والانتماء للمرجعيّة الإسلاميّة
ابن تيمية عند الكثيرين هو فقط عدوّ الصّوفيّة، ومحاربُ الأشاعرة، والسّيف المسلط على رقاب الشّيعة والنصيريّة وكلّ من ليس من أهل الاعتقاد السلفيّ، والآخذ بظواهر النصوص، حتّى غدا المفتي بالسيف وقطع رؤوس المعاندين؛ وهذه الصّورة لم تكن فقط من صنع أعداء الإسلام، بل كان أحد أسبابها الرّئيسة احتكار ابن تيمية واختزاله فقط فيما يخدم أفكار السلفيّة
النّزعة الصّوفيّة كانت ظاهرةً في حياة ابن تيمية وفي كتاباته ومؤلّفاته، لكن حجَبَها عن أعين النّاس تصنيفهم له ونظرهم إليه بأعين محتكريه من السلفيّة ودخولهم عليه من بوابتها الحصريّة
ابن تيمية الذي يهاجمه صنفان؛ صنفٌ جهلَ حقيقته فلم يطّلع منه إلاّ على ما رآه عبر بوّابة السلفيّة المعاصرة وفتاوى السلفيّة الجهاديّة وعاداه لمعاداته ومخاصمته للسلفيّة، وصنفٌ أعماه الهوى بعد أن علِم، وانساق مع رغبات نفسه وهواها، أو امتثل لرغباتِ سلطات القهر التي تبغض ابن تيمية
ميزان عبد الستار قاسم في ذكرى رحيله الأولى