من أعطى إشارة بدء الأحداث الأخيرة في تركيا ؟!

كتب بولنت أرانديتش: هناك 5 قواعد أساسية في مهنة الصحافة، تسمى قواعد الأسئلة الخمسة، وهي (ما، أين، متى، لماذا، كيف، ومن)، وهذه القاعدة تعني تقديم أي حدث راهن ومثير بشكل موضوعي ونزيه يتفق مع الحقيقة.

والآن إذا أردنا أن نحلل الأحداث الدموية التي شهدتها الشوارع التركية الأسبوع الماضي، بشكل موضوعي، ووفق قواعد الأسئلة الخمسة التي ذكرتها، فكيف سيكون المشهد الذي سيظهر قبالتنا؟ فهيا نحللها على النحو التالي، على طريقة سؤال وجواب:ماذا؟ : محاولة لجر تركيا إلى أجواء فوضوية.

أين؟ : في تركيا والعديد من الدول التي يوجد بها أتراك.

متى؟ : تم تأليب الأوضاع في تركيا في الوقت الذي يواصل فيه تنظيم "داعش" هجماته المخططة والمبرمجة من قبل عقل استيراتيجي، على "كوباني – عين العرب".

الإجابة على أسئلة "لماذ؟ وكيف؟ ومن؟"، كفيلة بكشف النقاب أكثر عن خلفية تلك الأحداث.

والسؤال الآن: كيف ينظر شعبنا العزيز إلى تلك الأحداث؟ قام "صلاح الدين دميرطاش" الرئيس المشترك لحزب "الشعوب الديمقراطي" بدعوة الناس للنزول إلى الشوارع في هجمات الساعة الحادية عشر ليلة الـسادس من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، في الوقت الذي يشن فيه "داعش" هجماته على "كوباني".

واعتبارا من هذه الليلة تحولت تركيا إلى بحيرة من الدماء. وفقد 45 مواطنا أرواحهم هباءً. حينما كانت تظاهرات الفوضى مستمرة يومي 7 و8 أكتوبر، كنت موجودا في مدن "آق شهر" و"قونيا" و"نوشهر"، وأكثر كلمات وعبارات سمعتها من المواطنين خلال وجودي في المدن الثلاثة كالتالي: "لابد أن جهة ما أعطت إشارة بدء هذه الأحداث من مكان ما، جهة تؤجج الصراع بين الأتراك والأكراد، هذه الأحداث بالتأكيد ورائها بؤر فساد محلية ودولية. يريدون وضع رئيس الدولة ورئيس الوزراء في موقف صعب من خلال تأليب الأوضاع في الداخل".

والآن أطلب منكم أن تركزوا في الأجوبة التي أجاب بها شعبنا على الأسئلة المذكورة أعلاه.. وهي "لماذ؟ وكيف؟ ومن؟"، إجابات شافية كافية، صحيحة، ومنطقية، لا يمكنكم أن تجدوا مثلها في أي مكان آخر. 

إلقاء نظرة على التاريخ القريب فيه فائدة:

عندما ننظر إلى فترة الانقلابات والفوضى التي عاشتها تركيا في التاريخ القريب، سيكون من السهل علينا فهم ما تشهده البلاد في الوقت الراهن. فقبل انقلاب 12 أيلول/سبتمبر، قتل الشباب بعضهم البعض بنفس الأسلحة في معركة بين اليساريين واليمينيين. وفي تسعينات القرن الماضي، كانت هناك مساعي لتقويض الأخوة التركية – الكردية.

وبدأت الحكومة في العام 2011 اتخاذ خطوات جادة لحل القضية الكردية التي مر عليها 100 عام دون حل، وشهد هذا الملف تقدما ملحوظا في العام 2014، وعلى الرغم من هذا وقع الشباب الأكراد ضحية في أيدي خفية أجنبية، وأصبحوا آلة يحركونهم كيفما شاءوا.

لنحلل معا هذه التطورات داخل "مشهد كبير":

ينبغي علينا أن ننظر إلى الماضي، كي نستطيع فهم الحاضر، لأننا إذا فهمنا الماضي جيدا ، سنتمكن من قراءة الحاضر والمستقبل بشكل أكثر صوابا. نحن الآن في العام الـ14 من القرن الحادي والعشرين. أمامنا عالم قد تغير، ودولة تركية قد تغيرت هي الأخرى. كما أن معاهدة "سايكس بيكو" البريطانية الفرنسية التي قسمت العالم الإسلامي، وجعلت المسلمين أعداءً لبعضهم البعض، قد انتهت، وعفا عليها الزمن. وثمة حقيقة تقول إن كلا من بريطانيا وفرنسا، لم يستطيعا ملء الفراغ الذي تركته الإمبراطورية العثمانية التي ساهما في تقويضها. وأتيا بالنظام الغربي إلى المنطقة بالظلم والفوضى لا بالازدهار والنفع.

النتيجة

لا شك أن حالة الفوضى التي شهدتها تركيا ليلة السادس من أكتوبر، لها علاقة مؤثرة بتطلعات "تركيا الكبرى" الموجودة في "المشهد الكبير" الذي تحدثت عنه. وذلك لأن تركيا لديها تصور عن المستقبل.

ففي الوقت الذي تسعى فيه لتدوير الوقت الحاضر، من أجل تشكيل المستقبل، يحاول البعض عرقلة مسيرتها، لعدم رغبتهم في أن تكون لاعبا وجهة فاعلة تساهم في تخطيط المستقبل. وذلك لأن تركيا الكبرى تخطط لتتصدى لمخططات القوى الاستعمارية العالمية، وتقطع عليهم طريق تولي أدوار مؤثرة في مجال النفط، فضلا عن اتجاها لإنهاء الفوضى في الداخل. (والسؤال المهم: أي دولة أو قوة عالمية، يمكنها أن تقوم بعمل معقد في الشرق الأوسط).

(بولنت أرانديتش تقويم 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2014)