كانت الزيارة
التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد
بن سلمان إلى واشنطن في تشرين الثاني/
نوفمبر الجاري؛ بمثابة تسارع قوي في الشراكة الاستراتيجية بين المملكة العربية
السعودية
والولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب. كانت هذه الرحلة، وهي الأولى لابن سلمان إلى
البيت الأبيض منذ عام 2018، بمثابة جهد متعمد لإعادة تأهيل سمعته كزعيم دولي جاد وشريك
أمريكي قيّم، متجاوزا الغضب الدولي الذي أعقب مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018.
ركزت النتائج
الأساسية للاجتماعات بشكل كبير على الأمن والدفاع والصفقات الاقتصادية الضخمة، مما
أدى بنجاح إلى رفع مكانة المملكة كحليف استراتيجي مع إظهار الأدوار الاستراتيجية للمملكة
في المشهد الشرق أوسطي المتطور.
الرئيس دونالد
ترامب، الذي وُصفت علاقته مع محمد بن سلمان بأنها "صداقة حميمة"، أشار مرارا
وتكرارا إلى ولي العهد باعتباره صديقه خلال الزيارة، أشاد ترامب بقيادة ولي العهد،
ووصف السعودية بأنها "معجزة العصر الحديث". واصل نهج ترامب سياسته الخارجية
القائمة على المعاملات والصفقات التجارية، حيث أعطى الأولوية للاتفاقيات الاقتصادية
ومبيعات الأسلحة على المشاركة السياسية القائمة على القيم أو التوبيخ بشأن حقوق الإنسان
والحريات السياسية. لقد وفر هذا الإطار لمحمد بن سلمان المنصة التي سعى إليها، مما
أدى إلى ترسيخ التفاهمات الثنائية التي تعود بالنفع على المملكة بغض النظر عن وضع التطبيع
السعودي الإسرائيلي.
أولا: أساس
جديد للأمن والترابط الاقتصادي
كانت النتيجة الأكثر وضوحا للزيارة هي ترسيخ شراكة دفاعية واقتصادية متجددة رفيعة المستوى، والتي جعلها البيت الأبيض تبدو أنها تعمل على تعزيز سلاسل التوريد، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وتوسيع فرص العمل الأمريكية
كانت النتيجة
الأكثر وضوحا للزيارة هي ترسيخ شراكة دفاعية واقتصادية متجددة رفيعة المستوى، والتي
جعلها البيت الأبيض تبدو أنها تعمل على تعزيز سلاسل التوريد، وتعزيز الاستقرار الإقليمي،
وتوسيع فرص العمل الأمريكية.
وكانت النتيجة
المهمة هي التعيين الرسمي للمملكة العربية السعودية كحليف رئيسي خارج الناتو. هذا التصنيف
يرفع من مكانة السعودية الأمنية ويأتي بعد وقت قصير من توقيع المملكة على اتفاقية دفاع
مشترك مع باكستان المسلحة نوويا في أيلول/ سبتمبر.
الأمر الحاسم
هو أن الزيارة استندت إلى صفقات الأسلحة التي تم إبرامها خلال زيارة ترامب إلى الرياض
في عام 2017، والتي تضمنت صفقة أسلحة بقيمة 110 مليار دولار. وتؤكد اتفاقيات الدفاع
الجديدة على دور الولايات المتحدة كشريك استراتيجي أساسي للمملكة العربية السعودية
وداعم للأمن الإقليمي. وشملت أحكام الدفاع الرئيسية التي تم الانتهاء منها أو تعزيزها
خلال الزيارة ما يلي:
1. طائرات
إف-35 المقاتلة: وافق ترامب على بيع طائرات إف-35 المقاتلة الشبحية إلى المملكة العربية
السعودية، وهو عرض اعتبر مثيرا للجدل لأن الطائرة هي الأكثر تقدما في الترسانة الأمريكية
ولم تقدم في السابق إلا إلى إسرائيل من بين دول الشرق الأوسط. طلبت السعودية رسميا
48 طائرة مقاتلة من طراز " F-35 Lightning II" كجزء من اتفاقية مبيعات دفاعية أكبر بقيمة 142 مليار دولار.
بالنسبة لمحمد بن سلمان، يمثل تأمين طائرة إف-35 مسعى للردع وإثباتا لمكانة المملكة
العربية السعودية كشريك أمني رائد قادر على بناء رادع موثوق ضد إيران. ومع ذلك، تتطلب
الصفقة موافقة الكونجرس وتخاطر بتأجيج سباق تسلح في المنطقة، أو ربما إجبار الولايات
المتحدة على تخفيف الصفقة أو تقديم حزمة تعويض أكثر تقدما لإسرائيل، مما يشكل تحديا
لمبدأ التفوق العسكري النوعي القديم المصمم لحماية التفوق العسكري الإسرائيلي.
2. حزمة مبيعات
دفاعية: وافق ترامب على حزمة مبيعات دفاعية كبيرة، بما في ذلك تسليمات طائرات إف-35
المستقبلية وشراء ما يقرب من 300 دبابة أمريكية، مما يعزز القاعدة الصناعية الدفاعية
الأمريكية ويضمن استمرار المملكة العربية السعودية في شراء الأسلحة الأمريكية.
3. اتفاقية
التعاون الدفاعي (SDA): حصلت
الإدارة على اتفاقيات تعزز دور أمريكا كداعم للأمن الإقليمي، بهدف تعزيز الشراكات العسكرية
الأمريكية لردع التهديدات وهزيمتها. ينظر إلى اتفاقية الأمن والدفاع (SDA) على أنها انتصار لأجندة "أمريكا
أولا"، مما يسهل على شركات الدفاع الأمريكية العمل في المملكة، ويضمن أموالا جديدة
لتقاسم الأعباء من السعودية لتغطية التكاليف الأمريكية.
الالتزامات
المالية والصفقات التكنولوجية
وقد أسفرت
الزيارة عن التزامات اقتصادية كبيرة من المملكة، مستفيدة من الموارد المالية الضخمة
التي تمتلكها، وخاصة الأصول التي يديرها صندوق الاستثمارات العامة والتي تبلغ قيمتها
نحو تريليون دولار.
أعلن ولي العهد
السعودي أن المملكة ستزيد التزاماتها الاستثمارية في الولايات المتحدة من 600 مليار
دولار إلى تريليون دولار، وعلى الرغم من أن المحللين حذروا من أن هذه الأرقام الفلكية
ربما تكون مبالغات هائلة وأوهاما سياسية، فإن هذا الالتزام يعمل على التأكيد على الثروة
والنفوذ المتصورين لحكام الخليج في نظرة ترامب للعالم.
ومن بين الاتفاقيات
المهمة الأخرى التي تم توقيعها خلال الزيارة، الاتفاقيات التي ركزت على التكنولوجيا
المتطورة والبنية الأساسية للطاقة:
• التعاون النووي المدني: توصلت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية
إلى إعلان مشترك بشأن استكمال المفاوضات بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية.
تهدف هذه الاتفاقية إلى بناء الأساس القانوني لشراكة في مجال الطاقة النووية تمتد لعقود
من الزمن وتبلغ قيمتها مليارات الدولارات، مما يؤكد أن الولايات المتحدة هي الشريك
المفضل للتعاون النووي المدني. ويهدف هذا إلى ضمان أن يكون التعاون متسقا مع معايير
منع الانتشار النووي القوية، على الرغم من أن الدول لم تصل إلى حد الالتزام الرسمي
بمنع الانتشار.
• الذكاء الاصطناعي والمعادن الحيوية: وقعت الدولتان مذكرة تفاهم تاريخية
في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يوفر للمملكة إمكانية الوصول إلى الأنظمة الأمريكية
الرائدة عالميا مع حماية التكنولوجيا الأمريكية من النفوذ الأجنبي. كما تم التوقيع
أيضا على إطار عمل للمعادن الحيوية لتعزيز التعاون ومواءمة الاستراتيجيات الوطنية لتنويع
سلاسل توريد المعادن الحيوية.
• التجارة والتمويل: اتفقت الدولتان على تكثيف التعاون بشأن القضايا التجارية،
وخفض الحواجز غير الجمركية، وتحسين بيئة الاستثمار. تركز الاستثمارات السعودية في الولايات
المتحدة على قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي، والتصنيع التكنولوجي المتقدم، والتمويل،
والتكنولوجيا. من المتوقع أن تشهد
العلاقات التجارية والاستثمارية القوية نموا، بما
يتماشى مع الأولويات الاقتصادية الاستراتيجية لكلا البلدين.
ثانيا: الخطوط
الحمراء السعودية: مأزق التطبيع
على الرغم
من رغبة ترامب الشخصية الواضحة في التوصل إلى اتفاق تطبيع سعودي إسرائيلي -وهو إنجاز
محتمل قد يمنحه جائزة نوبل للسلام ويتوق إليه علنا- رفض محمد بن سلمان بأدب الدعوة
للانضمام على الفور إلى اتفاقيات أبراهام.
تبقى نقطة
الخلاف الرئيسية هي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وقد صرّح محمد بن سلمان بوضوح أن
السعودية لن تقبل بالاتفاقيات إلا إذا وُضع مسارٌ ثابتٌ نحو إقامة دولةٍ للفلسطينيين.
وأكد ولي العهد أنه بدون إيجاد طريق للسلام للشعب الفلسطيني، فإن أي تطبيع ستكون له
فوائد محدودة.
ينبع حذر المملكة
العربية السعودية من الاضطرابات الإقليمية الأخيرة وقوة الرأي العام المحلي. في أعقاب
طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والإبادة الجماعية في غزة، يُنظر إلى
التطبيع حاليا على أنه أمرٌ سامٌ للغاية يصعب التعامل معه. أعرب محمد بن سلمان في السابق
عن مخاوفه من تعرضه للاغتيال إذا وقع على الاتفاقيات، في حين يُنظر إلى الإسرائيليين
على أنهم متورطون في أعمال عنف جماعي ضد الفلسطينيين. أدانت القيادة السعودية تصرفات
إسرائيل ووصفتها بأنها "إبادة جماعية" وطالبت بوقف إطلاق النار، مما يعكس
تنامي الرأي العام السعودي، وخاصة بين الشباب، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى معارضة
ساحقة للعلاقات مع إسرائيل.
علاوة على
ذلك، شعر السعوديون بالقلق إزاء ما اعتبروه عدوانية إسرائيلية، وخاصة بعد أن قصفت إسرائيل
قطر في أيلول/ سبتمبر 2025.
إن الحاجة
إلى مسار ثابت نحو حل الدولتين تضمن توافق المملكة مع المشاعر الإقليمية وإظهار التضامن
مع الفلسطينيين، حتى مع الحفاظ على التطبيع كهدف طويل الأجل.
تطبيع السمعة..
وليس العلاقات
بالنسبة لمحمد
بن سلمان، لم يكن الهدف الأساسي للزيارة هو التطبيع السعودي الإسرائيلي، بل تطبيع سمعته
كزعيم دولي وشريك للولايات المتحدة. سعى إلى إثبات أنه "عاد من العزلة" منذ
زيارته الأخيرة في عام 2018، واضعا جريمة قتل خاشقجي وسجل المملكة في مجال حقوق الإنسان
في الخلف، وراء ظهره.
نجح محمد بن
سلمان في تعزيز الصفقات الدفاعية والاقتصادية الثنائية دون تقديم التزامات علنية جادة
بشأن التطبيع، مما يدل على أن العلاقة الحاسمة بين الرياض والولايات المتحدة لم تعد
تعتمد على الاعتراف بإسرائيل. في حين يخشى بعض السعوديين من أن يزيد ترامب الضغط في
وقت لاحق من ولايته؛ فربما بربط تسليم طائرات إف-35 بالتطبيع، إلا أن ولي العهد حصل
على تأجيل من ترامب في الوقت الحالي.
ثالثا: التأثير
على مكانة السعودية الإقليمية
تفرض متطلبات رؤية 2030 قيودا مالية، ما يعني أن الأموال السعودية مطلوبة محليا، مما يعقد توقعات ترامب بأن مبالغ ضخمة ستتدفق بسلاسة إلى الاقتصاد الأمريكي
وأظهرت الزيارة
الدور المتزايد للملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط، مدفوعا بالمتطلبات المحلية
لرؤية 2030 وواقع متعدد الأقطاب جديد.
إن السياسة
الخارجية السعودية، بما في ذلك تعاملها مع الولايات المتحدة، تتأثر بشكل أساسي بخطة
رؤية 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط. يتطلب هذا التحول
الهائل -الذي يتضمن مشاريع بتريليونات الدولارات- أسعار نفط مرتفعة واستقرارا إقليميا
لجذب المستثمرين والسيا.
وفي سعيه إلى
تحقيق هذه الصورة، قاد محمد بن سلمان تغييرات اجتماعية كبيرة، ومع ذلك، يتميز هذا التحول
بتناقض عميق: فبينما يخفف القيود الاجتماعية، ركز محمد بن سلمان في الوقت نفسه سلطة
غير مسبوقة وقمع بشدة جميع أشكال المعارضة.
إن مشروعه
"الإسلام المعتدل" يدور في المقام الأول حول ترسيخ الولاء وتركيز السلطة
الدينية تحت سلطته، وليس إصلاح العقيدة الوهابية بشكل جذري.
تفرض متطلبات
رؤية 2030 قيودا مالية، ما يعني أن الأموال السعودية مطلوبة محليا، مما يعقد توقعات
ترامب بأن مبالغ ضخمة ستتدفق بسلاسة إلى الاقتصاد الأمريكي.
التحوط الاستراتيجي
لقد دفع المشهد
الجيوسياسي الجديد، الذي اتسم بعدم اليقين بشأن التزامات الولايات المتحدة وصعود روسيا
والصين؛ المملكة إلى اتباع استراتيجية التحوط الاستراتيجي. استند الموقف السعودي إلى
"السعودية أولا"، أي أنهم يسعون إلى العمل مع القوى العظمى الأخرى اقتصاديا
وتكنولوجيا مع الاستمرار في اعتبار الولايات المتحدة الشريك الأمني الرئيس.
طورت المملكة
علاقات وثيقة مع روسيا والصين فيما يتعلق بالهيدروكربونات والنفط والتكنولوجيا، فالسعودية
والدول الإقليمية الأخرى تدرك التعددية القطبية كواقع وتضع نفسها في أفضل وضع لتعزيز
مصالحها الخاصة، بدلا من اختيار بين الولايات المتحدة وخصومها. إن محمد بن سلمان غير
مستعد للتضحية بالتحوط الاستراتيجي للسعودية أو أن يصبح رأس حربة أمريكية أو إسرائيلية
ضد إيران.
وفي إطار التحول
البراغماتي نحو خفض التصعيد، وقعت الرياض اتفاقية بوساطة صينية في عام 2023 لاستعادة
العلاقات الدبلوماسية مع طهران، بهدف خلق بيئة خليجية آمنة لخططها الاقتصادية. جاء
هذا التحول الدبلوماسي في أعقاب الهجمات المدعومة إيرانيا على منشآت النفط السعودية
في عام 2019 والرد الأمريكي الفاتر، مما سلط الضوء على حاجة السعودية إلى استراتيجيات
دفاعية جديدة. خلال زيارته لواشنطن، أشار محمد بن سلمان إلى أن بلاده تعمل على تسهيل
التوصل إلى اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران.
رابعا: التكلفة
القيمية والمقابل الأخلاقي
ورغم أن الزيارة
عززت العلاقات الاقتصادية والأمنية، إلا أنها سلطت الضوء في الوقت نفسه على الأبعاد
الأخلاقية العميقة التي تدعم العلاقة بين ترامب ومحمد بن سلمان، والتي تجاهلت حقوق
الإنسان وقللت من مقتل خاشقجي.
إن الطبيعة
المعاملاتية لإدارة ترامب تعني أنه تم تجنب الضغط على حقوق الإنسان والحريات السياسية
بشكل صريح، وقد منح هذا النهج ولي العهد "حصانة كاملة" من عواقب أفعاله القمعية.
الطبيعة المعاملاتية لإدارة ترامب تعني أنه تم تجنب الضغط على حقوق الإنسان والحريات السياسية بشكل صريح، وقد منح هذا النهج ولي العهد "حصانة كاملة" من عواقب أفعاله القمعية
على الرغم
من وجود تقييم استخباراتي أمريكي صدر عام 2021 يفيد بأن محمد بن سلمان وافق على عملية
2018 للقبض على الصحفي جمال خاشقجي وقتله، إلا أن ترامب ناقض هذا التقييم علنا خلال
الزيارة، قائلا إن محمد بن سلمان "لم يكن يعلم شيئا عن ذلك". كان هذا الدفاع
العلني متسقا مع تصرفات ترامب خلال فترة ولايته الأولى، حيث وقف بقوة إلى جانب محمد
بن سلمان واستخدم حق النقض ضد قرارات الكونجرس الرامية إلى وقف مبيعات الأسلحة بعد
جريمة القتل. واصلت المملكة العربية السعودية انتهاك حقوق الإنسان، حيث أعدمت مئات
الأشخاص في عام 2025.
تضارب المصالح
المالية
توثقت العلاقة
الشخصية بين الزعيمين بسبب المعاملات المالية الكبيرة التي جرت بعد انتهاء ولاية ترامب
الأولي، مما أثار تساؤلات جدية حول ما إذا كانت السياسة الخارجية الأميركية تجاه المملكة
العربية السعودية متأثرة بالمكاسب المالية الشخصية.
حصل جاريد
كوشنر، صهر ترامب ومستشاره الكبير السابق الذي دافع سابقا عن محمد بن سلمان بعد مقتل
خاشقجي، على استثمار مثير للجدل بقيمة ملياري دولار من صندوق الاستثمارات العامة السعودي
لشركته الجديدة، أفينيتي بارتنرز، بعد ستة أشهر فقط من مغادرته البيت الأبيض. وبحسب
ما ورد، تم إجراء هذا الاستثمار ضد توصية لجنة الاستثمار التابعة لصندوق الاستثمارات
العامة، والتي كانت لديها مخاوف بشأن افتقار كوشنر للخبرة الاستثمارية. يبدو أن نموذج
أعمال أفينيتي يركز على التجارة في العلاقات التي بناها كوشنر في البيت الأبيض، في
إشارة إلى مشاركته في مسائل السياسة الخارجية مثل اتفاقيات أبراهام وخفض إنتاج أوبك+
لعام 2020. يري المنتقدون أن توقيت هذه الصفقة يخلق مظهرا من أشكال المقايضة لمواقف
كوشنر المؤيدة للسعودية خلال إدارة ترامب.
خامسا: تشكيل
الشرق الأوسط
لقد نجحت زيارة
محمد بن سلمان في تعزيز التحول الاستراتيجي الذي يعود بالنفع على المملكة العربية السعودية
من خلال تأمين التزامات أمنية واقتصادية أمريكية ملموسة، مع تأخير الخطوة الصعبة سياسيا
المتمثلة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
أظهرت الزيارة
أنه في حين أن "السلام الأمريكي" -نظام الهيمنة الأمريكية المستمر منذ عقود
في الشرق الأوسط- قد تعاد صياغته بتقليل الالتزامات، فإن السعودية تستغل بنشاط هيكل
القوة الحالي بالتركيز على المعاملات التجارية للإدارة الجديدة لتعظيم مصالحها الوطنية.
الهدف المركزي
للمملكة هو التحول من موقف رد الفعل الذي يركز على الحفاظ على النظام إلى لاعب إقليمي
وفي أحيان دولي استباقي يركز على الرخاء الداخلي، الأمر الذي يتطلب بيئة إقليمية مستقرة.
إن تعزيز العلاقات الدفاعية مع الولايات المتحدة من خلال وضع حليف استراتيجي من خارج
الناتو، وصفقات الأسلحة الكبرى، بما في ذلك طائرات إف-35 المحتملة، يوفر رادعا حاسما
ضد إيران، ويلبي حاجة أمنية أساسية دون التضحية بالانفراج الذي تم إنشاؤه حديثا مع
طهران. ومن خلال إبقاء احتمال تطبيع العلاقات مع إسرائيل قائما، ولكن بشرط إقامة دولة
فلسطينية، يحتفظ محمد بن سلمان بنفوذ دبلوماسي مع واشنطن، بينما يُرضي المنتقدين المحليين
والإقليميين.
وتؤكد نتائج
الزيارة أن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، على الرغم من تجددها وتعميقها،
تظل أساسا غير مستقر للأمن الدائم. إنها شراكة تُحددها استراتيجية محمد بن سلمان "السعودية
أولا" وأجندة ترامب "أمريكا أولا"، وهي رابطة مبنية على المصالح الأمنية
المشتركة والتبادل المالي الضخم، والأساس الشخصي لا المؤسسي مع إغفال للقيم.
إن العلاقة
بين ترامب ومحمد بن سلمان، كما يتضح من الزيارة، تعمل على الصفقات: يتم تبادل الأصول
الضخمة (الاستثمار السعودي، النفوذ النفطي) مقابل خدمات حيوية (تكنولوجيا الدفاع الأميركية،
إعادة التأهيل السياسي)، مع هيكلة العقود والاتفاقات لخدمة المصالح المالية والأمنية
المباشرة لكلا الزعيمين، بغض النظر عن المخاوف الأخلاقية أو الاستقرار النظامي على
المدى الطويل.