فيما يستمر الكيان في التصعيد جنوب لبنان، يتواصل وقف إطلاق النار في
غزة في التآكل والخرق اليومي، ما يكشف أن الكيان يمارس الأسلوب ذاته في التعامل مع “الهدن” واتفاقات وقف إطلاق النار، سواء في لبنان أم غزة. المنهج نفسه الذي طالما حذرت منه المقاومة شمالا وجنوبا، كون الكيان لا ملّة له ولا خلاق.
في هذه الأثناء، يعمل رئيس وزراء الكيان بكل ما لديه من وسائل مراوغة وخلق الذرائع للدفع نحو عدم التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم لإنهاء العدوان، إذ لن تتمكن الخطوة، على عيوبها، من أن تتحقق: فأن تتحقق الخطة، يعني فشل مخطط نتانياهو بالأساس، وهذا يعني انهيار حلمه الطوباوي السريالي في أن يكون “ملك بني إسرائيل” آخر الزمان، وتوحيد الأراضي المسلوبة من الفلسطينيين، وضمّ الضفة تحت مسمى يهوذا والسامرة ومعها القطاع مع توسيع حدود “الدولة” القائمة أحيانا، بلا حدود دستوريا.
هذا الوضع، يعمل عليه نتنياهو منذ أكثر من سنتين، وما قبل ذلك، لكن مع مخطط الولايات المتحدة المدعوم عربيا لإنهاء الإبادة والاحتلال وإعادة الإعمار حتى من دون حماس، يشكل بداية الحديث عن دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا في حد ذاته ما يرفضه قادة الكيان في الحكومة الفاشية وفي المعارضة على حد سواء: الكل بات الآن شبه متأكد من أن بنيامين نتنياهو يحارب ويقتل ويجوّع ويمارس التضليل والكذب والجرائم والإبادة، فقط لكي يبقى على حالة “الحرب الدفاعية المقدسة”، كما يراها لإنقاذ “إسرائيل” من مصير محتوم: الزوال الوجودي.
هذا واقع سيتحقق، لكن نتنياهو وحكومته الصهيونية اليمينية الدينية المتطرفة، يرون فيه طوق نجاة ائتلافهم الهشّ، وأن حالة الحرب الدائمة شمالا وجنوبا وضد إيران واليمن وسوريا وحتى العراق ودول أخرى، هو سبيل بقائهم حكومتهم وهيمنتهم على المشروع الصهيوني، ولو أدى ذلك إلى خراب الكيان، إذ إنهم يرون في جرائمهم، دفاعا عن حق الوجود في المنطقة كشعب مختار، اختار الله لهم أرض الميعاد هذه، خالصة لهم من دون الناس، رغم أن غالبيتهم مهاجرون من شتات بلدان أوروبا الشرقية.
استمرارُ خرق وقف إطلاق النار بدعاوى أن حماس هي من تخرقه أوَّلا، يذكرنا بقصة الذئب والخروف وبالمثل القائل: “ضربني وبكى وسبقني واشتكى”، وهو من ألاعيب نتنياهو المعروفة لدى العامّ والخاص، حتى عند حلفائه التاريخيين في الولايات المتحدة وأوروبا: المخادعة هو عنوان نظام الجرائم ومجرمي الحرب في البؤرة السرطانية هذه، التي باتت كثير من الشعوب تؤمن بأنه لا يقضى عليها إلا عبر الكيّ الكيميائي.
الصراع أكبر من مجرد صراع بين كيان محتل وقطاع مجوَّع محاصَر مدمَّر
الإدارة الأمريكية، تساير الكيان في كثير من المواقف رغم أنها تبدو كما لو كانت تضغط عليه لمصلحته وخوفا عليه، وهو المنطق ذاته الذي تتبعه الإدارة الأمريكية في أوكرانيا لحل هذه الأزمة الثانية التي راهن ترمب على حلها في 24 ساعة، بمكالمتين هاتفيتين.
الصراع أكبر من مجرد صراع بين كيان محتل وقطاع مجوَّع محاصَر مدمَّر، وأكبر من مجرد صراع بين بلدين جارين، تقاسما تاريخيًّا الأرض والسكان واللغة والاقتصاد الصناعي والزراعي والثقافة والفن والعلوم، بل هو صراع عالمي تاريخي لا تغيره الجغرافيا. صراع بين القوى المهيمنة التي تريد أن تبقى الهيمنة قائمة عبر التوسع أكثر وبسط النفوذ إلى أبعد وأوسع مدى، وبين القوى التي تعمل على التحرر من هذه الهيمنة وتطالب وتعمل على تعديل ميزان القوة عبر آليات التنمية المستدامة المستقلة، من دون تبعية، وعبر مخططات سياسية وعقائدية وإيديولوجية مناهضة للأحادية القطبية باسم التعددية الديمقراطية.
الشروق الجزائرية