صحافة دولية

الغارديان: "أمريكا ترامب" تتحول إلى "دولة مارقة" تهدد النظام العالمي

الكاتب اعتقد أن الأمر يتعلق بالسياسة الداخلية في أمريكا - جيتي
الكاتب اعتقد أن الأمر يتعلق بالسياسة الداخلية في أمريكا - جيتي
تتصاعد في الآونة الأخيرة التحذيرات من انزلاق العالم نحو مرحلة تتراجع فيها هيبة القانون الدولي لصالح سياسات القوة والضربات المنفردة، وسط ممارسات عسكرية وسياسية تعكس حالة انفلات غير مسبوقة في النظام العالمي.

نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للمعلق سايمون تيسدال قال فيه إن الولايات المتحدة تحولت إلى دولة مارقة، وما عليك إلا النظر للقتل الذي يحصل خارج القانون على شواطئ فنزويلا، وقال إن الضربات التي تم شجبها على مستوى عالمي واسع تمثل آخر إشارة عن إحياء دونالد ترامب الطموحات الاستعمارية دليل على انهيار النظام العالمي القائم على القواعد.

وأضاف أن قرار بريطانيا بتعليق التعاون الاستخباراتي مع البنتاغون فيما يتعلق بالقوارب التي يشتبه أنها تحمل مهربي مخدرات في منطقة الكاريبي، يعد عملا متواضعا، وإن كان رمزيا، لمقاومة نزعات دونالد ترامب الإمبريالية.

وأضاف  كاتب المقال أن بريطانيا اعترضت على الغارات الجوية الأمريكية المتكررة والقاتلة ضد مهربين مزعومين قبالة سواحل فنزويلا، والتي أدينت بشكل واسع باعتبارها عمليات قتل خارج نطاق القضاء ترقى إلى مستوى القتل.

وعلق تيسدال أن هذه الضربات يبدو أنها تنذر بهجمات أمريكية مباشرة على فنزويلا نفسها. وأضاف أن ترامب لا يخفي رغبته في الإطاحة بنظام نيكولاس مادورو، ذي النزعة اليسارية. ويؤيد معظم الفنزويليين هذا الهدف، لكنهم لا يؤيدون وسائله.

اظهار أخبار متعلقة


وأشار إلى أن  تغيير النظام الذي تفرضه قوة أجنبية بالقوة يخالف القانون الدولي، ما لم يكن يكن بتفويض من الأمم المتحدة أو ينفذ دفاعا عن النفس.

وأضاف الكاتب أن أي محاولة تغيير للنظام، وسواء أكانت قانونية أم غير ذلك، لا ينتهي بخير أبدا لأمريكا التي تفتقر  إلى مبرر مقنع للحرب، على الرغم من تصوير ترامب الخيالي لمادورو، وزعماء كارتل أمريكا اللاتينية، على أنهم "إرهابيو مخدرات" تعتبرهم الولايات المتحدة في حالة حرب.

لكن ترامب لا يكترث، فهو يعتقد أنه وبلاده فوق القانون وأن القوة على حق دائما.

وقال تيسدال إن هذا يجعلنا نسمي الأشياء باسمها: هذا بالضبط نوع من إمبريالية وقحة كتلك التي تمردت عليها مستعمرات العالم الجديد.

وتابع أن النظرة التوسعية الإقليمية المتضخمة للإدارة الثانية لترامب هي أبرز مظهر حديث لعصر جديد ينعدم فيه  قانون الدولة الذي ترسخت آثاره في جميع أنحاء العالم، حيث يتم  تجاهل واحتقار أسس القواعد والعمل المشترك لمعالجة المشاكل العالمية التي تهم الجميع.

ففي أوكرانيا، نقل فلاديمير بوتين انعدام قانون الدولة إلى أقصى الحدود، ولا يبدو أن أحدا قادر أو راغب في إيقافه.

وحذر الكاتب من مخاطر اندلاع صراعين خطيرين ويتطوران سريعا:

الأول هو الهجوم الأمريكي المتوقع على فنزويلا، والذي قد يشعله ترامب، المتغطرس كأي زعيم يحلم ببناء إمبراطورية يعتمر خوذة فولاذية من القرن التاسع عشر، في وقت قريب. أما الثاني، فهو احتمال إعادة إشعال حرب الصيف غير المنتهية بين إسرائيل وإيران، إلى جانب هجوم إسرائيلي متجدد على حزب الله في لبنان وحرائق قد تكون أسوأ بكثير هذه المرة.

اظهار أخبار متعلقة


وقال تيسدال إن ترامب كعادته، ليس لديه خطة لفنزويلا، ولا يفكر في "اليوم التالي". ومثل جورج دبليو بوش في العراق عام 2003، يبدو أنه يعتقد أن الديمقراطية الفاعلة ستتجسد بطريقة سحرية في كاراكاس ما بعد الانقلاب.

وعلى أي حال، فهو لا يحترم الحكم التمثيلي ولا أمن وازدهار الفنزويليين. وما يهمه أكثر هو نفط البلاد وغازها ومعادنها، وتحقيق انتصار سهل.

وأشار الكاتب إلى سابقة لم تكن ناجحة وتثار حولها الشكوك، أي الغزو الأمريكي لبنما عام 1989 للإطاحة بالحاكم المتهم أيضا بتجارة المخدرات مانويل نوريغا. فلم تكن عملية "القضية العادلة" سهلة، فقد قتل عدة مئات من المدنيين وبعض الجنود الأمريكيين. فنزويلا بلد أكبر بكثير، ويصعب إخضاعه.

ويذكر الكاتب أنه كتب تقريرا عن أزمة بنما لصحيفة "الغارديان"، أشار فيه إلى حدوث الكثير من الخطأ حينها بالنسبة لـ"أسماك البيرانا" - وهو الاسم الذي أطلقه نورييغا على الغزاة، وقد يحدث ذلك مرة أخرى.

وأعتقد الكاتب أن الأمر يتعلق بالسياسة الداخلية في أمريكا، ففي عام 1989، كان جورج بوش الأب، المنتخب حديثا، بحاجة إلى نصر في "حربه الرئاسية على المخدرات" المميزة. وكان نورييغا، المخبر السابق لوكالة المخابرات المركزية، يعرف الكثير، بينما أراد بوش، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية، إسكاته.

ومن هنا فشيطنة مادورو تساعد ترامب على الادعاء بأنه هو أيضا يهزم أباطرة المخدرات. كما أن العمليات العسكرية المحدودة في فنزويلا قد تصرف الانتباه عن “الجثة الهامدة في الخزانة": فضيحة جيفري إبستين.

أما بالنسبة للحرب الثانية التي تتطور، فغياب القانون في الشرق الأوسط، هو من مسؤولية إسرائيل وإيران. فبعد أن أُجبر على مضض على وقف إطلاق النار في غزة (الذي لا يلتزم به)، يسعى بنيامين نتنياهو وحكومته، المدمنة على العنف والرافض للسلام، إلى ضرب أهداف جديدة. وتذكر الأعداد القياسية من هجمات المستوطنين اليهود، التي غالبا ما تكون بلا رادع أو عقاب ضد فلسطينيي الضفة الغربية، وبخاصة على إمدادات الغذاء والماء بأعمال الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.

وقال الكاتب إن إسرائيل تقوم بقصف جنوب لبنان بشكل مستمر، مدعية أن الجيش اللبناني فشل في نزع سلاح حزب الله بعد هدنة العام الماضي وأن المقاتلين المدعومين من إيران يعيدون تنظيم صفوفهم.

وحذر أمير تيبون، المعلق في صحيفة "هآرتس"، قائلا: "إن نتيجة هذا الواقع هي احتمال متزايد بأن تتصاعد هجمات إسرائيل على لبنان إلى حرب شاملة مرة أخرى في مرحلة ما خلال الأسابيع المقبلة".

وتابع تيسدال أن استئناف الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران هو أكبر مصدر للقلق.  فقد ادعى ترامب في حزيران/يونيو أن المنشآت النووية الإيرانية قد "دمرت"، وقد كذب.

اظهار أخبار متعلقة


ومن اللافت للنظر أن كلا من ترامب ونتنياهو هددا منذ ذلك الحين بشن هجوم جديد. ويشير المحللون إلى أن هجوما إسرائيليا آخر أمر لا مفر منه، بالنظر إلى الشكوك التي لا تهدأ حول القدرات النووية الإيرانية وانهيار المفاوضات وعمليات التفتيش التي تقوم بها الأمم المتحدة وإعادة فرض عقوبات أكثر صرامة.

وقال تيسدال إنه في ظل الفوضى السياسية والأزمات الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية وتخلي حلفاء رئيسيين عنها مثل سوريا، التي التقى زعيمها ترامب الأسبوع الماضي، تعد إيران الضعيفة هدفا مغريا لنتنياهو، الذي يصر على أنها لا تزال تشكل تهديدا وجوديا. لكن ضعفهم بحد ذاته قد يجعل ملالي طهران أكثر خطورة. وتفيد التقارير بأن إيران تصنع آلاف الصواريخ. إذا تعرضت لهجوم، فقد ترد بقوة أكبر في المرة القادمة.

كما أن تكرار العدوان الإسرائيلي غير المبرر، بدعم أمريكي، سيكون مثالا آخر على انعدام القانون من قِبل الدولة. ولكن من سيوقفه؟ لا الأمم المتحدة. ولا المحاكم الدولية ولا أوروبا المُذعورة ولا الدول العربية التي تهادن ترامب. قد تتكشف قصة محزنة مماثلة من الإهمال واللامبالاة والعجز إذا غزت الصين تايوان، على سبيل المثال أو إذا غزت روسيا مولدوفا أو حتى إستونيا، العضو في حلف الناتو.

ويختم تيسدال مقالته بالقول، هذا هو العالم كما هو عليه الآن، حيث يظهر انعدام الدولة والقانون بتعبيره النهائي عبر سباق تسلح نووي عالمي متسارع لا تقيده معاهدات الحد من التسلح أو المنطق السليم.

وقد استأنف ترامب التجارب النووية وحذا بوتين حذوه. فيما يتباهى شي جين بينغ بالترسانة النووية الصينية ويخفي ونتنياهو ترسانة إسرائيل، أما زعماء الهند وباكستان فيهددون بالدمار المتبادل. ويصنع كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية أسلحة نووية وكأن لا غد بعد اليوم، وبهذه الوتيرة قد لا نجد غدا أو مستقبلا. فالجميع أصبحوا يديرون دولا مارقة، وكما قيل فهؤلاء الأشخاص قادرون على قتلنا جميعا.

التعليقات (0)