قضايا وآراء

تحلية المياه ليست هي الحل بمصر

1300x600

وصل تعداد العالم العربي (22 دولة) بنهاية عام 2018 لقرابة 423 مليون نسمة، مقارنة بـ77 مليون نسمة بنهاية عام 1950. أي أن متوسط معدل الزيادة السكانية على مدار 68 عام يعادل قرابة 2.8 في المئة. وعلى الرغم من تلك الزيادة الرهيبة في تعداد سكان العالم العربي، إلا أن هذا لم تقابله زيادة مشابه في المصادر المائية المتجددة، أي المصادر التي تعوض نفسها كل عام مثل فيضان النيل.




فقد وصل حجم المياه المتجددة سنويا بنهاية عام 2017 لقرابة 233 مليار متر مكعب فقط، وهذا ما يضع أكثر من 60 في المئة من تعداد سكان العالم العربي تحت خط الفقر المائي، والذي يعادل ألف متر مكعب سنويا لكل مواطن. فعلى سبيل المثال، وصلت حصة المواطن المصري لقرابة 638 مترا مكعبا سنويا، وحصة المواطن الجزائري لقرابة 295 مترا مكعبا، بينما حصة المواطن السعودي لقرابة 77 مترا مكعبا فقط.


 

وقوع معظم الدول العربية تحت خط الفقر المائي المدقع يجعل لجوء معظم الدول العربية لتحلية مياه البحر هو أمر حتمي لمستقبل المنطقة. وربما هذا ما يفسر سبب إنتاج هذه المنطقة وحدها لقرابة 46.7 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي للمياه المحلاة على كوكب الأرض، والذي وصل بنهاية عام 2015 لقرابة 98 مليون متر مكعب، منها 30 مليون متر مكعب إنتاج محطات تحلية تعمل بنظام التقطير، و68 مليون متر مكعب إنتاج محطات تحلية غشائية النظام تعرف بسم التناطح العكسي (RO).


 

ووصل إنتاج المياه المحلاة بدولة مثل قطر على سبيل المثال؛ لقرابة 72 في المئة من إجمالي الإنتاج السنوي للبلد من المياه، ولقرابة 65 في المئة بدولة الكويت، بينما وصل لقرابة 51 في المئة و15 في المئة لكل من دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية على التوالي. وتعتبر مصر هي إحدى أقل الدول العربية المنتجة للمياه المحلاة سنويا، حيث لم يزد إنتاجها عن 1 في المئة من إجمالي الإنتاج السنوي للمياه، وكذلك المغرب وتونس.



ولهذا فمن السهل جدا الربط بين موقع الدول العربية المتصدرة قائمة إنتاج المياه المحلاة وبين موقعها في قائمة الرخاء الإقتصادي العالمي. فدولة مثل قطر أو الكويت أو الإمارات العربية أو السعودية لديها القدرات المالية والطاقة النفطية التي تيسر لحكومتها أخذ قرار بناء محطات تحلية مياه البحر، بينما من العبث والتهريج السياسي ما ينطق به رجال الحكومة المصرية يوميا، وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، بأن حل مشكلة العجز المائي المتوقع عن بناء سد النهضة يكمن في وعود السيسي ببناء عدد كبير من محطات تحلية البحر، لتعويض النقص المنتظر عن تشغيل سد النهضة.

والسؤال هنا: هل يمكن لمحطات التحلية أن تعوّض مصر العجز الناتج عن بناء سد النهضة؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب أولا تحديد حجم العجز الناتج عن تشغيل سد النهضة. فكما أعلنت الحكومة الإثيوبية مرارا وتكرارا، وعلى مدار السنوات السبع الماضية، أنها تنوي استكمال تخزين بحيرة سد النهضة على مدار ثلاث سنوات فقط، وليس سبع أو 10 أو 12 مثلما تتمني الحكومة المصرية، وأنها كانت تنوي بدء التخزين بداية من عام 2017، إلا أن ظهور كهوف تحت أساسات سد النهضة تسببت في تأجيل عملية التخزين والتشغيل لمدة ثلاث سنوات، حتى نهاية عام 2020.

وعليه، فمن المنتظر أن يتم حجز 74 مليار متر مكعب من تدفقات نهر النيل الأزرق على مدار ثلاث سنوات. فإذا علمنا أن إجمالي تدفقات نهر النيل الأزرق سنويا لا يزيد عن 48 مليار متر مكعب كانت تصب جميعها ببحيرة ناصر، وأنه بعد تشغيل سد النهضة سيصل لبحيرة سد النهضة قرابة 144 مليار متر مكعب على مدار ثلاثة فيضانات سيحجز منها 74 مليارا داخل البحيرة، يضاف إليها 26 مليار متر مكعب عبارة عن فواقد للبخر وتشبع التربة، بالإضافة للتسريب المنتظر خلال الشقوق والفوالق الجيولوجية. وهذا يعني حجز 100 مليار متر مكعب على مدار سنوات التخزين الثلاث، مع السماح بمرور 44 مليار متر مكعب عبر فتحات التوربينات، وذلك بمتوسط قرابة 15 مليار متر مكعب سنويا سوف تستولي عليها دولة السودان تعويضا عن حصتها المقررة وفقا لاتفاقية عام 1959، والتي تسمح للسودان بتحصيل 18.5 مليار متر مكعب سنويا.

 

هل لدى الدولة المصرية اليوم أو غدا القدرة الاستثمارية أو الوفرة النفطية لتحلية قرابة 90 مليون متر مكعب يوميا لتعويض ذلك النقص اليومي؟

وهذا يعني حرمان الدولة المصرية لقرابة 100 مليار متر مكعب على مدار سنوات التخزين الثلاث، أي بقرابة 33 مليار متر مكعب سنويا. فهل محطات التحلية التي وعد بها السيسي الشعب المصري قادرة على تغطية هذا العجز؟ هل لدى الدولة المصرية اليوم أو غدا القدرة الاستثمارية أو الوفرة النفطية لتحلية قرابة 90 مليون متر مكعب يوميا لتعويض ذلك النقص اليومي؟ إنها تحتاج حقا لكمية ضخمة جدا تكاد تقارب كل ما ينتجه كوكب الأرض من مياه محلاة من البحر، والتي تصل لـ98 مليون متر مكعب يوميا.


فالسيسي وحكومته لم يكذبا فقط عندما وعدا المواطن المصري بالتعويض عن طريق التحلية، بل كذبا أيضا وبشكل عملي عندما ألغى السيسي فكرة إمداد العاصمة الإدارية الجديدة (إرام) بمياه محلاة من العين السخنة، واستبدالها بقرابة 1.5 مليون متر مكعب من مياه النيل المرفوعة من محطات معالجة ثلاثية في العاشر من رمضان والقاهرة الجديدة، وذلك بعدما تأكد بأن سكان "إرام" من النخبة المختارة لن يكونوا قادرين على دفع فاتورة تحلية مياه البحر، والتي ستصل وفي أرخص الحالات لقرابة 53 سنتا أمريكيا للمتر للمكعب الواحد، بدون إضافة تكاليف الاستثمارات الأولية أو تكاليف ضخ المياه في شبكة توصيل المياه، بينما في حالة إضافة كل تلك التكاليف سيصل سعر المتر لقرابة دولار أمريكي، أي 18 جنيه مصريا، في وقت تصل فيه تكاليف المعالجة الثلاثية لمياه النيل لقرابة 2.5 جنيه مصري فقط.

 

تحلية مياه البحر ليست هي الحل الأمثل لتعويض العجز المائي المنتظر خلال فترة تخزين بحيرة سد النهضة أو بعد التشغيل الكامل للسد

تحلية مياه البحر ليست هي الحل الأمثل لتعويض العجز المائي المنتظر خلال فترة تخزين بحيرة سد النهضة أو بعد التشغيل الكامل للسد. فمصر التي أغرقها السيسي في ديون محلية وخارجية تفقد قدرتها الشرائية يوما بعد يوم، وتنحدر في صمت على منزلق الإفلاس الأرجنتيني أو الروسي؛ هي دولة لا تمتلك رفاهية الحكومة القطرية أو الكويتية لبناء محطات تحلية مليارية لتعويض العجز المنتظر. وليس أمامها غير البدء في إيجاد تكنولوجيا ري جديدة تخفض المقنن المائي للفدان الزراعي في الدلتا، وتوفر أكبر قدر ممكن من المياه المستخدمة في الري، والتي يصل حجمها لقرابة 85 في المئة من إجمالي الإنتاج السنوي للمياه المتجددة بمصر.

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع