مسقط تقود المعارضة ضد الاتحاد السياسي الخليجي

نشرت صحيفة ميدل ايست مونيتور تقريرا حول سلطنة عمان ودورها في المنظومة الخليجية، أعده الصحفي اليستير سلون.
 
وجاء في التقرير أن مجلس التعاون الخليجي بدى مصدوما عندما هددت عُمان بالانسحاب من المجلس ولكن هذا التهديد لم يكن مستغربا. فبالنسبة للدول الأعضاء (كثير منها تعارض الاتحاد الخليجي سرا) كان من الأفضل أن تتحدث عُمان حتى ترفع عنهم الحرج. وسلطنة عمان التي تواجه مشكلات اقتصادية وتعتبر إيران المنقذ المحتمل لديها كل الحق في رفضها للاتحاد الخليجي الاستفزازي الذي تقوده السعودية.

والسعودية لديها دوافع اقتصادية مشروعة تدفعها للتخطيط لهذا الاتحاد، ولكن الفكرة الأمنية وراء تشكيل مجلس التعاون الخليجي (وهي تحقيق توازن في المنطقة لمواجهة إيران في فترة الثمانينات) ربما تنطبق أيضا على الاتحاد الخليجي، حيث تخشى غالبية دول الخليج من إيران ما بعد مؤتمر جنيف وكذلك يخشون احتمالات اندلاع ثورات شعبية على أراضيهم.

ولكن عمان تفسر أي مشروع مقترح للاتحاد على أنه صدام دون داع، فعلى مر السنين لم تحارب عمان أصدقائها بل غلب على علاقاتها مع مختلف الدول الطابع الودي، فعلى سبيل المثال توسطت عمان من أجل السلام بين العراق وإيران، ومصر والسعودية وبريطانيا والولايات المتحدة. والآن تقوم بنفس الدور مع الدول الغربية، فعلى سبيل المثال توسطت عمان سرا لتسهيل الاتفاق النووي في جنيف ثم دافعت عنه وسائل الإعلام العمانية علنا بعد ذلك. ومع كل صفقة تعقدها عمان تتأكد حاجتها الى استقرار المنطقة واعتقادها أن العمل مع إيران خير من استعدائها بلا داع، وقد منحها دورها كقناة اتصال مع دولة منبوذه في السابق نفوذا واسعا لدى واشنطن ولندن، وهو ما تحتاجه عمان كدولة صغيرة لديها جيران غير متعاونين.

وعمان لم تنج من موجة ثورات الربيع العربي، فقد بدأت فيها التظاهرات بعد تونس بأيام قليلة وتحولت إلى اشتباكات دموية بعد تنحي مبارك، ولكن المطالب كانت اقتصادية وليست سياسية، وتجاوب معها السلطان قابوس الذي لازال يحتفظ بشعبية واسعة، وربما لا يستطيع حل جميع المشاكل بين ليلة وضحاها مثل خلق فرص العمل واستئصال الفساد ولكن رد فعله السياسي بدا متعاطفا مما جلب بعض الاستقرار لهذا النظام، وبذلك فهو بحاجة إلى مساعدة إيران في دفع فرص العمل إلى الأمام، كما أنه وقع للتو اتفاقا مدته 25 عام للحصول على الغاز الإيراني وهي صفقة بقيمة 40 مليار جنيه، كما أن تخفيف العقوبات على إيران سوف يؤدي الى المزيد من فرص العمل والمزيد من التبادل التجاري، وهو ما يحتاجه قابوس بشده لضمان الاستقرار الداخلي.

وبدت بعض دول مجلس التعاون الخليجي قلقة إزاء تطورات الربيع العربي على الرغم من اختلاف ظروفهم الداخلية بشكل كبير عن نظيراتها في العالم العربي مثل سوريا ومصر وتونس وليبيا، فغالبية الدول الخليجية عززت من سطوة أجهزتها الأمنية المتواجدة أو أسست أجهزة جديدة، فتم استبعاد المعارضين ومضايقة الأقارب المعارضين للنظام والتضييق على النشاط الإلكتروني أو الميداني، كما تعاونت الدول الخليجية لمواجهة التهديدات المحتملة بالقرب منها مثل قيام الإمارات والكويت والسعودية بدعم السيسي بعد سقوط الإخوان في مصر، وقامت جميع دول مجلس التعاون (باستثناء عمان) بإرسال قوات عسكرية إلى البحرين لمساعدة النظام على مواجهة المتظاهرين المطالبين بالإصلاح السياسي.

ولكن على الرغم من المخاوف المشتركة حول الاضطرابات الداخلية المحتملة التي يمكن أن يعالجها الاتحاد الخليجي، فهناك الكثير من الأسباب التي تدفع الكويت والإمارات للدعم الصامت لموقف عمان، فالسعودية التي اقترحت الاتحاد تهدف إلى توسيع نفوذها بقدر ما تسعى إلى تأمين الخليج. والمبادرات التي تهدف إلى الوحدة (مثل توحيد العملة وانشاء شبكة قطارات توحد دول الخليج) عكست الاختلافات في وجهات النظر، فعلى سبيل المثال سوف تعترض الإمارات إذا تم اختيار الرياض كمقر للبنك المركزي وليس أبو ظبي. وقد اختلف السعوديون والقطريون بالفعل حول بعض القضايا. والكويت ربما تدفعها ذكريات غزو العراق إلى الاتحاد ولكنها أوضحت ان فكرة الاتحاد خارج أجندتها أثناء اجتماع مجلس التعاون في كانون الأول/ديسمبر.

وعلاوة على ذلك فربما تنتشر عدوى المصالحة مع إيران،  فأبو ظبي قد أنهت نزاعها حول الجزر مع طهران وحكام دبي يتحدثون بحماسة عن احتمالات التبادل التجاري الخالي من العقوبات على إيران، وشهيتهم للاتحاد الخليجي ليست بالكبيرة، فلماذا يشاركون مع غيرهم ثمرة التبادل التجاري مع إيران؟

والآن إذا كانت عمان تضع المسمار في نعش الاتحاد الخليجي هل من الواقعي أن تنضم السعودية مع المؤيد الأخير للاتحاد وهي دولة البحرين؟

ويقول مدير وحدة الدراسات الخليجية في جامعة اكستر مارك فاليري إن السعوديين لا يريدون البحرين أن تصبح "مسألة داخلية" حيث انها "لا تشكل قيمة استراتيجية او اقتصادية بالنسبة للخليج وانضمامها ربما يضيف مشاكل أخرى إلى الاتحاد".

فمن المحتمل أن تكون عمان قد قضت بالفعل على فكرة الاتحاد من خلال حشد معارضة الكويت والإمارات وقطر، ولكن إذا كان الاتحاد يواجهه مشاكل كثيرة بالفعل لماذا تحرج عمان السعودية علنا؟

ويرد على ذلك السؤال د. جيمس وورال من جامعة ليدز قائلا: "من الصعب الإجابة الحاسمة على ذلك ولكن تخميني أن ما قامت به عمان كان بهدف وقف الطموح السعودي حيث أصبحت الرياض عدوانية وتوسعية للغاية وارادت عمان ان تقول لها كفى فقد تماديت كثيرا".

"كما أن المكان الذي أعلنت فيه عمان موقفها كان مهما حيث لم يكن ذلك في الاجتماع الرئيسي ولكنه كان على هامش المؤتمر، فعلى الرغم من قوة البيان العماني فهو لم يكن أسوأ ما يمكن أن تقوله في هذا الصدد".

"وعمان هامشية من الناحية الاقتصادية ولم يكن لها قوة داخل مجلس التعاون قبل هذا الإعلان، أما الآن فسيعيرهم الآخرون اهتماما".

وعلى الرغم من استمرار معارضة الاتحاد إلا أن السعودية لا زالت تدفع بالفكرة وربما تكون تسبح عكس التيار على المدى القريب.